إنها حرب بأسلحة غير متكافئة. وأوروبا عاجزة عن مواجهة هذه الحرب التي عزمت داعش على شنها بكل الوسائل. وهي تستخدم مسألتين لا تستطيع الحضارة والتقاليد الأوروبية استعمالها إلا بالتنازل عن قيمها وما تمثله ثقافتها. المسألة الأولى وهي أن غريزة الحياة حلّت محلّها غريزة الموت، تلك الغريزة الممنوحة والمقبولة. فكيف نجحت في ذلك؟ يقوم هذا الأمر على تقنيات الطوائف. المسألة الثانية، تملك داعش مبادرة وامتياز المفاجأة. إذ لا يعرف مكانها، إلا عندما تخرج من الظل، ولا كيف ستتصرف. إذ يتناول الرجال مخدرا ممنوعا يلغي الخوف، ويعطي الانطباع بالقوة الاستثنائية. إنها حرب من نوع جديد، لا تملك أوروبا أي استعداد لها. إذًن، ما العمل؟ فعندما لا تكون الديمقراطية مسلحة، أو لا تستطيع استخدام أساليب داعش وأسلحتها، فكيف ينبغي مواجهة هذا التهديد الذي ينام في أحيائنا، وفي فضاءاتنا العمومية؟ بالطبع، تستطيع المخابرات تقديم المساعدة، غير أن كل خطوة تروم الوقاية ترى نفسها يكبحها القانون والحق. ومهما تكن درجة الشك، ومهما تكن أهميته، فإن الديمقراطية لا تقوى على اقتحام بيت واعتقال من تشتبه الشرطة في أنهم بصدد إعداد الهجمات. ستنخفض اليقظة يوما تكمن المشكلة هنا. رغم أن حالة الطوارئ اتخذت، وأن الحدود أُغلقت، فإن هذا الأمر لا يمكن أن يدوم إلى الأبد. ففي يوم ما، ستنخفض اليقظة من جديد، وستستيقظ الكومندوهات النائمة. هنا تكمن قوة داعش. وهي أنها تستقطب لخدمتها آلاف الشباب المستعدين للتضحية بحياتهم من أجل مثال غبي كمثال الحصول على عشرات الحوريات في جنّة غير مؤكدة. والخوف الوحيد الذي يعيشه جنود داعش هو أن يُقتلوا على أيدي نساء كرديات، لأن الموت تحت وابل رصاص من سلاح امرأة يحول دون دخولهم جنّة الحوريات هذه! يمكن أن تكون حالة المغرب مثالا يُقتدى به؛ ذلك أن السلطات نجحت في إقناع الشعب بأن يكون يقظا فعليا، وأن يخبر بكل ما يمكن أن يمثل تهديدا. هكذا، يعمل الجميع من أجل الأمن. إذ يدرك المغاربة أن الأمر مرتبط بحياتهم واقتصادهم، حيث أصبحت اليقظة شعبية. ليس النجاح حكرا على الشرطة. فهكذا ينجح الشرطة والدرك في تفكيك خلايا مرشحين لارتكاب الإرهاب في كل مرة. العدو شرس من بعيد في أوروبا، يصعب تحقيق هذه اليقظة. ثمة بالطبع كاميرات في لندن تصور كل شيء، لكن في باريس، ليست المراقبة ناجعة تماما. تنجز الشرطة عملها، لكن العدو يبدو شرسا من بعد، طالما أنه خفي ومجهول. يبقى هناك العمل الذي ينبغي أن ينجز على المدى البعيد، وهو التربية. أي اعتماد بيداغوجيا يومية منذ المدرسة الابتدائية من أجل غرس قيم الحياة والحرية والديمقراطية واحترام الآخر بطريقة ذكية. إذ يجب أن تكون هذه الثقافة، التي تمارس بطريقة دائمة ومقنعة، مصحوبة بأعمال على الميدان تستأصل من الشباب أي محاولة للذهاب خارج البلاد من أجل الانخراط في أعمال لا يكون فيها للحياة والموت أي معنى. عن صحيفة «لوبوان»