صنف التقرير الأخير لموقع «غلوبال فاير باور» الجيش المغربي وراء الجيش الجزائري ب22 رتبة، كيف تعلقون على هذا التصنيف؟ تنبغي الإشارة إلى أن التصنيف الذي اعتمده هذا الموقع لا يعتمد على معايير عسكرية ولا استخباراتية، بل على معايير غير واقعية ولا تعكس حقيقة الجيوش في دول العالم، وبالتالي فنتائجه غير سليمة، بدليل أنها مثلا ترتب الجيش العربي السوري في المركز الرابع قبل المغرب على الصعيد العربي، والكل يعلم أن الجيش العربي السوري تفكك منذ بداية الربيع العربي في تلك الدولة سنة 2011، والآن تحوّل إلى ميليشيا شيعية علوية فقط، ولا يسيطر سوى على 25 في المائة من الأراضي السورية، والقرار العسكري والاستراتيجي لهذه الدولة لم يعد بيدها، بل بيد الضباط الإيرانيين وضباط حزب الله اللبناني، وكذلك الميليشيات العراقية كميليشيا أبو فضل العباس وبدر والحسين الأكبر، إضافة إلى ميليشيات أفغانية وباكستانية وهندية. أيضا، وحسب التقرير نفسه، تم تصنيف السعودية ثالثة في الوطن العربي والكل يعلم بأنها أنفقت خلال العشر سنوات الأخيرة أكثر من ستين مليار دولار في التسلح، ومعظم مشترياتها من الولاياتالمتحدةالأمريكية. على المستوى الإفريقي، صنف التقرير ذاته جنوب إفريقيا ثالثة على صعيد القارة الإفريقية بعد مصر والجزائر وهو أمر عصي على التصديق لكونها دولة مصنعة للأسلحة وتتوفر على جيش حديث… هذا فقط، للقول بأن معايير «غلوبال فاير باور» لا تعكس حقيقة الوضع لأنها لا تركز على نوع الأسلحة، ولا على تكوين الجيوش والتجارب الميدانية لهذه الجيوش، في حين أن تقارير عسكرية أمريكية وكندية وكذلك، تلك التي ينتجها «الناتو» تعتمد على معايير أكثر دقة وشمولية، وتؤكد أن الجيش المغربي يعتبر من أقوى الجيوش. السؤال المطروح هو لماذا هذا السباق المحموم نحو التسلح بين البلدين، ولمن ستوجه هذه الأسلحة؟ الدول تتسلح لمواجهة تهديدات ومخاطر معينة، فلا يمكن لدولة أن تتسلح إلا بناء على هذه المخاطر، فالمغرب يقتني أسلحة نوعية مهمة لمواجهة تلك التهديدات، ومن بينها خطر الإرهاب والجريمة العابرة للقارات، وكذلك خطر الانفصال. بالنسبة إلى الجزائر عقيدتها العسكرية، منذ استقلالها وإلى الآن، تعتمد على نظرية المؤامرة والخطر الخارجي وهي عقيدة عسكرية تبنتها المخابرات العسكرية منذ 1958 إلى الآن، حتى لا تنفجر الجزائر من الداخل، فالخطر الذي يواجه الجزائر هو الإرهاب على حدودها، خاصة الشرقية والجنوبية، وكذلك على الحدود مع تونس، إلى جانب مساحتها الكبيرة (مليونان و300 ألف كيلومتر مربع)، والتي تحتاج إلى السيطرة. الجزائر وإن كانت تقول إنها في المرحلة الأخيرة لمعالجة بقايا الإرهاب، إلا أنها ما تزال تواجهه في الداخل، حيث تحدث مواجهات عنيفة يوميا، خاصة في الشمال مع القاعدة في المغرب الإسلامي، كما تتواجه مع تنظيم عُقبة بن نافع على حدودها مع تونس و»داعش» و»أنصار الشريعة» على حدودها مع ليبيا، إضافة إلى الجنوبالجزائري الذي تتهدده تنظيمات مختلفة ك»التوحيد والجهاد» الذي تحول إلى: «المرابطون» وكذلك «بوكو حرام» وغيرهما. فالجزائر محاطة بألغام ولهذا تتسلح بكثرة وبسرعة، وتعتمد أساسا في مقتنياتها على روسيا، وبنسبة أقل على الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا والأرجنتين وإسبانيا والهند وغيرها، غرضها من هذا السباق هو جر المغرب إلى شراء أسلحة كثيرة، على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية، غير أن المغرب انتبه إلى هذا الفخ، ولذلك عوض أن يشتري كميات كبيرة من الأسلحة، صار يقتني أسلحة نوعية متطورة في جميع القطاعات العسكرية البحرية والبرية والجوية، فعلى سبيل المثال، غواصة «آمور 1650» التي اقتناها المغرب تساوي 8 غواصات لدى الجزائر أو أكثر، حسب أميرال في البحرية الفرنسية عمل في قاعدة مرسى الكبير الجزائرية، الشيء نفسه بالنسبة إلى طائرت «F16» التي يتوفر عليها المغرب، مقارنة مع «ميغ 29» و»ميغ 31» التي تتوفر عليها الجزائر، ومن هنا يمكن القول إن الجزائر تتفوق في أشياء والمغرب يتفوق في أخرى، ولا يمكن القول إن مليارات الدولارات التي أُنفقت من طرف الجزائر قد أحدثت فرقا بين الجيشين. هل الفرق الكبير في الميزانية التي تخصصها الجزائر، وتلك التي يخصصها المغرب للسلاح تؤثر على التوازن العسكري بين البلدين؟ لا يمكن للميزانية أن تكون عاملا مؤثرا في ميزان القوى لأن الجيش المغربي يعتمد على التكوين البشري، وعلى نوعية السلاح. بالنسبة إلى نوعية السلاح هم يعلمون جيدا أن المغرب حليف لدول الخليج التي يمكنها أن توفر له أسلحة جد متطورة، كما أنه حليف للحلف الأطلسي، أيضا، وحسب دراسات ميدانية قام بها البنتاغون والحلف الأطلسي، يعتبر العسكري المغربي من أحسن العسكريين من المحيط إلى الخليج، وهو من العسكريين القادرين على التعامل مع مختلف الأسلحة المتطورة التي تستعملها الدول المتقدمة في جميع الميادين. وأشير هنا أيضا، إلى أنه تم إدخال تعلم لغة الأسلحة وهي لغة استراتيجية كالصينية واليابانية والروسية والكورية في الأكاديميات العسكرية في المغرب، إلى جانب مادة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي تدرس منذ 1995. أين تكمن قوة الجيش المغربي؟ قوة الجيش المغربي تعتمد على أربع نقاط رئيسة هي: التكوين العسكري والأسلحة النوعية، والقيادة العسكرية الحكيمة التي تتحكم في تحرك القوات، والدعم الشعبي، وبالتالي لا يمكن القول بأن الميزانية وكمية السلاح ونوعه لوحدها تحدد قوة الجيش، فقد شاهدنا كيف تبخرت أربع ألويات للجيش العراقي في ظرف ست ساعات أمام «داعش»، رغم توفره على أحدث الأسلحة المقتناة من أمريكاوروسيا، ونحن نرى الآن كيف أن الجيش العربي السوري تفكك وتقلص ولم يعد يسيطر سوى على 25 في المائة من القطر السوري، رغم توفره هو الآخر على أحدث الأسلحة، لذلك فمعيار السلاح والنفقات التي تصرف عليه ليس كافيا لتحديد مدى قوة الجيش. وهنا تجب الإشارة أيضا إلى أن الحروب المقبلة ستعتمد في أسلحتها أساسا، على الصواريخ بعيدة المدى التي سيحاول المغرب اقتناءها بمناسبة زيارة الملك إلى روسيا قبل نهاية العام، وكذلك الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى الغواصات والصواريخ البحرية. فإلى جانب اقتناء المغرب أسلحته من مصادره التقليدية كالولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وهولندا وألمانيا، فهو ينفتح على الأسلحة الروسية والصينية، وكذلك على الأسلحة الأرجنتينية والبرازيلية. من حيث التدريب والمشاركة في المناورات هل توافق على أن الجيش المغربي يتفوق على نظيره الجزائري؟ المناورات العسكرية تلعب دورا كبيرا في تكوين الجيش، والمغرب يسجل تفوقه على هذا المستوى لأن الجيش الجزائري لم يسجل أي خروج له عن التراب الجزائري منذ الاستقلال، وهم يحتجون بكون الفصلين 25 و28 من الدستور يمنع على الجيش الوطني الشعبي الجزائري العمل خارج التراب الوطني الجزائري وهي حجة من الناحية العسكرية لا تقوم على أساس، خاصة أن الجزائر محاطة بأحزمة ناسفة في حدودها الشرقية والجنوبية، بينما نجح الجيش المغربي في التطور منذ الستينيات بالمشاركة في العديد من النزاعات في العالم واكتسب خبرة كبيرة في التعامل مع الحروب، سواء في اليمن أو في التحالف ضد الإرهاب وحتى في كوسوفو والكوت ديفوار وإفريقيا الوسطى وغيرها من بؤر النزاع، كما شارك الجيش المغربي في 70 نشاطا عسكريا إلى جانب الحلف الأطلسي منها مناورات بحرية وجوية وبرية، إلى درجة أن الجيوش الغربية، خاصة جيوش النخبة ترسل للمناورة مع الجيش المغربي في الجنوب نواحي أكادير وطانطان. *عبد الرحمن مكاوِي: خبير في الدراسات العسكرية والاستراتيجية