بقلم: علاء الأسواني "هل تعارض الديكتاتور بسبب استبداده أم بسبب سياساته الفاشلة؟" إذا وجهت هذا السؤال إلى المصريين ستجد قطاعا كبيرا منهم لا يعترضون على الاستبداد من ناحية المبدأ، بل يعترضون على الديكتاتور إذا أدت سياساته إلى معاناتهم. هذا التسامح مع الاستبداد له أسباب: أولا أن مصر وقعت في قبضة الاستبداد منذ عام 1952، وبالتالي نشأت أجيال من المصريين وقد ألفوا وربما تأقلموا مع حكم الفرد. ثانيا: جماعات الإسلام السياسي التي ظهرت في السبعينيات مدعومة بأموال النفط ، وروجت أن الإسلام دين ودولة واستلهموا التاريخ الإسلامي الذي هو استبداد كامل، فالحكم العادل الرشيد لم يستمر إلا نحو 33 عاما (30 عاما للخلفاء الراشدين ونحو ثلاثة أعوام للخليفة عمر بن عبد العزيز)، وعدا ذلك فإن حكام المسلمين، بدون استثناء، قد ارتكبوا جرائم بشعة من أجل الوصول إلى السلطة والمحافظة عليها، بل إن الفقهاء الأربعة الكبار أوصوا المسلمين بطاعة الحاكم المتغلب إذا سفك الدماء وسيطر على الحكم بالقوة. صحيح أن الاستبداد لم يكن قاصرا على العالم الإسلامي، فقد كانت طريقة تولي السلطة في أوروبا دموية وبشعة أيضا خلال العصور الوسطى، لكن الشعوب الغربية تعلمت من خبرتها التاريخية، فصارت تقاوم الاستبداد بدون انتظار نتائجه، بينما لازال كثيرون منا يعلقون أملهم على الديكتاتور لعله ينجح في الحكم ويحقق النهضة. متى ينجح الديكتاتور؟ الإجابة أنه لن ينجح أبدا وحتى إذا حقق إنجازات فإنها سرعان ما تتهاوى كقصور من الرمال.. مهما تكن شجاعة الديكتاتور أو إخلاصه أو ذكائه، فإن الاستبداد، كالمرض، يستدعي حتما مجموعة من الأعراض السياسية والاجتماعية: أولا: غياب النقد والمحاسبة يصاب كل ديكتاتور بحالة من تضخم الذات مما يدفعه إلى احتقار الآراء المختلفة معه وهو يؤمن فعلا أنه عبقري يفهم أفضل من الجميع في كل المجالات. إن حب الديكتاتور الطاغي للظهور يجعله مدمنا للكاميرات، فلا يمر يوم بغير أن تملأ صوره وسائل الإعلام، كما أنه يسعى دائما لتنفيذ مشروعات عملاقة يظن أنها ستخلد اسمه بينما هي غالبا تبدد أموال الشعب بلا فائدة. مع إحساسه المتزايد بالعظمة، لا يطيق الديكتاتور أي نقد وهو يعتبر نفسه الممثل الحصري للوطن، وبالتالي فكل من يعارضه خائن وعميل ومتآمر. في النهاية لابد أن يتخذ الديكتاتور قرارا يؤدى ببلاده إلى كارثة. إن الديكتاتور يشبه رجلا يقود سيارة بدون فرامل ولا مرايا عاكسة. مهما يكن ماهرا في القيادة لابد أن يتسبب في حادث مروع. ثانيا: الولاء قبل الكفاءة بينما يجتهد الرئيس المنتخب لإرضاء ناخبيه، فإن الديكتاتور يعلم أنه قابض على السلطة بالقوة ويخاف دائما من حدوث انقلاب ضده، وبالتالي فهو ينفق جزءا كبيرا من أموال الدولة لتأمين الحكم، كما أنه يختار المسؤولين طبقا لولائهم وليس لكفاءتهم. لا مكان لمسؤول يراجع الديكتاتور في قراراته أو يختلف معه سياسيا. إهمال الكفاءة مقابل الولاء هو السبب الحقيقي لتدهور الأحوال في مصر. لعلنا نذكر كيف احتفظ عبد الناصر بعبد الحكيم عامر في قيادة الجيش وهو يعلم أنه فاشل لكنه لم يجرؤ على عزله خوفا من انقلاب الجيش ضده مما أدى في النهاية إلى الهزيمة عام 1967. ثالثا: النفاق منهج الحياة في نظم الاستبداد يتعطل القانون الطبيعي الذي يؤدي إلى تقدم الأصلح وتنعدم الفرص المتكافئة العادلة. هنا يتحول النفاق إلى وسيلة أساسية للترقي. هذا السيل من النفاق الذي نراه في وسائل الإعلام يقوم به أشخاص أذكياء ومنحرفون يعلمون أن الطريق للترقي ليس بكفاءتهم وإنما بقدرتهم على إرضاء الديكتاتور. هنا يتوارى الأكفاء وينعزلون في بلادهم أو يهاجرون إلى دول ديمقراطية يستطيعون فيها إن يأخذوا فرصتهم العادلة وبالتالي تخسر بلادنا أفضل من فيها. رابعا: دائرة القمع الجهنمية يتفنن الديكتاتور في قمع كل من يعترض على سياساته فيعتقل آلاف البشر ويهين كرامتهم وقد يعذبهم حتى الموت. الغرض الأساسي من القمع هو كسر إرادة المعارضين وتخويف الناس من الاعتراض على الحاكم. عندئذ يتأكد المواطن أنه لا يوجد قانون يحميه وأن حياته وحريته وكرامته كلها تحت رحمة الديكتاتور، وبالتالي يتعلم الجبن والسلبية ويفقد روح المبادرة وشجاعة الإعلان عن رأيه وينصرف تماما عن المشاركة بالشأن العام، فلا يهتم إطلاقا إلا بأسرته وعمله وأولاده. هذا المواطن السلبي المقموع لا يمكن أن يصنع أي تقدم لبلاده. خامسا: محميات الفساد لا يمكن مكافحة الفساد إلا بتطبيق القانون على الجميع، وهو أمر مستحيل في أنظمة الاستبداد، لأن الديكتاتور يعتبر إرادته هي القانون، وهو يعمل كل ما في وسعه للسيطرة على جهاز العدالة حتى يستعمله وفقا لمشيئته. نذكر هنا ما حدث للمستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي أراد تطبيق القانون ومحاسبة كل مؤسسات الدولة، فتم عزله وإحالته للمحاكمة. في ظل الديكتاتور يتحول نهب المال العام إلى فن له أساتذته ويقتصر تطبيق القانون على اللصوص الصغار، أما كبار اللصوص الذين يعرفون كيف يرتبطون بشخصيات نافذة في الدولة، فهؤلاء يتعطل أمامهم القانون بل وتصدر قوانين لحمايتهم. المصائب السابقة حدثت بدون استثناء في كل أنظمة الاستبداد في العصر الحديث، فلم يحكم ديكتاتور أي بلد في الدنيا إلا وتسبب في كارثة دفع ثمنها ملايين البشر. لن تتقدم مصر أبدا إلا إذا رفض المصريون تماما فكرة الاستبداد بدون انتظار نتائجه. الديمقراطية هي الحل كاتب مصري عن "الدوتشي فيله"