يبدو أن المسار الانتخابي الطويل والمرهق والمكلّف الذي تحمّله المغرب في الشهور الأخيرة لتجديد مجلس المستشارين، لم ينجح في القطع مع الصورة التي ارتبطت بهذه الغرفة البرلمانية. ففي أول جلسة عمومية عقدها المجلس مساء الجمعة الماضي، وخصّصها لانتخاب هياكله من مكتب مسيّر ورؤساء فرق ورؤساء لجان دائمة، وهي المناسبة التي تعتبر الافتتاح الرسمي للغرفة الثانية للبرلمان في أول نسخة لها بعد دستور 2011، غاب قرابة 50 عضوا، أي ما يعادل 40 في المائة من مجموع الأعضاء. عدد المصوّتين في جلسة الجمعة، والذين صادقوا على لائحة موحّدة قدّمها رئيس المجلس حكيم بن شماش، 73 مستشارا برلمانيا من أصل 120، 3 منهم اختاروا إلغاء أصواتهم. الأسماء التي حملتها لائحة المسؤولين الجدد للغرفة الثانية، لم تحمل أي مفاجئات، خاصة أنها كانت محط توافقات مسبقة بين مكونات المجلس، بل أعادت وجوها «قديمة» وأخرى مثيرة للجدل إلى الواجهة. فرئيس الفريق الدستوري في النسخة الثانية من هذا المجلس، إدريس الراضي، عاد إلى موقعه رغم أنه فشل في الوصول إلى رئاسة مجلس جماعة «سيدي سليمان» في استحقاقات 4 شتنبر الماضي. كما حملت جلسة الجمعة الماضي الكاتب العام السابق لوزارة الصحة، والذي دبّج بشأنه المجلس الأعلى للحسابات تقريرا مفصّلا حول الاختلالات التدبيرية والمالية في المرحلة التي رافق فيها الوزيرة الاستقلالية ياسمينة بادو، خاصة ما يُعرف بملف صفقة اللقاحات. رحال المكاوي انتخب رئيسا للجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية. من جانبها تركيبة المكتب المسيّر للمجلس حملت أسماء أثارت الجدل في الفترة الأخيرة، مثل الرجل القوي بمدينة كلميم، والذي ينسب إليه البعض التسبب في رحيل الوالي السابق، عمر الحضرمي. عبد الوهاب بلفقيه نال منصب محاسب ضمن تركيبة المكتب المسيّر، إلى جانب اسم آخر استأثر بجدل كبير قُبيل الانتخابات الأخيرة، وهو القيادي في حزب الأصالة والمعاصرة العربي المحرشي، خاصة عندما تحدث في لقاء جماهيري عن علاقة الدرك الملكي بالمخدرات شمال المغرب. مكتب حكيم بنشماش يتضمن اسما آخر ارتبط بفصول محاكمة طويلة بسبب اتهامات بممارسات انتخابية فاسدة، وهو الحركي حميد كوسكوس. بالإضافة إلى الوزير الاستقلالي السابق، أحمد الخريف، والذي كان الملك محمد السادس قد أعفاه من منصبه في وزارة الخارجية بطريقة مثيرة. وزير الإسكان والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، والذي كان صاحب أكبر خرجة منددة بطريقة انتخاب المجلس، عاد ساعات قليلة بعد جلسة الجمعة لتأكيد تصريحاته السابقة. ففي الوقت الذي تراجع مستشارو حزبه عن الانضمام إلى فريق النقابة المقربة من حزب العدالة والتنمية، واكتفوا بتشكيل مجموعة برلمانية؛ قال بنعبد الله في تقريره السياسي أمام اللجنة الوطنية لحزبه صباح السبت، إن «ما حدث، بالخصوص على مستوى انتخاب رؤساء الجهات، ثم انتخاب مجلس المستشارين، بما في ذلك انتخاب رئيس هذا المجلس، يدل على أنه قد اختلط الحابل بالنابل، حتى صرنا لا نعرف أين هي الأغلبية وأين هي المعارضة». وبعد تذكيره بكونه سبق أن طرح سؤال الجدوى من استمرار وجود مجلس المستشارين، عاد بنعبد الله ليؤكد أنها «إشكالية تظل قابلة للنقاش، على الأقل في ما يتعلق بضرورة إيجاد الحلول المرتبطة، أساسا، بنمط الاقتراع، من أجل إلغاء صيغة الاعتماد على ما يسمى بالناخبين الكبار ليتم، عوضا عن ذلك، اللجوء إلى أسلوب الاقتراع المباشر، بما يضمن احترام ارادة الكتلة الناخبة، وخاصة بالنسبة إلى ممثلات وممثلي الجماعات والجهات. ذلك أن نتائج انتخابات مجلس المستشارين، على نحو ما جرت مؤخرا، لا تعكس، بل وتعاكس، نتائج الانتخابات الجماعية والجهوية».