يحل بعد غد الأحد خامس عيد للعمال في عهد حكومة بنكيران. عيد العمال لهذه السنة، كما السنوات السابقة، من عمر هذه الحكومة، طبعه التوتر والجفاء في العلاقة بين النقابات وبنكيران. تزامن احتفالات فاتح ماي مع نهاية الحكومة هذه السنة، يدفع إلى مساءلة حصيلة هذه الأخيرة في المجال الاجتماعي، عبر طرح السؤال: ماذا تحقق؟ وما لم يتحقق؟ ولماذا؟ بين الحكومة والملك يتحفظ محمد الشيكر، خبير اقتصادي، كثيرا في الحديث عن حصيلة حكومة بنكيران، لأن «الاستراتيجية الاجتماعية يحددها الملك»، ما يجعل حصيلة هذه الحكومة تشترك معها فيها حكومات سابقة، لأنها «حصيلة تراكمية». في النهاية، يرى الشيكر أن الحكومة «ليس لديها برنامج استراتيجي في المجال الاجتماعي، بل مجرد آلية لتنفيذ هدف معلن من قبل». يمكن تأكيد هذا التحليل عند النظر في الشعار الذي رفعته حكومة بنكيران على المستوى الاجتماعي، أي استخدام عائدات النمو من أجل تقليص الفوارق، سواء الاجتماعية منها أو المجالية، لكن عند النظر في أدوات تنفيذ هذا الهدف الاستراتيجي الكبير، نقرأ في مذكرة «التقديم» المرفق بقانون المالية لسنة 2016، أنها تتمثل في برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتأهيل العالم القروي والمناطق الجبلية، وبرامج ممولة في إطار صندوق دعم التماسك الاجتماعي وصندوق التكافل العائلي. وهي برامج وضعها الملك، وحتى تلك التي قد تشرع الحكومة في إيلاء الاهتمام بها على نحو جزئي، سرعان ما يتدخل الملك مرة ثانية لكي يمنحها روحا استراتيجية. حوار الطرشان إذا كان الأداء المباشر للحكومة في المجال الاجتماعي، مثل التعليم والصحة والسكن (انظر المؤطرات)، لا يخلو من جوانب القوة والضعف، فإن الإطار المؤسساتي، خاصة بين النقابات والحكومة، اتسم في الغالب بالتوتر والجفاء. عبد الإله دحمان، باحث تربوي والكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، اعتبر أن «العلاقة تميزت بالتوتر في الغالب»، مشيرا إلى أن أول صدام حدث بين النقابات والحكومة كان بسبب «قرار الاقتطاع من أجور المضربين عن العمل بدون الرجوع إلى النقابات والتحاور معها». لقد لجأت الحكومة إلى الاقتطاع لوقف ما سمّاه بنكيران نفسه ب «الفوضى»، خاصة في قطاع الجماعات المحلية، وقطاع التعليم، وقطاع العدل، حتى إنه في لحظة توتر قوية، رهن بنكيران، في أولى جلسة شهرية له أمام مجلس النواب في نونبر 2012 مستقبل حكومته بالتراجع عن هذا القرار «وخا تطيح هاذ الحكومة، لن نتراجع عن هذا القرار». انطلاقا من معادلة الأجر مقابل العمل، دافعت الحكومة عن قرار الاقتطاع، لكن النقابات اعتبرت ذلك غير مشروع من الناحية القانونية في غياب قانون الإضراب الذي لم يخرج بعد إلى حيز الوجود. كما اعتبرت، وفق محمد كافي الشراط، الكاتب العام للاتحاد العام للشغالين، أن «الاقتطاع من أجور المضربين يدخل في إطار التضييق على الحريات النقابية». وفي بلاغ مشترك للمركزيتين النقابيتين (الكدش والفدش)، في حينه، اعتبرتا أن «قرار الحكومة بالاقتطاع من أجور المضربين اتخذ دون سند دستوري»، ودعت الحكومة إلى التصديق على الاتفاقية الدولية رقم 87، وإلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي». علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أكد أن بداية التوتر مع هذه الحكومة كان بسبب قرار الاقتطاع من أجور المضربين، واعتبر أن القرار استهدفت الحكومة من ورائه «تركيع النقابات»، و»تقليص قوتها الاحتجاجية، وهو ما نجحت فيه نسبيا». أدى قرار الاقتطاع إلى تصاعد احتجاجات، خاصة في قطاع العدل والحريات من قبل النقابة الديمقراطية للعدل التابعة للفيدرالية الديمقراطية للشغل، لكنه أدى في قطاعات أخرى إلى تراجع المد الاحتجاجي، خاصة في قطاعي التربية الوطنية والجماعات المحلية. وبحسب تقرير أنجزه عبد الإله دحمان، الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، تراجعت الاحتجاجات بنسب تجاوزت 20 في المائة بين سنتي 2011 و2012. ولم تخضع النقابات من جهتها، بل قاومت قرار الحكومة، وأدى ذلك إلى فشل جلسة الحوار الاجتماعي في أبريل 2013، لكن في سياق اختلط فيه ما هو نقابي بما هو سياسي. جامع المعتصم، رئيس ديوان رئيس الحكومة، اعتبر في برنامج «قضايا وآراء» على القناة الأولى في يناير الماضي أن «تعثر الحوار الاجتماعي جاء بسبب تخندق النقابات»، في إشارة إلى تخندق حزب الاستقلال من الحكومة.