احتفت جماعة العدل والإحسان، السبت 14 دجنبر بالذكرى الأولى لرحيل مؤسسها الشيخ عبد السلام ياسين. الذين حضروا اللقاء أو شارك في أنشطته الفكرية، خرجوا بقناعة واحدة، مفادها أن الجماعة تمد يدها للجميع، كما جاء على ألسنة قيادييها، لكن دون أن تتزحزح قيد أنملة عن أفكار الشيخ عبد السلام ياسين ومواقفه . بالرغم من وفاته قبل عام، تبدو جماعة العدل والإحسان يتيمة من دون شيخها المؤسس. وكما لو أنه حي، عقدت الجماعة على أعلى مستوى لها، أول أمس في بيته بالرباط، يوما دراسيا حول معالم التجديد في مشروعه، مُحاولة من خلال جلسات دراسية، أطرها في الغالب أساتذة من الجماعة وباحثيها، الوقوف على ما اعتبرته اأهم «معالم التجديد في مشروع الإمام المربي عبد السلام ياسين» في مجالات التربية والدعوة والسياسية، وكأنها تُعيد قراءة أفكاره من جديد.
يتامى ياسين في افتتاحه للحفل، استدعى محمد العبادي، أمين عام الجماعة، على نحو لافت بيتا شعريا من أشعار الشيخ ياسين يتحدث فيه عن يُتم العدل ويدعو إلى مقاومة الظلم ومقاتلته. ففي ديوان «شذرات» اأشد ياسين قائلا:»ألا من مسعف حولي، على أمر أحاوله، تيتم بيننا العدل، وكل الناس خاذله»، لكن كثيرين في الحفل الذي حضرته وفود عن حركات إسلامية من الجزائر والسودان وتونس ومصر والسنغال وتركيا، كما حضره ممثلون عن حركات إسلامية مغربية، وكذا ناشطين ومفكرين، شعروا أن العبادي، وهو يتذكر ذلك البيت الشعري، إنما كان يُشير إلى حال جماعته بعد رحيل مؤسسها. العبادي تكلم بكثير من العاطفية عن مناقب الراحل ومزاياه. بالنسبة إليه، وكذا جماعة العدل والإحسان، كان ياسين «أبا عطوفا، وأخا ناصحا»، مسترسلا في قوله كذلك إنه «كان ملاذا لنا، إذ وجدنا تائهين فهدانا إلى سواء السبيل». وعن ياسين المربي، أردف العبادي يقول:»تذوقنا معه معنى الإيمان وحلاوة الإيمان»، و»عشنا معه أياما وساعات، يصدق عليها قول القائل: لو كان يعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف». ولأن ياسين ربط العدل بالإحسان في مشروعه التربوي فقد دفع أعضاء جماعته ألى «أن نُغير نظرتنا للآخر، إذ كنا نتعامل مع الآخر على قاعدة العدل فأصبحنا نتعامل معه على قاعدة الإحسان»، وهذا «مع الأهل والجيران والصديق والعدو»، يوضح العبادي. ورغم تركيز العبادي على ما هو تربوي ودعوي في مناقب الراحل، إلا انه أشار إلى مواقفه السياسية كذلك، حين قال عنه «اِن صحبته أزالت عنا الخوف من البشر»، وأوضح ذلك بقوله:»إن أخ العدل والإحسان يمكن أن يواجه أعتى الطغاة ولا يبالي». إذ «باستحضار عظمة الله يهون كل شيء». وكشف العبادي أن ياسين لم يكن يفكر في بناء جماعة بل «كان يرفض الفكرة رفضا تاما»، وحاول في مقابل ذلك «خلال ثلاث سنوات جمع شتات العمل الإسلامي إلا أنه لم يجد آذانا صاغية»، فغير رأيه و»أسسنا أسرة الجماعة»(بداية الثمانيات) التي تحولت إلى جماعة العدل والإحسان فيما بعد ذلك. واعتبر العبادي أن مشروع الراحل إنما يقصد إلى «تحرير الإنسان من عبوديته لغير الله تعالى».
فكر المرشد المهيمن في الجلسات العلمية التي تلت الافتتاح، هيمن على مداخلات الأساتذة عرض فكر ياسين ومشروعه في جوانب مختلفة، تربوية ودعوة وسياسية، دون أن يبرز في أي منها محاولة لإعادة النظر أو النقد والتقويم، وظهر أن الجميع مقتنع ومدافع عن رؤية الشيخ المؤسس لكثير من الأمور التي أثارت جدلا واسعا ولا تزال، وتحتمل أكثر من قراءة أو رأي. اكتفت الجماعة بأعضائها في تأطير الجلسات العلمية، ومنحت الكلمة لمتدخلين من خارجها، من بينهم البشير الياصوري من تركيا ومحمد المرواني أمين عام حزب الأمة الإسلامي، وبالنسبة للمفكرين الذين حضروا الحفل، ومنهم عبد الله حمودي وعبد الصمد بلكبير، كان الأفضل فتح النقاش في التراث الفكري للشيخ ياسين على قراءات من هم خارج الجماعة، لكن يبدو أن الجماعة اختارت تأجيل ذلك إلى لقاءات علمية قادمة، حين دعت في توصيات الندوة إلى تنظيم ندوات علمية موضوعية حول التراث الفكري للشيخ الراحل، حول قضايا مختلفة من قبيل الديمقراطية والحداثة والمرأة وغيرها. هذا، وظهر من خلال كلمة محمد حمداوي، عضو مجلس الإرشاد بالجماعة، التي افتتح بها الندوة أن القصد هو الاحتفاء بالشيخ بعد عام على وفاته، إذ اعتبرت مداخلة شاملة ومُؤطرة لباقي مداخلات جامعي وقادة الجماعة التي حرصت على تبيان معالم التجديد في قضايا تربوية وسياسية ودعوية والمرأة، ودافع حمداوي بشدة عن الرؤية التجديدية للشيخ ياسين رحمه الله تتميز بالاستقلالية عن غيرها، سواء في التنظيم أو الفكر والتربية، وتظهر كذلك في «عدم تبعيته لأي مدرسة فكرية أو تربوية أو حركية سابقة». وكان سباقا إلى «إخراج العمل الحركي في المغرب من السر إلى العلن»، وتميز «بالحفاظ على استقلالية خطه الدعوي الحركي تجاه الداخل والخارج». هذه الخلاصات بينها حمداوي من خلال تعقب أبعاد التجديد في فكر الراحل، الذي جمع «بين التنظير والتربية والتنظيم والقدرة المربية»، وبين «اللسان الجاهر بالحق، الذي لا يخشى في الله لومة لائم». وقال حمداوي إن فلسفة التجديد في فكر ياسين وتجربته الدعوية تقوم على أصول أساسية، أبرزها القران الكريم الذي «لم يفقد حيويته الأولى التي دفعت ووجهت الأمة»، ولكن «خمدت إرادة الجهاد في نفوس أجيال لم ترب على الإيمان». وقال المتحدث نفسه أن ياسين ركز على الدعوة إلى الوصل بين القلب والعقل، وأوضح حمداوي أن العقل والعلم في التجربة الإسلامية كانا على وفاق طيلة القرون الأربعة الاولى، لكن بعدها «غطس العقل المسلم في سباته إلى أن أيقظته نهضة أوربا حين قرع عليه الاستعمار مخدعه»، على حد قول ياسين نفسه، إضافة إلى مرتكزات أخرى تؤكد على أن التربية أساس البناء، وعلى التحرير الشامل للإنسان، وعلى الجمع بين العلم والإرادة، وعلى السلمية كذلك. لكن المثير في مداخلة حمداوي هو حين ذكّر بقولة للراحل يعتبر فيها أن المنهاج النبوي «منهاج عمل لا منهاج جدل»، وهو ما يفهم منه غلق باب النقاش والجدل في الكتاب المرجعي للجماعة «المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا»، الذي ألفه ياسين في زمن أسرة الجماعة(الثمانينات) التي تحولت إلى العدل والإحسان. وتطرق حمداوي إلى موقف ياسين من العنف، وقال عنه إن «منهج التجديد في مشروع ياسين قائم على مسلك سلمي غير عنيف»، مستدلا بقول ياسين نفسه:»لا نحب العنف ولا نقول به»، وهو الذي كان يعتبر أن «خصلة العنف هي خصلة من خصال الجاهلية». ومعروف عن الجماعة التي أسسها رفعها:»لا للعنف، ولا للسرية، ولا للتبعية للخارج».
الدعوي والسياسي وتوقف محمد مرواني، أمين عام حزب الأمة، عند المشروع الدعوي للشيخ ياسين في علاقته بالعمل السياسي، وقال المرواني إن «الدعوة إلى الله عند الشيخ ياسين غير الدعوة إلى الحل الإسلامي»، ويترتب على ذلك «أن الوصول إلى السلطة والحكم لا يجب أن يكون هو الهم الرئيسي للإسلاميين»، وذهب المرواني يقول إن منظور الشيخ الراحل يفيد «الدولة إطار منظم والدعوة تربي وتعلم». وعلى خلاف إسلاميي العدالة والتنمية الذين يقولون بالتمييز بين الدعوي والسياسي، لم يتفوه المرواني بذلك، بل أشار انطلاقا من قراءته لتراث ياسين إلى «سيادة الدعوة على الدولة». وهذه الفكرة تجد لها تجليات ونماذج في التاريخ الإسلامي وتعني عمليا وتاريخيا «سيادة الفقيه على رجل السياسة». وهي رؤية مثيرة للنقاش والجدل. وفي رسائل سياسية مباشرة، قال المرواني إن رجل الدعوة «قد لا يقول كل الحق، ولكن أبدا لا يقول نعم للاستبداد»، وأردف «أن لين الخطاب لا يعني الجلوس إلى الاستبداد». وعن قضية الاعتماد على الأحلام والرؤيا في العمل السياسي( كانت الجماعة قد أثارت قضية الأحلام سنة 2006) قال المرواني إن الشيخ ياسين يؤكد «لا ينكر أهمية الرؤيا والفراسة، لكنه يؤكد على أهمية المعطيات والحقائق في اتخاذ القرار كذلك». في الاتجاه نفسه، سار محمد منار، عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية، الذي تحدث عن المجال في الفكر السياسي للشيخ ياسين، وقال منار إن الشيخ ياسين انخرط في «الفقه الجامع»، الذي يجمع بين «الدنيا والآخرة، بين الدعوة والدولة، بين التربية والسياسية»، وأبرز أن الراحل أسس لهذا الفقه بستة انتقالات، أهمها الانتقال من الفهم التجزيئي إلى الفهم الجامع للإسلام، و من الإسلام الفردي إلى الإسلام الجماعي، ومن الفهم الاستسلامي للإسلام إلى الفهم الاقتحامي له، ومن الفهم الفروعي إلى الفهم المقاصدي. وقال إن الفكر السياسي للراحل «تعرض لسوء فهم كبير»، مما جعل بعض الباحثين غير مقتنعين بإدراج ما كتبه ياسين على المستوى السياسي في الفكر السياسي المغربي. واعتبر منار أن الشيخ ياسين قرر على نحو مبكر أن «الخلافة على منهاج النبوة هي الأفق»، وأن الخلافة المقصودة هي «مطلب على مستوى الأمة، ولا علاقة لها بالملك الأموي أو العباسي»، وروحها على المستوى السياسي هي المطالب الكبرى التي ينبغي على الإسلاميين تحقيقها ومن الفضلاء وتتعلق بثلاثية «الشورى والعدل والوحدة». وقال منار كذلك إن «أول لبنة في بناء المستقبل السياسي هي عصيان المستبدين وعدم مسايرتهم في باطلهم وتمويههم على الشعوب»، و»إعداد العدة لمقاومتهم والقومة عليهم». وأوضح منار أن من القوة السياسية «العمل الجماعي والتعاون مع من يرفض الاستبداد». وأردف «لا بد للإسلاميين من برنامج يُعرض»، و»لا بد من عصيان الظالمين».
هل تتحول الجماعة إلى طائفة؟ عصيان الظالمين التي أكد عليها منار في مداخلته حول الفكر السياسي للشيخ ياسين، لا تتعارض في شيء مع تأكيد الشيخ محمد العبادي، الأمين العام للجماعة، أن «يد الجماعة كانت ممدودة وتظل ممدودة، لكل من يسعى إلى الخير»، وهي العبارة نفسها التي أكد عليها فتح الله أرسلان في نهاية الحفل كذلك، وزاد قائلا:»إن الجماعة تريد أن تنفتح على الجميع». وقال الناطق الرسمي للجماعة إن الجماعة تسعى إلى الانفتاح على الجميع، والتواصل مع جميع الأطياف، لأن لا أحد من التيارات والفصائل يستطيع الزعم أنه لوحده يمكن أن يخرج البلاد والأمة من أزمتها، وأردف «مضطرون لمد يد بعضنا للبعض في إطار توافقي من الانسجام والتسامح والتجاوز والبحث عن المشترك فيه». وعلى الرغم من هذه المواقف الواضحة في مسار الجماعة السياسي، حتى عندما كان الشيخ ياسين على قيد الحياة، وهو الذي دعا إلى «ميثاق جامع» وكتب عن مضامينه بتفصيل، إلا أن البعض استشعر أن الجماعة إذا لم تتخذ مبادرات جدية للاندماج في المشهد السياسي قد تتحول إلى طائفة، وقال عبد الصمد بلكبير، سياسي وأستاذ جامعي، إن «دعوة الشيخ ياسين إلى الميثاق الجامع مسالة حيوية، حتى لا تتحول الجماعة إلى طائفة»، وقال «أريد أن يستمر الإخوة في قيادة الجماعة على ما كانوا عليه من حوار جدي، وأن ننصت إلى بعضنا البعض». هذا، وأوصت الندوة العلمية بتأسيس مركز علمي متخصص في الفكر المنهاجي للشيخ ياسين، وجمع التراث الفكري الشفوي والمكتوب للشيخ ياسين، وترجمته إلى كل اللغات، وتشجيع الاجتهاد في فكره وفي القضايا التي تناولها، كما دعت إلى تنظيم ندوات علمية موضوعية حول فكره المنهاجي رحمه الله.