لم تكد مجالس الجماعات المحلية بالمغرب تُنهي الجلسات الأولى من دوراتها، حتى تفجرت من ضواحي مراكش، صباح اول أمس الاثنين، قضية من عيّار ثقيل تفوح منها شبهة الفساد المالي، بطلاها رئيس مجلس جماعي قروي متهم ب»الابتزاز وتلقي رشوة من مستثمر تصل قيمتها المالية إلى 20 مليون سنتيم، من أجل تسهيل حصوله على ترخيص ببناء وتجهيز مصنع للبلاستيك، ورجل سلطة برتبة قائد متهم ب»المشاركة في الابتزاز والوساطة في الحصول على الرشوة المذكورة». فقد قرّرت النيّابة العامة بابتدائية إيمنتانوت، في الساعات الأولى من صباح اول أمس الاثنين، وضع «مصطفى. ب»، رئيس مجلس الجماعة القروية «سيدي عبد المومن»، التابعة لإقليم شيشاوة، والمنتمي إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، رهن تدابير الحراسة النظرية، على خلفية توقيفه من طرف عناصر المركز القضائي للدرك الملكي بشيشاوة، حوالي الساعة الرابعة من عصر يوم الأحد، بدوار «تدلست» بالجماعة نفسها، متلبسا بتسلم رشوة بعشرين مليون سنتيم، يُشتبه في أنه حصل عليها مقابل إسراعه بتوقيع رخصة ببناء معمل بالمجال الترابي لجماعته القروية. كما تقرّر الاستماع إلى قائد ملحقة «تولوكت» بمنطقة «امتوكة»، التي تدخل الجماعة القروية المذكورة ضمن دائرة نفوذها الترابي، وتخضع مختلف المقررات المتخذة من طرف المجلس الجماعي المحلي لوصايتها الإدارية. فقد تمّت إحالته على محكمة الاستئناف بمراكش، باعتباره مشمولا بمسطرة الامتياز القضائي، وفقا لمقتضيات المواد من 264 إلى 268 من قانون المسطرة الجنائية. وبعد أكثر من ست ساعات متواصلة من التحقيق مع قائد «تولوكت»، الذي انتهى الاستماع إليه في حدود الساعة الثالثة والنصف من صباح أمس الاثنين، تقرّر إخلاء سبيله والاكتفاء بمتابعته في حالة سراح في شأن التهم المنسوبة إليه. هذا، وقد جاء قرار توقيف رئيس الجماعة ورجل السلطة، على خلفية شكاية تقدم بها ضدهما رجل أعمال، لدى مصالح المختصة بوزارة العدل والحريات، عبر الخط الهاتفي الأخضر الذي أطلقته الوزارة، بتاريخ 18 يونيو المنصرم، للتبليغ عن الرشوة، سواء من طرف من تُطلب منه من المواطنين أو من تُعرض عليه من الموظفين. وقد أكد المشتكي أنه يملك العديد من المشاريع الاستثمارية بمدينة الدارالبيضاء، وأنه قرّر الاستثمار في مسقط رأسه بجماعة «سيدي عبد المومن»، من خلال بناء وتجهيز مصنع للبلاستيك، غير أنه قال إنه ووجه بتلكؤ غير مبرر من طرف رئيس المجلس الجماعي، الذي أكد بأنه طالبه برشوة لا تقل عن 20 مليون سنتيم مقابل تسهيل حصوله على التراخيص اللازمة لإحداث مشروعه. وأضاف بأنه اتصل بقائد «تولوكت»، باعتباره ممثلا للسلطة المحلية، محتجا ضد سلوك رئيس المجلس، إلا أن احتجاجاته لم تثمر أية نتائج تذكر، لا بل إنه زعم بأن القائد أكد له بألا مناص له من الاستجابة لمساومات الرئيس، عارضا عليه التوسط لديه للحصول على وثائقه الإدارية، قبل أن يقرّر المستثمر التبليغ عن الرشوة عبر الخط الأخضر لوزارة العدل والحريات، التي أحالت الشكاية على الوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش، الذي أعطى تعليماته للمركز القضائي للدرك الملكي بشيشاوة بتولي التحقيق في مضامين الشكاية. وقد انطلق البحث بالاستماع إلى المشتكي، الذي تم الاتفاق معه على معاودة الاتصال بالقائد ورئيس الجماعة والتعبير لهما عن موافقته على عرضهما، وتحديد موعد مع الرئيس من أجل تسليمه المبلغ المالي المتفق عليه. هذا، وقد نجح الكمين المنصوب لرئيس المجلس، الذي تم توقيفه متلبسا بتسلم الرشوة، وهي العملية التي تمت بإشراف مباشر لأحد نواب الوكيل العام للملك بمراكش، قبل أن يتم اقتياد الموقوف إلى مقر المركز القضائي، ويتم الاستماع إليه في محضر رسمي، ويتقرّر بعدها وضعه رهن الحراسة النظرية، بينما تمت إحالة القائد على استئنافية مراكش.