اشتعلت الساحة السياسية في الجزائر بعد اقتراح بتدريس اللهجة العامية في المرحلة الابتدائية، حتى إن بعض النواب طالبوا برحيل وزيرة التربية نورية بن غبريط. وفي وقت ترى فيه الوزيرة أن استخدام اللغة الأم (الدارجة) في التعليم يسمح بتنمية أجزاء مهمة في المخ، تحذر جمعية العلماء المسلمين الجزائريين من أن استخدامها مكان الفصحى يعيد الجزائر إلى العهد الاستعماري. فخلال ندوة حول "تقويم الإصلاح التربوي" حضرتها الوزيرة وافتتحها رئيس الوزراء عبد المالك سلال، الأسبوع الماضي، اقترح بعض الخبراء إدراج اللهجة الجزائرية في الطور الابتدائي من التعليم بدلًا من اللغة العربية الفصحى، ما حوّل القضية من نقاش تربوي إلى نقاش سياسي. واعتبر نواب التيار الإسلامي في المجلس الشعبي الوطني أن مجرد التوصية باستعمال اللهجة العامية في التدريس يعدّ "تعديًا على الدستور وعلى قوانين الجمهورية". وطالبوا "برحيل الوزيرة فورًا نظرًا إلى جرأتها على الخطوط الحمراء باستهدافها مقومات المجتمع الجزائري". وردت وزيرة التربية أن الحديث عن "التدريس (باللهجة) الدارجة شائعة وضجيج غير مقبول"، موضحة أن "اللغة العربية تبقى هي اللغة المدرسية الأولى والمستعملة في تدريس باقي المواد، ثم هناك دستور يبقى الفاصل". ينص الدستور الجزائري على أن اللغة العربية هي "اللغة الرسمية"، معترفًا باللغة الأمازيغية ك"لغة وطنية"، بينما لا يوجد موقع رسمي للغة الفرنسية المنتشرة بشكل واسع على المستوى الشعبي والرسمي وفي تدريس العلوم في الجامعات. والفرنسية اللغة الموروثة من 132 سنة من الاحتلال الفرنسي، حاضرة في كل جوانب حياة الجزائريين من المدرسة، ابتداء من السنة الثالثة ابتدائي إلى قطاع المال والأعمال إلى الصحف، حيث يوجد في البلد 63 صحيفة يومية بلغة فولتير، بحسب إحصاء رسمي لوزارة الاتصال، مقابل 86 صحيفة باللغة العربية. ومنذ تعيينها في وزارة التربية تواجه بن غبريط، المتخصصة في علم الاجتماع من جامعة فرنسية، انتقادات واسعة، لعدم اتقانها اللغة العربية، وتوجهاتها الفرنكفونية، في قطاع يسيطر عليه المحافطون. نظم هؤلاء ندوة موازية حول إصلاحات المدرسة في مقر صحيفة الشروق، التي كانت في طليعة المنتقدين لبن غبريط. ونتيجة هذه الندوة ظهرت في الصفحة الأولى للصحيفة الصادرة السبت تحت عنوان "العربية ستحرقكم.. فلا تلعبوا بالنار". كما يطالب "المدافعون عن اللغة العربية" بأن يتم اعتبار اللغة الفرنسية لغة أجنبية مثلها مثل الانجليزية، بينما يتم تدريس اللغة الأمازيغية في المناطق المنتشرة فيها. اللهجة الجزائرية مختلفة من منطقة إلى أخرى في بلد شاسع تفوق مساحته 2.2 مليون كيلومتر مربع، وعدد سكانه 40 مليون نسمة. فلغة الجزائريين التي يتحدثونها منذ ولادتهم ولغاية الست سنوات من العمر بعيدة عن اللغة العربية الفصحى المقررة في المدرسة. وبحسب الخبراء فإن هذا الشرخ هو أحد أسباب الفشل في الدراسة، لذلك يوصون بأن يتم إدراج اللهجة الجزائرية عربية وأمازيغية في العامين الأولين لشرح المواد الأساسية وتسهيل تعلمها. وبحسب الوزيرة التي تحدثت لصحيفة الوطن فإن "استخدام اللغة الأم (الدارجة) في التعليم يسمح بتنمية أجزاء مهمة في المخ"، مستندة إلى دراسات قام بها علماء أعصاب. أضافت: "حتى في الولايات الجنوبية، حيث يتعلم الأطفال (العربية) في المدارس القرآنية (قبل الالتحاق بالمدرسة) فإن النتائج ضعيفة جدًا" بسبب طريقة تدريسها. لكنها قالت إنه "إذا لم يتم إتقان اللغة العربية فإنه لا يمكن استيعاب المواد العلمية والرياضيات". وبالنسبة إلى مفتش التربية في وزارة بن غبريط فإنه "يجب تعلم اللغة العربية الفصحى بصفة تدريجية. فالطفل يجب ألا يتعرّض لصدمة عند التحاقه بالمدرسة واكتشاف لغة ليست اللغة التي يستخدمها في البيت" كما أفاد في حوار لصحيفة الخبر. لكن "استخدام اللهجة العامية مكان اللغة العربية يعيد الجزائر إلى العهد الاستعماري"، بحسب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي أسسها عبد الحميد ابن باديبس، الذي يحتفل بيوم وفاته احتفالًا رسميًا على أنه يوم العلم. ودعا أحد مسؤوليها، عمار طالبي، "الجمعيات المدنية والمؤسسات الثقافية إلى مقاومة هذه الفكرة للحفاظ على نقاء اللغة العربية ووقايتها من أي تهديد". عن إيلاف