في لحظة انفعال، كشف لحسن الداودي، وزير التعليم العالي، في البرلمان سرا من أسرار الدولة. ماذا حدث؟ قبل أربعة أيام كان الداودي في لجنة التعليم بالغرفة الأولى يدافع عن ميزانية وزارته الهزيلة، فنزلت عليه المعارضة بتهم ثقيلة. قالوا له إن العديد من التعيينات في وزارته وفي الكليات والجامعات التابعة لها تحكمت فيها اعتبارات الانتماء الحزبي، بمعنى أن الوزير سعى ويسعى إلى زرع أتباع حزب العدالة والتنمية في مراكز المسؤولية ضدا على معايير المساواة والكفاءة والاستحقاق. نفى الوزير التهمة بشدة وانفعال، وقال إن من أصل 60 تعيينا تمت في مناصب عليا في وزارته لم يصل إلى كراسي هذه المناصب سوى عضوين من حزب المصباح. ولما استفزت المعارضة الوزير، المعروف بتلقائيته كما جل وزراء العدالة والتنمية، وقالت له: «لماذا تختار اسما وضعته لجنة الانتقاء في المرتبة الثالثة أو الثانية وتتجاهل صاحب المرتبة الأولى؟»، كشف السر دون أن ينتبه، لا هو ولا جل من حضروا الاجتماع في البرلمان، إلى ذلك. قال بالحرف: «كل التعيينات التي تتم في المناصب العليا للدولة تخضع، قبل المصادقة عليها، لبحث أمني دقيق تقوم به وزارة الداخلية، وهذه التقارير تكون حاسمة أثناء اختيار المرشحين للمناصب العليا، فكل مسؤول يتبعه تقرير. في جميع التعيينات نعتمد تقارير الداخلية، وإذا كان التقرير سلبيا، فإن المرشح يستبعد». الأسئلة التي لم يطرحها السادة البرلمانيون، في الأغلبية والمعارضة، على الوزير والحكومة هي: على أي أساس قانوني يتم الأخذ بالتقارير الأمنية التي تقوم بها وزارة الداخلية والمصالح التابعة لها حول المرشحين للمناصب العليا واعتمادها كمحدد حاسم في قبول أو استبعاد أي مرشح للمناصب العليا؟ أولا: قانون التعيين في المناصب العليا (القانون التنظيمي رقم 02/12) لا وجود فيه للتقارير الأمنية التي تعدها الداخلية أو غيرها من الوزارات عن المرشحين للمناصب العليا. وكل ما ينص عليه القانون هو معايير الكفاءة والاستحقاق وتساوي الفرص، وعدم التمييز بناء على اعتبارات سياسية أو نقابية أو دينية أو عرقية أو جهوية، ولا يذكر أن تقارير الأجهزة الأمنية حاسمة في التعيين، والقاعدة أن «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، هي القاعدة الأولى في دولة الحق والقانون. ثانيا: ماذا لو كانت تقارير الأجهزة الأمنية حول فلان أو علان خاطئة أو غير دقيقة أو كيدية، أو تعتمد على معلومات مشكوك في صحتها، فمن يراجع هذه الأجهزة ويراقب عملها ويضبط تقاريرها حتى لا يُظلم هذا أو ذاك، لاعتبارات سياسية أو شخصية أو غيرها، خاصة أن وزيرا في الحكومة يقول في البرلمان بالحرف: «إذا كان التقرير الأمني سلبيا حول المرشح فإنه يستبعد من لائحة الترشيح للمناصب العليا». هذا كلام خطير، ودليل على أن البلاد محكومة بأجهزة الداخلية وليس بالقانون والمؤسسات. ثم إن هذه التقارير تظل سرية، ولا يطلع عليها المرشح ليتمكن من الطعن فيها أمام القضاء، مادامت حاسمة في مستقبله المهني، وبالتالي، فإن الحكومة تضع رؤوسا كثيرة تحت سيف هذه التقارير دون أن تعطي ضحاياها الحق في الدفاع عن أنفسهم. فلم نسمع أن لجنة من لجان الاختيار أو الاختبار قالت لمرشح من المرشحين إنك متهم بكذا من قبل أجهزة الداخلية. ثالثا: قال الوزير إنه إذا كانت التقارير سلبية فإن المرشح للمناصب العليا يُستبعد من لائحة الترشيح. ماذا تعني كلمة سلبية؟ وهل توجد لوائح تحدد ما هو إيجابي وما هو سلبي في حياة وسيرة أي مواطن مغربي خارج ما ينص عليه القانون؟ هل توجد معايير لإعداد هذه التقارير وضمان حياديتها ومهنيتها ودقتها؟ لقد تعرض الكثيرون لظلم شديد زمن سنوات الرصاص بسبب هذه التقارير التي كانت ملفقة أو خاطئة أو انتقامية أو موجهة برأي سياسي من قبل المشرفين عليها، ودفعت الدولة المليارات لتعويض المتضررين عما لحقهم من ظلم، ولهذا جاءت توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة تطالب بالحكامة الأمنية، وإعادة تأهيل أجهزة الأمن حتى يتطابق عملها مع مبادئ حقوق الإنسان. مثلا، إذا كان المرشح عميلا أو جاسوسا لدولة أخرى، وكانت الأجهزة الأمنية تمتلك أدلة قاطعة ضده، فعليها أن تقدمه للمحاكمة لا أن تستبعده من الترشح للمناصب العليا، وتتركه في المناصب الدنيا أو المتوسطة. إذا كان المرشح للمناصب العليا سارقا أو صاحب سوابق أو صاحب مصلحة في المركز المرشح له، فيجب أن يحرم من المنصب بقرار معلل وواضح، غير هذا فإن الحكومة تلعب خارج القانون والدستور ومقتضيات دولة الحق والقانون.