يقدم محمد الساسي، القيادي في فيدرالية اليسار، نقدا لاذعا لتجربة بنكيران الحكومية، ويعتبر أن الرجل الذي خرج بعد خمس سنوات ليشتكي من التحكم، لم يقم بشيء لمحاربته، إلا في الحالات التي اشتغل هذا التحكم ضده وضد حزبه. وقال في هذا الحوار، ان بنكيران، الذي يقول انه يواجه "التحكم"، أسدى له خدمات أكثر مما يتصور. – دشنت فيدرالية اليسار الديمقراطي مشاركة واسعة في انتخابات 7 أكتوبر بتغطية معظم الدوائر، لماذا هذه المشاركة اليوم بعد مقاطعتكم انتخابات 25 نونبر 2011 التي تزامنت مع الحَراك العربي، وما الذي تغير بعد خمس سنوات على تطبيق دستور 2011؟ التوجه السائد، داخل الفيدرالية، ينطلق من كون المشاركة هي الأصل، ولهذا شاركنا في انتخابات 2007 و2009، والمقاطعة هي استثناء يأتي في ظروف خاصة جدا، وقد عشنا بعد انبثاق حركة 20 فبراير ظروفا خاصة. الحزبان اللذان قاطعا انتخابات 2011، ربما، اعتبرا أن المشاركة ستكون بمثابة خيانة لحركة 20 فبراير، ولكنها كانت مقاطعة من داخل منطق المشاركة أي أن الهدف منها هو الضغط لتوفير شروط أحسن للمشاركة، واعتقدنا أن حَراك الشارع قادر على إيصالنا إلى انتخابات مُؤَسِّسَةٍ للانتقال، واعتبرنا أن الشارع أصبح حلبة مركزية للنضال هَمَّشَت الحلبات الأخرى، مؤقتًا، في انتظار إعادة هيكلة المجال الانتخابي بصورة جذرية. لسنا نادمين على كوننا وضعنا كل بيضنا في سلة حركة 20 فبراير، وفي 2015 استأنفنا مسيرة المشاركة ونحن ندرك أننا لسنا في ديمقراطية، بل في هامش ديمقراطي يمكن أن يسمح لنا بتطوير التيار الديمقراطي في المجتمع. ستستمر علاقتنا بالشارع وبالحركات الاجتماعية والنضالات المطلبية وسنعمل على أن يكون لها صوت في المؤسسات، حتى تعكس هذه الأخيرة بعضًا من مطالب وطموحات الساحة الجماهيرية وحتى تنجح هذه الساحة في الاستفادة من وجود من يعبر عنها ويدعمها من داخل مجلس النواب. * تقدمون أنفسكم كخط ثالث بين البام والبيجيدي، لكنكم لحد الآن لم تنجحوا في تشكيل جبهة يسارية كبيرة تضم الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، كيف ستقنعون الناخبين بالبديل الذي تطرحونه؟ رغم وجود عدد من الفوارق، فالبام والبيجيدي يحملان العديد من السمات الجوهرية المشتركة، يقدمان اليوم برنامجين انتخابيين متقاربين، ويعتبران، معًا، في النهاية بأن الملكية البرلمانية ليست ضرورة حيوية للتقدم السياسي، الآن. بنكيران الذي يشتكي من التحكم، قَدَّمَ لهذا التحكم خدمات لا تُتَصَوَّر، فالرجل تجنب خوض حرب منهجية شاملة ضد الفساد وجامل المفسدين، وأفرغ الشارع من الذين خرجوا للمطالبة برحيل التحكم وحاربهم وشيطنهم وقدمهم للمجتمع في صورة سلبية. وهو كاد يفرغ الشارع من المعطلين بدون أن يزيد في مناصب الشغل، واقتطع من أجور المضربين بدون أن يلبي مطالبهم، وأجهز على صندوق المقاصة، و"حَلَّ" مشكلة التقاعد على حساب الموظفين، وانتصر للأعراف السابقة على حساب الدستور واعتبر أنه مجرد مساعد لملك يحكم ويسود وأن ذلك هو الأصل وأن الأشياء كانت كذلك ويجب أن تبقى على حالها، وتبنى الوصفات الاقتصادية نفسها التي اعتُمدت على مدى عقود خلت، ورهن مستقبل الأجيال المقبلة باللجوء المفرط إلى المديونية. واعتبر أنه غير معني لا بالأوراش الكبرى ولا بالمخططات القطاعية ولا بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ولا بزيارات الخليج والتحالف مع أنظمتها ولا بعمل الأمنيين وتدخلاتهم، ورَوَّجَ لمقولات هيبة الدولة واعتبر أن من حق مسؤولي القطاعات الأمنية أن يقوموا بعملهم بكل حرية وكما يحلو لهم وفق القواعد التي ورثوها، ولم ينتقض بسبب ظروف إجراء الانتخابات الجزئية، ولم يقدم تصورًا لإصلاح التعليم، واعتبر قضايا العلاقات الخارجية والصحراء غير داخلة في اختصاصه، وقبل استمرار استقلالية وزارة الداخلية وتواتر الحملات القمعية ضد المحتجين والمعارضين وتشميع البيوت ومتابعة الصحافيين واصطناع ملفات أخلاقية ضد المغضوب عليهم، وقدم لقوى التحكم، من خلال مشروع مسودة للقانون الجنائي، كل الوسائل التي لم تحلم بها من أجل مساعدتها على الضبط الأمني للمجتمع مقابل السماح له بالضبط الأخلاقي الظاهري للمجتمع. قَدَّم حزب العدالة والتنمية لقوى التحكم ما لم يقدمه لها حزب آخر، ولكن توقيت انتفاضته (زيارة الصين – مسار التحضيرات الانتخابية الرسمية) يبين أن السبب فيها هو خشيته أن لا يحل في المرتبة الأولى في الانتخابات. طبعًا كل المناورات التي تهدف إلى حرمانه، بشكل تعسفي، من هذه المرتبة يجب أن تُدان، ولكن ممارسة السنوات الأخيرة تثبت أن الحزب يقبل التضحية بالديمقراطية في سبيل هذه المرتبة. الانتخابات جزء من الديمقراطية ولكن الحزب، على ما يظهر، يتغاضى عن كل الخروقات التي تطال مسلسل الانتخابات برمته إلا تلك التي يمكن أن تمس بشكل مباشر حقه في تصدر الانتخابات إذا زكى الناخبون ذلك. بدخوله الحكومة في 2012، راهن حزب العدالة والتنمية على تحييد منظومة التحكم لكي لا تشتغل ضده ولو بالعمل والاندماج فيها وإقناع النظام بأنه الأقرب إليه إيديولوجيا (التوجه الاقتصادي – الهوية – التاريخ – العادات والطقوس)، وإنه سيدفعه إلى الكف عن استهدافه حتى ولو استهدف غيره. اليوم، يتبين، ربما، أن النظام رفض هذه التسوية، خصوصا وأنه لم يصدر عنه، في السابق، ما يفيد بأنه قبلها. منظومة التحكم، في نظرنا، حتى وإن تعددت التسميات، تقوم على 1- ثبات مركز اتخاذ القرارات الاستراتيجية والرئيسية 2- المُقرِّرُون غير منتخبين 3- دائرة القرار مغلقة 4- القرارات تُتخذ خارج أي نقاش عمومي أو محاسبة 5- تدخل المصالح الذاتية للمقررين في رسم القرارات 6- الحرص على استمرار هذا الوضع بدفع النخب إلى تزكيته والدفاع عنه عبر وسائل عدة للتدخل في مجرى الحياة الحزبية وهيكلة الحقل السياسي. وعندما يصر الأستاذ بنكيران، في عدة مناسبات، على تأكيد رفضه للملكية البرلمانية، فإنه يعني بذلك أنه ليس ضد المنظومة من حيث المبدأ، بل هو ضدها عندما تشتغل في مواجهته وتستهدفه. وهي تفعل ذلك لأن وجودها يتناقض مع وجود حزب سياسي له حيوية وقدرة على اتخاذ قراراته باستقلالية ويتطور انتخابيًا، فهي تخشى أن يتمكن، يومًا، من الحصول على الأغلبية المطلقة. حزب العدالة والتنمية يضم هياكل داخلية حية ومناضلين ذوي حوافز، والعضوية، لدى أكثرهم، لم تُبن على أساس تحصيل منافع ذاتية مباشرة، لكنه لم ينحن للعاصفة مكرهاً كما يحاول الإيحاء بذلك، بل ساهم في تأجيج العاصفة ضد الآخرين وضد فئات واسعة من الشعب، ولم يكن، في يوم من الأيام مجبرًا على ذلك، وحاول أن يثبت لآلية التحكم أنه ابن شرعي للمنظومة وليس عدوها، وساهم، بالتالي، في تعليق إمكان الانتقال الحقيقي. نحن في فيدرالية اليسار الديمقراطي، لم نعلن عن رغبتنا في بناء جبهة مع الاتحاد الاشتراكي أو التقدم والاشتراكية، في وضعهما الحالي. يُوجد، داخلهما كثير من أساتذتنا ومن المناضلين النزهاء الذين نأمل أن نلتقي بهم غدًا في ورشة إعادة البناء. نريد تحضير عرض سياسي جديد للمغاربة في شكل حزب اشتراكي ديمقراطي، عصري، متعدد التيارات، منفتح، معتدل، متعاقد مع جزء من المجتمع المدني الحداثي، وقادر على تجاوز أخطاء الماضي وإعطاء ضمانات جديدة للمواطنين. إن عدد الرموز الفنية والأدبية والحقوقية والإعلامية والأكاديمية والمدنية التي أعلنت عن دعمها للفيدرالية وتبنيها للخط الثالث، يمثل عربونا ماديًا على حصول تطور مهم في مسارنا السياسي وسابقة جديرة بالاهتمام، لكننا لا نستطيع تحديد الدرجة التي ستتم بها ترجمة ذلك انتخابيًا، ولكننا متفائلون. * ما الذي يميز الحملات الانتخابية للفيدرالية عن بقية الأحزاب الأخرى؟ بالنسبة إلى ظروف سير الحملة، سبق لمنظمات حقوقية ذات مصداقية أن رَتَّبَتْ الحملة الانتخابية السابقة لفيدرالية اليسار الديمقراطي. كأنظف حملة مقارنة بالأحزاب الأخرى، أما بالنسبة إلى الخطاب، فجل الأحزاب تشارك في عرض برامجها وأرقامها في التلفزيون وفي اللقاءات التواصلية بشكل أشبه بخدعة سينمائية، إذ لا تقول الأحزاب كيف تستطيع تطبيق تلك "البرامج". القضية المطروحة في المغرب هي أن يصبح البرنامج برنامجًا، وأن نضمن وحدة البرنامج وأن تكون للحكومة وسائل تنفيذ برنامجها وأن يمثل وثيقة مرجعية وحيدة ملزمة للدولة كلها. في المغرب، تجد الحكومة نفسها أمام : 1- الأوراش الكبرى 2- المخططات القطاعية 3- المبادرة الوطنية للتنمية البشرية 4- التزامات المغرب مع المؤسسات المالية الدولية، وسيكون على الحكومة أن تتحرك في هامش ضيق وتدبر الندرة. وفي النهاية سيخرج رئيس الحكومة، بعد التعيين، ليقول إن برنامجه هو برنامج الملك. المطلوب ليس فقط، أن نضع إجراءات وأرقام ونقول للمواطنين: هذا برنامجنا، بينما نحن نعلم بوجود ما يمكن تسميته ببرنامج الدولة القار، المطلوب هو أن نغير هذا الوضع حتى يصبح لتقديم البرنامج معنى، وإلا فإننا سنستمر في وضع تكونُ فيه للأحزاب "الفائزة" برامج ذات طابع استئناسي فقط. فيدرالية اليسار الديمقراطي تتميز بالربط بين الشق الاقتصادي والاجتماعي، في البرنامج، والشق المؤسسي والسياسي، وكل حزب لا ينطلق من هذا الربط إنما يساهم في تزكية الخدعة السينمائية المشار إليها. هناك إصلاحات ضرورية لكي نتمكن من إعادة الاعتبار للبرنامج. * هل سجلتم أي خروقات انتخابية؟ الخروقات متعددة وتشمل مراحل مختلفة من المسلسل الانتخابي، لكن حزب العدالة والتنمية لا يهتم إلا بالخروقات التي تقع في مواجهته وتحاول إضعافه، والباقي لا يهمه ولا يُسمى، في عرفه، خرقًا. الحزب لم يخض أية معركة جدية من أجل محاربة الفساد الانتخابي أو ضمان موضوعية التقطيع، أو استيعاب الأحزاب المبعدة، أو التسجيل التلقائي في اللوائح، أو إشراف هيئة مستقلة على الانتخابات. لا مشكل، عنده، أن تظل الأوضاع كما هي عليه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، مادام يحصل على المرتبة الأولى. ما وقع، مثلاً، لمناضلي حزب البديل الديمقراطي، يمثل فضيحة من العيار الثقيل، لقد أُبطل التأسيس القانوني للحزب، ثم حِيل بين المؤسسين وبين استكمال وثائق الملف القانوني بشكل غاية في التعسف. ومن جهة أخرى، يلاحظ، أيضًا، أن حزب بنكيران يرد على الوسائل المستعملة ضده باستعمال وسائل لا تختلف كثيراً عن الأولى. وهذا يُسقطه في الفخ، فهو، أيضًا، أصبح يعتبر هدف احتلاله المرتبة الأولى مسوغاً لركوب كل السبل للرد على خصومه، فيرشح أسماء يعلم علم اليقين أن قبولها للترشيح باسمه لم تمله القناعة، بل تداعيات الصراع داخل أحزابها الأصلية. ما معنى أن يجلس رئيس الحكومة الذي يُفترض أن يكون الأحرص على القانون، بجانب مرشح للعدالة والتنمية مازال حتى تلك اللحظة يمارس مهامه كرئيس لحزب آخر؟ وما معنى أن تتم استعارة مرشحين من أحزاب إدارية معروفة باستعمال وسائل منتقدة من حزب العدالة والتنمية أو في سياق يحمل شبهة تبادل للمنافع؟ * إذا حققتم نتائج إيجابية وعرض عليكم المشاركة في حكومة يقودها البيجيدي أو البام، هل ستوافقون؟ وماذا ستكون أولوياتكم؟ لن نتحالف أبدًا مع البام، أي مع حزب طالب الشارع، في 20 فبراير 2011 برحيله. لقد قِيل بأن خطاب 9 مارس كان الجواب الملائم عن مطالب الحَراك، وهو، بكل تأكيد، تَضَمَّنَ عناصر إيجابية. لكن الجواب السياسي يظل ناقصًا مادام لم يعمل على حل مشكلة البام. هذا الحزب يضم في صفوفه بعض اليساريين ممن لهم تاريخ نضالي محترم، لكن تدشين مرحلة جديدة كان يقتضي فتح ملف البام ومجموع الأحزاب الإدارية واتخاذ إجراءات لجبر الضرر الجماعي المترتب عن وجودها. أما العدالة والتنمية، في صورته الحالية، ورغم بعض التقدم المسجل في بعض فقرات أطروحات مؤتمراته الأخيرة، فإن خطه الإجمالي العام والذي كرسته الممارسة "البنكيرانية" وفتاوى التوحيد والإصلاح، سنكون معه على طرفي نقيض بخصوص القوانين والحقوق المدنية للمرأة والنظام الجنائي والخيار الاقتصادي ومفهوم الديمقراطية وعلاقة الأغلبية بالأقلية ومناط الحريات والعلاقات الخارجية والمقررات التعليمية. من الصعب أن نتحالف اليوم مع من يعتبر ابن تيمية مرجعيته الأصلية ويعتبر نزول المطر رضا من الله على الحكومة ويعتبر بعض صور القتل أو الجرح أو الضرب تعبيرًا طبيعيًا عن "الرجلة". نحن نعتز بإسلامنا، ونقدم في اللائحة الوطنية لنساء الفيدرالية 28 محتجبة من أصل 60 امرأة، دون احتساب المرأة التي ترتدي اللباس الصحراوي الذي يغطي الجزء الأكبر من شعر الرأس، أما لائحة البيجيدي ففيها امرأة واحدة بدون حجاب، ولا نحتاج إلى التدليل على اللائحة الأقرب إلى التعبير عن الواقع المغربي، هل فعلاً امرأة واحدة من بين كل 60 امرأة، مغربية، هي من لا يلبس الحجاب؟ علمًا بأننا نترك لعضواتنا اختيار اللباس الذي يفضلنه ولا نفرض على العاملات بمؤسساتنا لباسًا واحدًا. ونتعاون مع كل من يحمل فكرًا إسلاميًا متنورًا ومقاصديًا، ونتمنى أن يتجذر، داخل الحركات الإسلامية، مثل هذا الفكر المتصالح مع الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمستلهم من تراث حركة التجديد والنهضة التي حمل لواءها محمد عبده والطهطاوي وآخرون وسار على نهجهم علال الفاسي وغيره. ولا معنى لكي نشارك في حكومة تدعي الإصلاح باستعمال آليات وأدوات الإفساد التي أوصلت البلاد إلى الوضع الذي تُوجد عليه اليوم. ولا معنى لكي يمضي وزير أول ولاية كاملة ثم يصرح، بعد انتهائها، بأن حكومته كانت مقيدة بتقاليد عتيقة ولم تكن تتوفر على وسائل تنفيذ وعودها وعانت من وجود ازدواجية بين سلطة الدولة وسلطة الحكومة، ويأتي رئيس حكومة، بعد ذلك، وفي المرحلة الأخيرة من ولايته، لكي يقول بوجود دولتين ولكي يحكي عن معاناته مع التحكم. مهمة رئيس الحكومة ليست الشكوى ولكنها هي بالضبط هزم التحكم وتغيير الوضع الذي يشتكي منه. هل من المنطقي أن يتحول رئيس الحكومة بعد كل 5 سنوات إلى محلل سياسي يذكرنا بما تناولته الأبحاث والدراسات الجامعية لمغاربة وأجانب؟ بنكيران لم يكن مكرها على الدخول إلى الحكومة، في الشروط التي دخل فيها، ولا يمكن له الاحتجاج بكونه لم يكن يعلم! * لا يمكن أن يأتي، في كل مرة، رئيس حكومة ليقول لنا إن هناك من حال بينه وبين تنفيذ وعوده، ومتى نخرج من هذه الحلقة المفرغة؟ كسياسي وجامعي كيف تابعت الضغوط التي تعرض لها بعض المرشحين للانسحاب من التنافس (حالة عواد في سلا / بوصوف في تاونات والحرفي في سيدي قاسم ومنع ترشح القباج في مراكش)؟ مثل هذه الضغوط ليست جديدة، فلقد سبق أن مورست ضغوط على أفراد كانوا ضمن لائحة خاصة تضم أشخاصا تلاحقهم شبهة الاتجار في المخدرات، وسبق، أيضا، أن مُنِعَ أفراد من الترشح بصورة مستقلة بتعليمات إدارية صرفة، وفي هذه الانتخابات حِيل، عملياً، بين حزب البديل الديمقراطي وبين تقديم مرشحين، من خلال عرقلة التأسيس. ضحايا مثل هذا الاستبعاد لم يكونوا ينجحون في إعطاء الحدث دويًا وطنيًا ولم يكونوا يجدون من يساند موقفهم، فيتم طي الصفحة. لكن حالة القباج، تستدعي، في نظري بعض التوقف، فموقف النظام ضعيف قانونيا وقوي سياسيا، وموقف العدالة والتنمية ضعيف سياسيا وقوي قانونيا. القانون لا يفرض على المرشحين تقديم شهادة إدارية تُقَدِّرُ من خلالها السلطة الإدارية مدى سلامة مواقف المرشح وأفكاره. هذا صحيح، ولكن كان الأولى أن لا يعمد حزب العدالة والتنمية إلى ترشيحه. يُقال لنا إن الرجل سلفي معتدل ووسطي ونحن نقول هل التسجيلات التي سمعناها، والتي تتضمن خطابا معاديا لليهود وناشرا للكراهية ضدهم، صحيحة أم مزورة؟ إذا كانت صحيحة، فإن الحديث عن اعتدال الرجل يصبح نوعًا من السوريالية. * ما هي الصورة التي رسمها بنكيران لرئيس الحكومة وعلاقته بالملك؟ عشنا خلال هذه الخمس سنوات، في ظل حكومة عادية برئيس حكومة غير عادي. الحكومة سارت على النهج العام ذاته وتبنت، تقريبًا، النظرة نفسها للأشياء. كان يمكن في ظل حكومة لحزب آخر كحزب الاستقلال، مثلاً، أن نُوجد أمام نفس النتائج ونفس ردود الفعل ونفس السلوكيات ومراجع تأطير ممارسة الوزراء وربما، نفس الفضائح أيضًا، أو ربما أقل. * ما الذي تغير إذن؟ رئيس الحكومة كان، بكل تأكيد، مسؤولاً حكوميًا لا نمطيًا، ساهم في تغيير صورة رئيس الحكومة. رجل حاضر، إعلاميًا، بقوة، خطابه جذاب، يجمع فيه بين منطق المعارضة ومنطق رئيس الحكومة، يجمع فيه بين الحديث عن فصول الحياة الخاصة والحياة العامة. رئيس حكومة نعرف عنه كل شيء، يوميًا، تقريبًا. هذه الصورة فيها الإيجابي طبعًا، فهي تساهم في تقريب الناس من السياسة. ولكنها تتضمن بعض التناقضات ونقاط الضعف، فالرجل يقول جزءاً من الحقيقة، ولكنه يخفي أجزاء أخرى. يقول بضرورة حل مشكل التقاعد، ولكنه لا يفصل في أسباب قيام المشكل ومسؤولية مختلف الأطراف، ووجود إمكان حل المشكل بطريقة أقل إضراراً بالموظفين. الخصاص في الحصيلة نجح في تعويضه بتضخم في الخطاب، وهو ما لا يمكن أن يستمر دائماً، ولا يمكن أن يستمر في القول إنه شخص غير فاسد ويعتبر ذلك كافيا لإعفائه من مهمة محاربة الفساد. اعتمد البام في ترشيحاته الأخيرة على أصحاب الأموال والأعيان. هل تتوقع أن يفوز في الانتخابات المقبلة بناء على نتائجه في انتخابات 2015؟ البام يعتمد على الأعيان التقليديين وهم بمثابة الجسد وعلى عدد من الوجوه اليسارية السابقة وهي بمثابة الرأس. إنه كيان يجر معه تشوها خِلْقيًا وتناقضات بين مكونيه، وخارج محاربة الإسلاميين، المشاركين في اللعبة، تبقى هويته غامضة، فهل المشكل في المغرب هو فقط، حزب العدالة والتنمية. نلاحظ مثلاً أن حزب الجرار غير منشغل، كثيراً، بنقد خطاب جماعة العدل والإحسان ومواجهته باسم الحداثة. وذلك لأن الجماعة لا تمثل أية مشكلة انتخابية الآن، فهل قبل مجيء البيجيدي لم تكن هناك أية مشكلة في المغرب؟ أليست المشكلة الأساسية في المغرب هي الطابع السلطوي للنظام؟ أتصور شخصياً، أن هناك سعياً لتحقيق ثلاثة أهداف، من خلال كل الترسانة من الوسائل التي يتم تكثيفها بشكل مرعب لإعادة ضبط التوازنات: الهدف الأول هو حصول تقارب في النتائج بين الحزب الأول والحزب الثاني، سواء كان الحزب الأول هو البام أو البيجيدي أو غيرهما. الهدف الثاني هو حصول مصالحة بين البام والبيجيدي وإمكان تشكيل حكومة مشتركة. الهدف الثالث هو ترتيب الوضع بشكل يمنع حزب العدالة والتنمية من التمتع بالهامش نفسه الذي تحرك فيه خلال مدة هذه الولاية، على مختلف المستويات. وقد ظهر، منذ الآن، في جولات بنكيران الحالية، أنه فقد جزءاً من طاقته الهجومية وأُصيب خطابه ببعض الإجهاد وأصبح يعي بأنه لم يعد يملك الحرية ذاتها في القول التي كانت له من قبل. هناك من يقول بأنكم في فدرالية اليسار لم تطوروا خطابكم، وبقيتم حبيسي أطروحات نظرية، منعتكم من النزول إلى الواقع، ولم تستوعبوا الدرس من النتائج السلبية التي حصلتموها في محطات انتخابية، أظهرت بعدكم عن المجتمع؟ الحقيقة أننا انتقلنا من الخطاب الإيديولوجي إلى الخطاب السياسي، وفي التسعينات، طرحنا فكرة الملكية البرلمانية. السؤال هو هل طورنا خطابنا السياسي أم لا؟ لا أستطيع أن أتبجح بهذا، لكن خروج حركة 20 فبراير رافعة شعار "ملك يسود ولا يحكم"، و"ربط المسؤولية بالمحاسبة"، عكس مطالبنا في مذكرتنا للإصلاحات الدستورية والسياسية لسنة 2006 و2007. كنا ننعت بأننا دستورانيين، لكن الشارع أنصفنا. لا ننسى أن محاضرة عبد الرحمان اليوسفي في بروكسيل، وحديث ابن كيران عن وجود دولتين يدعم خطابنا السياسي الداعي للإصلاح السياسي. اليوم خطابنا وصل إلى فئات مختلفة بما فيها الليبرالية، وشعاراتنا حول "الانتقال الديموقراطي"، و"فصل السلطة عن الثروة"، وغيرها وجدت صدى عند فئات كثيرة. تنتقدون هجوم ابن كيران على التحكم، لكنهم بالمقابل قبلتم باللعبة السياسية الحالية، أي المشاركة في الانتخابات في ظل ملكية تنفيذية، أليس هذا قبولا مسبقا منكم بالتحكم، أم أن لكم وصفة سحرية لإصلاح سياسي و تغيير الدستور؟ مشاركتنا في الانتخابات ليست قبولا بقواعد اللعبة السياسية. نحن اليوم في موقع المعارضة وسنبقى فيها، ولن نشارك في الحكومة في ظل الواقع السياسي الحالي. اليوم ابن كيران له 107 برلمانيين، لكن مقابله هناك 288 برلماني، يمكن في أي لحظة أن ينقلبوا عليه، وهذا ما حدث داخل الأغلبية. * ماهو البديل الذي تقترحون وهل ستبقون في المعارضة إلى الأبد؟ مشاركتنا في الحكومة تتوقف على توفر الشروط التالية: أولها إصلاح دستوري حقيقي. يمكننا أن نبقى لسنوات في المعارضة إذا لم يقع هذا الإصلاح لأننا لا يمكن أن نكرر ما قام به ابن كيران الذي قبل قراءة غير ديموقراطية للدستور، واعتبر نفسه مجرد مساعد للملك، وثم جاء يشتكي من نتائج تلك القراءة. الشرط الثاني، توفر أغلبية ديموقراطية مستقلة. لقد سبق أن قلت هذا للسيد عبد الرحمان اليوسفي، وأقولها اليوم لابن كيران: بدون أغلبية ديموقراطية مستقلة تريد الإصلاح لن نتقدم. اليوم هذه الأغلبية غير موجودة، لكن حركة 20 فبراير قدمت بداية لنهوض جماهيري يضغط في اتجاه تعاقد مجتمعي حول الديموقراطية، وتعاقد مع الملكية لتفعيل الدستور. * إذن تراهنون على الشارع ؟ هذا يتوقف على السياق النضالي. العالم يعرف تغيرات متسارعة، و لابد من جبهة نزيهة، يتوافق فيها العلمانيون والإسلاميون مثلما حدث في تونس وعلى أساس ميثاق شبيه بميثاق 18 أكتوبر التونسي يؤسس لدولة مدنية تحترم حرية العقيدة وتتيح للأغلبية إمكانية لتطبيق برنامجها وللأقلية إمكانية التداول.