الجدل حول الحريات الفردية يكاد لا يهدأ في المغرب. فبعد إفطار رمضان والاعتداء على مثلي، جاءت محاكمة فتاتين بسبب لباسهما لتثير الجدل حول الحريات وحقوق المرأة، لكن الغريب أن تثير إحدى المدارس في ألمانيا أيضا مثل هذا الموضوع. فلا حديث اليوم في المغرب سوى عن ما يسمى بقضية "فتاتي إنزكان"، وهي قضية أثيرت بعدما تجمهر حشد من الرجال حول فتاتين في سوق شعبي بمدينة انزكان جنوب المغرب وشتمهما والاعتداء عليهما، حسب ما قاله حقوقيون لوسائل الإعلام بسبب لباسهما "الخادش للحياء"، قبل أن تتدخل الشرطة لإخراج الفتاتين من السوق. لكن عوض معاقبة "المتحرشين" تمت ملاحقة الفتاتين بتهمة الإخلال العلني بالحياء العام، وليبدأ الجدل حول الموضوع في الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، وصولا إلى الشارع، إذ خرجت مظاهرة تندد بالتدخل في الحريات الفردية وانتهاك حقوق المرأة، وشارك في المظاهرة أيضا رجال ونساء محجبات وتم ارتداء تنانير تعبيرا عن التضامن مع الفتاتين. بالمقابل علت أصوات محافظة تبرر العنف الذي مورس على الفتاتين وتتهمهما باستفزاز الرجال في يوم رمضان، فتحول الموضوع إلى سجال بين المحافظين والمدافعين عن الحريات الفردية. الضحية تتحول إلى جانٍ الشابتان سهام وسمية في العشرينيات من عمرهما، وتعملان مصففتي شعر، كانتا تمران بسوق شعبي في الطريق إلى عملهما قبل أن يتجمهر حولهما حشد من الرجال بسبب لباسهما الذي تضاربت المعلومات حول طبيعته. وتقول الكاتبة والناشطة المغربية سناء العاجي إن القصة بدأت حين طلب أحد الباعة المتجولين في السوق رقم هاتف إحدى الفتاتين، وعندما رفضت ذلك بدأ بتعنيفها لفظيا، ثم تجمهر الناس فاحتمت الفتاتان بالدخول إلى محل تم رميه بالحجارة من المتجمهرين لإجبارهما على الخروج، فطلبت الفتاتان مساعدة الشرطة التي تدخلت لإخراجهما من بين الحشد. وتضيف الناشطة المغربية في حوار مع DW عربية: "عوض التعامل معهما من منطلق المسؤولية الأمنية، كان تعامل الشرطة مع الفتاتين بعقلية ذكورية، إذ جاء في محضر اعتقالهما أنهما اعترفتا بارتدائهما لباسا كاشفا لمفاتنهما وشفافا لاستمالة الرجال، بينما لباسهما لم يكن لا كاشفا ولا شفافا، بل عاديا، كما أنهما تعرضتا للإهانة والتحرش من رجال الأمن". وتضيف العاجي أن الأخطر في الموضوع هو أن المجتمع نفسه حول الفتاتين إلى جانٍ مع أنهما ضحيتا تحرش وتعنيف، وعوض معاقبة الجناة الحقيقيين تمت ملاحقتهما وتقديمهما للقضاء، "هذه القضية خطيرة جدا لأنها تعطي الحق للناس في تحديد ما يجب أن ترتديه المرأة في الشارع العام حسب نظرتهم هم للأمور وليس بالاستناد للقانون والمؤسسات الأمنية". محاكمة تاريخية وتقول الناشطة المغربية إن حقوق المرأة بشكل عام في كل المجتمعات أكثر عرضة للانتهاك، وبالخصوص في المجتمعات الشرقية كالمجتمع المغربي، إذ يتم لوم المرأة دائما حتى وإن كانت هي الضحية، "فإذا اغتصبت أو تعرضت للتحرش أو الاعتداء تتهم بأن لباسها مغرٍ أو بأنها خرجت في وقت متأخر وغيرها من مبررات لا أساس لها من الصحة"، وتعطي العاجي الدليل على ذلك بأن المغرب يعرف حالات كثيرة من اغتصاب الأطفال والعجائز، "فهل هؤلاء أيضا يرتدون لباسا مستفزا؟". وتتابع: "بالإضافة إلى ذلك تثبت الأرقام أن أكبر نسب التحرش في العالم توجد في دول معظم نسائها محجبات أو منقبات، ومصر في مقدمة الترتيب. لذا فاللباس مجرد مبرر لممارسة العنف ضد المرأة". على مواقع التواصل الاجتماعي انطلقت مباشرة بعد انتشار خبر اعتقال الفتاتين، حملة بشعار "ارتداء تنورة ليس جريمة"، وعبرت مجموعة كبيرة من مستخدمات تويتر وفيسبوك عن تضامنهن مع الفتاتين بنشر صورهن وهن يرتدين تنانير وفساتين. في المحكمة التي شهدت أولى جلسات محاكمة الفتاتين كان التضامن كبيرا أيضا، فقد حضر العديد من الناشطين، كما تطوع 500 محامٍ للدفاع عن الفتاتين في محاكمة وصفتها وسائل الإعلام المحلية ب"التاريخية". وتم إخلاء سبيل الفتاتين على أن يصدر القاضي حكمه في ال13 من شهر يوليوز الجاري. وتقول العاجي إن التعامل مع اللباس في الفضاء العام يقتصر على المرأة ويحق للرجل الخروج كما يحلو له "أحيانا يخرج الرجل عاري الصدر ولا أحد يتكلم، لكنهم يهاجمون المرأة ويقولون إنها مغرية والرجل ليس كذلك؛ مع أن ذلك لا يمت للحقيقة بصلة. ثم طبيعي أن يفتتن الرجل بامرأة أو يشتهيها لكن ذلك لا يبرر أن يقوم يتعنيفها لهذا السبب!". في ألمانيا أيضا! وترد العاجي على الأصوات المحافظة التي بررت ما حصل بلباس الفتاتين بأن "هذه الحادثة تثبت مرة أخرى أننا أمام مجتمع متناقض، فهو يرفض أمورا باسم الدين والتقاليد لكنه يواجهها بأمور لا تمت للدين ولا للقيم بصلة كالعنف والإهانة. هذه الحادثة وغيرها، رغم أن البعض يحاول إقناعنا بأنها مجرد حوادث عابرة، تظهر تحولا نحو مزيد من التطرف في المجتمع، يمارس بالخصوص ضد المرأة في الفضاءات العامة". بعيدا عن المغرب إلى ألمانيا، حيث تشهد مواقع التواصل الاجتماعي جدلا أيضا حول موضوع مشابه، بعدما قررت مدرسة في منطقة الغابة السوداء جنوب غرب ألمانيا منع تلميذاتها من ارتداء "ملابس مثيرة". النقاش حول طبيعة اللباس المناسب في المدارس ليس بالجديد في ألمانيا، لكن وضع هذه المدرسة للحدود التي ينبغي احترامها أثار الجدل حول احترام حقوق المرأة. المدرسة أوضحت أن كل من يرتدي ما يكشف البطن أو سراويل قصيرة جدا سيحصل على قميص من حجم كبير من المدرسة ليمكنه الدخول إليها. وقد يكون الفرق بين هذه الحالة والحالة المغربية أن القرار الذي تم اتخاذه في ألمانيا قوبل باستغراب أكبر، حيث إنه اتخذ في دولة تحمي الحريات الفردية مقارنة بالمغرب. على تويتر انتشر وسم (هاشتاغ) "منع السراويل القصيرة جدا" (#Hotpantsverbot) بشكل كبير واتجهت تعليقات مستخدمي تويتر إلى أن جسد المرأة ليس أداة جنسية، وأن القرار فيه تمييز بين التلميذات والتلاميذ الذكور. واعتبرت إحدى مستخدمات تويتر منع تلميذة من الدخول إلى مدرستها بسبب لباسها يعني أن لباسها أهم من تعليمها، ومنع التلميذات دون التلاميذ من الدخول إلى المدرسة بسبب لباسهن يعني أن تعليم الذكور أهم من تعليم البنات.