«يلزمه الكثير من المهارة ليخرج من هذا المأزق»... هكذا علقت افتتاحية جريدة «لوموند» أمس وهي تتحدث عن الأزمة التي وجد القصر فيها نفسه، بمناسبة الخطأ الذي وقع في لائحة الإسبان المشمولين بالعفو الملكي، الذين «تسرب المجرم مغتصب الأطفال، دانييل غالفان، بينهم ... الملك محمد السادس أصدر، في أقل من 24 ساعة، ثلاثة بلاغات؛ في الأول أعلن أن العفو كان خطأ، وأن تحقيقا فتح في النازلة لمعرفة المسؤولين عن إدخال اسم دانييل غالفان إلى الديوان الملكي. أما البلاغ الثاني فقد أعلن فيه الجالس على العرش سحب عفوه عن وحش القنيطرة، في سابقة من نوعها في كل تاريخ المغرب المعاصر... أما الثالث فقد حمل حفيظ بنهاشم، مدير عام إدارة السجون، مسؤولية عدم إعطاء المعلومات الكافية عن دانييل عندما طلب منه الديوان الملكي ذلك. إن صدور البلاغات الثلاثة في 48 ساعة يدل على اهتمام القصر وحرصه على تطويق الأزمة، وامتصاص الصدمة التي أحدثها العفو عن ذئب بشري ظل لمدة ثماني سنوات يستغل براءة الأطفال وفقر عائلاتهم. هنا لا بد من إبداء ملاحظات على إدارة الأزمة من كل الأطراف، من أجل استخلاص الدروس والعبر من هذه «الصدمة» التي كان يمكن أن تتطور إلى «أزمة» كبيرة في البلاد لو لم يتحرك الملك... أولا: كان هناك تأخر في علاج الأزمة التي انفجرت يوم الأربعاء الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الصحافة الإلكترونية، وكان يمكن التفاعل مع الأزمة بسرعة، وإصدار القرارات التي صدرت يومي الأربعاء والخميس، عوض السبت والأحد، وقبل الدعوة إلى التظاهر في الرباط يوم الجمعة، وفي البيضاء يوم الثلاثاء... هذا يطرح أسئلة كبيرة حول سهولة تدفق المعلومات إلى القصر، ونوعية التقارير التي ترفع عما يجري ويدور في المجتمع، ومدى الاهتمام بما ينشر ويقال في العالم الافتراضي، الذي أصبح منبر من لا منبر له، وأصبح فضاء للتعبير بحرية وجرأة أكبر مما هو عليه الأمر في وسائل الإعلام التقليدية. ثانيا: لقد وعد الملك بفتح تحقيق لمعرفة من المسؤول عن الخطأ الذي وقع. وهذا الخطأ بدأ في الحقيقة عندما أُعدت لائحة الإسبان ال48 الذين شملهم العفو خارج اللجنة التي تشكلها وزارة العدل، وتجتمع أسابيع قبل المناسبات الوطنية والدينية لدراسة طلبات العفو. إن العديد من المستشارين والعاملين في الديوان الملكي مازالوا ينظرون إلى الوزارات والحكومات والمؤسسات العمومية وإلى القوانين وكأنها شكليات لا لزوم لها عندما يتعلق الأمر بالإرادة الملكية. فالعفو من اختصاص الملك دستوريا، هذا صحيح، لكن هناك ظهيرا ينظمه، وهناك مديرية، اسمها مديرية الشؤون الجنائية والعفو في وزارة العدل، من اختصاصها دراسة طلبات العفو، ورفع تقرير إلى الملك بشأنها. إن الملك نفسه انتبه إلى هذا الخلل يوم قال لبنكيران: «لا تنفذ أي قرار يتعارض مع الدستور والقانون حتى وإن جاء من الديوان الملكي». وقتها قال رئيس الحكومة: «لو علم المغاربة بهذا الكلام لاتخذوا يوم قوله عيدا»... ثالثا: لقد أصيبت الألسن بالخرس، والأقلام بالجفاف، والأحزاب بالصمم، والجمعيات المدافعة عن الأطفال بالرعب، ولم يفتح الكثيرون أفواههم حتى صدر بلاغ الديوان الملكي الذي اعتبر قرار العفو خطأ... لقد تحرك الرأي العام على «النيت» وفي الشارع وفي منتديات التواصل الاجتماعي بلا تأطير من صناع الرأي «يا حسرة»، ولا من النخب السياسية والمدنية والإعلامية، التي استشعرت الحرج والخوف من أن تقول إن العفو الملكي عن مغتصب الأطفال خطأ، وجل من لا يخطئ. بالعكس، هناك من جند قلمه وصوته وغياب الحياء في وجهه ليهاجم من انتقد القرار، ومن خرج يتظاهر سلميا ضده باعتبار أن هناك «نوايا» سيئة خلفه، ونزعة لتسييس الملف. إن هذه النازلة تكشف عن حقيقة صادمة وهي أن «الوسائط» المفروض فيها أن تلعب دورها في تأطير المجتمع، وفي نقل مطالبه ومشاعره وغضبه إلى القمة، هي نفسها وسائط معطوبة، تنتظر الإشارة من فوق لتتحرك، لكنها تفعل ذلك متأخرة، فتصير عبئا على «مشغلها» عوض أن تكون في خدمة الحقيقة، قريبة من المجتمع.