قصص وأحداث ووقائع توالت في الشهور الأخيرة، وراحت تتسارع مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية ليوم 7 أكتوبر المقبل، كلّها تعيد وزارة الداخلية إلى الواجهة، باعتبارها القطاع الحكومي الاستثنائي، الذي ظلّ يجسّد قبضة الدولة على الحقلين السياسي والاجتماعي، رغم كل التحوّلات السياسية والدستورية والاجتماعية التي شهدتها المملكة. من بين تلك الأحداث، مسيرة الأحد الماضي، حين ورد ذكر صفات المقدمين والشيوخ والقياد وحتى العمال على ألسنة مواطنين بسطاء جِيء بهم إلى قلب الدارالبيضاء للمشاركة في مسيرة مجهولة "الأب"، أراد لها منظموها أن تكون ضد عبدالإله بنكيران، قبل أن تنقلب إلى مناسبة انكشف فيها أقبح وجوه الشخصية العتيقة لجزء من الدولة. بل كان المشهد قد ازداد قتامة حين كتب وزير العدل في حكومة الدستور الجديد تدوينة يتبرأ فيها من تطورات مخيفة ويشتكي عبرها من هيمنة وزارة الداخلية على تدبير ملف الانتخابات رغم أنه نظريا شريك في ذلك من زاوية قضائية. "وزارة الداخلية التي لم تعد تفعل ما تشاء، بل وقعت في فخّ أولي يتمثل في غياب الاستقلالية عن دوائر السلطة التي لا تكف عن التأثير سلبيا في عقلانيتها. ومن جهة أخرى صار الحقل الاجتماعي والسياسي ينفلت من قبضتها تدريجيا، حارما إياها من "سيادتها""، يقول السوسيولوجي محمد الناجي، فيما لم تمنع كل واجبات التحفظّ والمخاطر السياسية المحدقة بفترة انتخابية حساسة، رئيس الحكومة عبدالإله بنكيران، من وصف "أم الوزارات" بشكل لم يسبقه إليه مسؤول حكومي. "لقد كانت تسمى أم الوزارات وكانت تستدعي الوزير الأول ليأتي إليها ولو كان بملابس النوم. هل يمكن أن أغير هذه الوزارة بين عشية وضحاها؟"، تساءل بنكيران الأسبوع الماضي في ندوة تقديم البرنامج الانتخابي لحزبه، مضيفا أنه "يجب أن تعرفوا أنه يلا تعكسات معك وزارة الداخلية راه ما تدير والو". "تمنّع" أم الوزارات عن تطبيع دورها داخل الحقل السياسي، بدأ منذ الأسابيع الأولى لتشكيل حكومة الدستور الجديد، وذلك من خلال تجميد المسلسل الانتخابي الذي كان يفترض أن يؤدي إلى تجديد مجلس المستشارين قبل متم 2012. جمود وتوجّس دام طيلة النصف الأول من الولاية التشريعية الحالية، واعتقد البعض أنه دُفن نهائيا حين خرجت الحكومة الحالية سالمة من أزمة العام 2013، وتم تعويض حزب الاستقلال بحزب التجمع الوطني للأحرار، لكن أيضا تعويض امحند العنصر بوزير جديد للداخلية هو محمد حصاد. وبعد فترة هدوء أنهتها انتخابات العام الماضي، بدا كما لو أن عقارب الزمن عادت 14 عاما إلى الوراء، حيث أصوات طبول الحرب عادت تدقّ من جديد بين بعض أجنحة السلطة وحزب الإسلاميين المعتدلين، حزب العدالة والتنمية. ومع كل صورة من صور خروج الداخلية من دائرة الفعل القانوني والمحايد، كانت الأذهان تستعيد تلك الذكريات التي يحاول الكل نسيانها، حين كانت هذه الوزارة قد تحوّلت إلى بنية بيروقراطية تكاد تجسّد "المخزن" بكل حمولاته التاريخية والسياسية. بالنسبة إلى السوسيولوجي محمد الناجي، ف"هذه هي المرة الأولى التي تبدو فيها وزارات السيادة مهددة، فوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية باتت محاصرة، لأنها لم تعد لا هي ولا الملك يحتكرون الحقل الديني، ووصول حزب سياسي إسلامي إلى الحكومة غيّر المعطيات على هذا المستوى. والآن، وصل دور وزارة الداخلية التي لم تعد تفعل ما تشاء". مقابل ذلك، يرى مصطفى يحياوي، أستاذ الجغرافيا السياسية والسوسيولوجيا الانتخابية، أن وزارة الداخلية حافظت على تمثلها التقليدي للسلطة ولشرعية الفاعلين السياسيين، وأنها ستعمل على الحد من المخاطر عبر وسائل وأدوات غير مختلفة عما كانت تلجأ إليه في سياقات متشابهة. تفاصيل أكثر في عدد نهاية الأسبوع من جريدة أخبار اليوم