بعد التحولات التي عرفتها المنطقة المغاربيّة خاصة في تونس وليبيا ، برز حديث قوي وسط الأوساط الأكاديمية والسياسية الرسمية وغير الرسمية لإعادة استنهاض مشروع الاندماج المغاربي، وهو نقاش لازال قائما إلى حدود اليوم، ويأخذ أبعادا مختلفة، ومن زوايا متعددة. خلال الندوة التي نظمتها كلية الحقوق بوجدة بالشراكة مع "معهد الدراسات الإفريقية" بالرباط، و"مركز الدراسات والبحوث في العلوم الإنسانية والاجتماعية" بوجدة، يومي الجمعة والسبت المنصرمين حول التحولات السياسية بالدول المغاربية وأفاق الاندماج، حاز الإطار الدستوري والتحولات الدستورية في دول المنطقة وانعكاس الاندماج في الأنظمة الدستورية للدول حيزا مهما من النقاش. معاهدة تعكس الدساتير! المعاهدة المنشئة لإتحاد المغرب العربي، معاهدة وفق بن يونس المرزوقي أستاذة القانون الدستوري بكلية الحقوق بوجدة، عكس مضمونها الأنظمة الدستورية الموجودة في المنطقة، فالمعاهدة جاءت بمقتضيات كرست على مستوى الوثائق الدستورية، وأيضا على مستوى واقع الممارسة. فالتجارب القطرية الدستورية المشتركة وفق المرزوقي "أقامت أنظمة رئاسية شديدة أو رئاسوية، فمن ناحية مشهد حزبي متناقض جدا، يبدأ من الدولة التي ألغت النظام الحزبي إلى نظام الحزب الواحد كما كان الشأن بالنسبة لتونسوالجزائر، وتجربة قائمة على تعددية، لكنها تعددية على أساس صراع حول الشرعية، أو ما يعرف في المغرب بسنوات الرصاص". هذه السمات بالإضافة إلى وجود شخصيات قوية جدا كالحسن الثاني، والقذافي و بومدين وغيرهم مكنت من تشكيل أنظمة دستورية مبنية على خصائص ثلاثة، الأولى تتعلق ب"سيادة الحكم الفردي، وتقلص مفهوم الحكومة، إلى درجة أن دول لم يكن لها حتى الوزير الأول، وحتى التي كان لها كانت تعامله كموظف كبير"، وبالتالي حسب نفس المتحدث "الوزراء مجرد معاونين للرئيس وليسوا وزراء بمفهوم القانون الدستوري". على مستوى السلطة التشريعية (البرلمان)، تحولت هذه المؤسسة إلى "غرفة تسجيل"، أما القضاء الذي خصه بالخاصة الثالث فلم يكن "مستقلا". خصائص انعكست بجلاء في معاهدة الاتحاد، وستبرز في اختصاصات المؤسسات، وبالتحديد في أول مؤسسة (مجلس الرئاسة)، فهو أعلى جهاز، "له وحده سلطة اتخاذ القرار وتصدر قراراته بإجماع أعضائه، وهذا ما يعني وفق المرزوقي أن "المؤسسات الأخرى شكلية"، وحتى الإشارة إلى الوزير الأول، في المادة السابعة "كان بطريقة تبرز تقزيم دوره، حيث أقرت أن الوزراء الأولين ومن يقوم مقامهم يجتمعون كلما دعت الضرورة إلى ذلك"، في المقابل تحوًَّل السلطة التنفيذية إلى وزراء الخارجية "الذين نعلم بأنهم يشتغلون مباشرة مع رؤساء الدول دون المرور على الوزير الأول أو رئيس الحكومة، فأصبح وفقا لهذه المعادلة الوزير أعلى مرتبة من الوزير الأول". ليس هذا كل شي فمجلس الرئاسة "هو الذي يكوّن اللجان المتخصصة، وهو الذي يصادق على القانون الداخلي لمجلس الشورى (البرلمان)، و يعين القضاة، و حتى المقرات يحددها، يقابله مجلس شورى من اختصاصاته هي إبداء رأيه فيما يعرض عليه من طرف مجلس الشورى، أما القضاء فهو على الورق". وعن الأفاق الممكنة للاندماج أكد المرزوقي أن البلدان المغاربية مرت بربيع تخلّله رياح متعدد السرعة، حسب كل بلد على حدا، ما نتج عنه ثلاثة مراحل انتقالية، فهي صعبة بالنسبة لتونس وليبيا، وبطيئة في المغرب، فيما الإنتظارية سيدة الموقف في النموذج الجزائري والموريتاني، وبالتالي أي تفكير في الاندماج وفق هذا الواقع، وعلى أساس استلهام النموذج الأوربي هو صعب، و"ضرب من الخيال"، على اعتبار أن الاندماج الأوربي "متكامل"، فيما بنية الدول المغاربية لا تسمح بذلك "أعتقد أن البديل هو ميثاق مدني مغاربي، بما أن الأنظمة لا تشرك المواطن، على المواطن أن يدافع على العلاقات حتى لا تهضم حقوقه". آلية التعديل آلية التعديل الدستوري للوصول إلى نموذج متقارب للدساتير في عموم الدول المغاربية آلية رأت عقيلة خرباشي عميدة كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة "المسيلة" بالجزائر، أنها آلية "مهمة جدا" غير أن "مسارات التغيير غير مكتملة"، وبالتالي كان لزاما مقاربة النظام الدستوري للمغرب والجزائري بالنظر إلى الاستقرار السياسي. من خلال استقراء الدستورين الجزائري لسنة 1996 والمعدل سنة 2008 ودستور 2011 بالمغرب، يتبين وفق خرباشي أنهما "يشتركان في القاعدة العامة، وهي الاحتكام إلى الشعب من خلال الاستفتاء، ووفق الباب الرابع من الدستور الجزائري فإن المبادرة بالتعديل تحق لرئيس الجمهورية كاختصاص أصيل، ويمكن لثلاثة أرباع النواب بغرفتي البرلمان معا اقتراح تعديل دستوري عن طريق قناة رئيس الجمهورية، كما انه في المغرب "نجد هذه الصلاحية بموجب الفصل 173 الذي يحيل إلى منح المبادرة للملك ورئيس الحكومة ولمجلس البرلمان، بشرط توفر أغلبية الثلثين". وإذا كان الدستور الجزائري ينصّ على أجل محدد في 50 يوما لعرض الدستور المقرّ من قبل الرئيس والبرلمان على الاستفتاء الشعبي، فالدستور المغربي وفق نفس المتحدثة "لم يقيد عرض التعديلات على الاستفتاء الشعبي بعد الانتهاء من وضعها بأجل معين". وبخصوص المسار الثاني المتعلق بالتعديل البرلماني الخالص في نص الدستور الجزائري "نجد المادة 176 تتكلم عن ضوابط ومبادئ عامة تحكم المجتمع الجزائري وضرورة أن يصدر رأيا من المجلس الدستوري، يوجب أن التعديل لا يخالف تلك الضوابط، فيمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر النص متى أحرز أغلبية ثلاثة أرباع من نواب غرفتي البرلمان مجتمعتين" تقول خرباشي. من جهة أخرى الدستور المغربي أجاز وفق نفس المصدر للملك، بعد استشارته للمحكمة الدستورية أن يعرض بظهير على البرلمان مشروع تعديل بعض مقتضيات الدستور، وبخصوص فعالية الية التعديل بالنسبة للتعديلات الحاصلة كشفت خرباشي أن جميع التعديلات في الجزائر "لم تكن على روية وكانت هناك دائما دواعي خارجية للتعديل، وأيضا يسبق التعديل بوادر أزمة، وليس بتفكير مسبق"، وحتى التجربة المغربية "لم تنبع من إرادة رزينة، بل جاءت على اثر صراعات واحتجاجات". المراحل الانتقالية تدبير المراحل الانتقالية دستوريا محور تناوله الباحث في القانون الدستوري بكلية سلا عبد الرحمان علال، "أنا أميز بين المراحل الانتقالية السياسية، والمراحل الانتقالية الدستورية والمراحل الانتقالية القانونية" يقول علال قبل أن يضيف "المرحلة الانتقالية الأولى التي قد تتبادر إلى الذهن، هي المرحلة الانتقالية السياسية وهي عندما تمر الدولة بحراك، أو انتقال من وضع الاستعمار إلى الاستقلال". "في تدبير المراحل الانتقالية الدستورية في الدساتير المغاربية بصفة عامة نغفل الباب الأخير من الدستور الذي يدبر هذه المرحلة الانتقالية، ونعتني بالأبواب الأخرى" يقول علال قبل أن يضيف "أنا أميز بين ثلاثة مفاهيم، بين المراحل الانتقالية، و الأحكام الانتقالية، والأحكام الختامية و الدساتير خاصة المغربي وردت فيه هذه المفاهيم خلال ست تجارب دستورية ابتداء من دستور 1962"، بالنسبة للمرحلة الانتقالية "هي المرحلة المباشرة لوضع الدستور أو على اثر مراجعة دستورية إلى حين الولاية البرلمانية الجديدة، وهذه المرحلة الدستورية "لاتخص جميع النصوص وأحكام المرحلة، تخص بالتحديد الآجال الخاصة للمخاطبين بتطبيق القانون من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة لمطابقة وضعيتهم مع الأحكام الجديدة، و نسخ النصوص بأخرى، والمقتضيات التي يجب أن تبقى سارية المفعول"، والتجربة الدستورية المغربية تعاملت وفق نفس المتحدث مع هذه المفاهيم بالتأرجح منذ دستور 1962 الذي "نجد الباب الأخير فيه معنون بأحكام انتقالية، وفي التجربة الدستورية 1970 الإبقاء عن الحديث عن المرحلة الانتقالية وفي 1972 تم الانتقال من الأحكام الانتقالية إلى الأحكام الخاصة، ستبقى هذه العبارة إلى حين دستور 2011 سيتم الحديث عن أحكام انتقالية وختامية". وكشف نفس المتحدث أن المشرع الدستوري في المرحلة الأولى كان أكثر وعيا في تحديد المدة الزمنية التي يمكن أن تدبر فيها المرحلة الانتقالية، بحيث "نص على تنصيب مجلسي البرلمان في أجل يتراوح ما بين 5 و 10 أشهر، ابتداء من تاريخ إصدار الأمر بتنفيذ الدستور، وحدد أجل سنة من أجل تنصيب المؤسسات الدستورية الأخرى، إلى غاية التجربة الأخيرة سنة 2011 التي غاب فيها تحديد زمني للمرحلة الانتقالية".