اعتاده القراء والباحثون أستاذا أكاديميا متخصصا في أكثر المواضيع حساسية وتعقيدا. يطرح الأسئلة المقلقة، ويسائل التاريخ البعيد والقريب من زاوية الأنتربولوجيا والسوسيولوجيا والتاريخ، وهو المنطلق من تخصص اقتصادي. كتب عن «العبد والرعية» في أحد أشهر كتبه، وأشرف على كتاب نشره مجلس الجالية المغربية في الخارج يشرح معاني أسماء الله الحسنى ويكشف جماليتها. شرّح «المخزن» في منطقة سوس الأقصى، ووضع العبودية تحت المجهر في علاقتها بالإسلام. هو حاليا أحد أكثر الكتاب والمفكّرين نشاطا وحضورا في الشبكات الاجتماعية، في تدوينات شبه يومية تعلّق وتنتقد وتفسّر. هذا الركن فسحة جديدة ل«تدوينات» مختلفة، ترصد تحوّلات الواقع بعين محمد الناجي. أنا رجل علماني متيقن، رجل حرّ في تفكيره، لكني أحترم حرية الآخر ومعتقداته، لأني أشاركه شيئا لا غنى عنه لتأسيس مشروع مشترك سيصل إلى مرتبة معينة من التقدم. هذه القناعة ليست تسامحا تكتيكيا، بل هي ثمرة واقع قوي. لتجنب كل مغالطة، أنا مسلم مقتنع بقوة ثقافتي وحيويتها. أنا لست كذلك لأني مرتبط فقط بممارسة الطقوس الدينية. هذا النوع الذي سيصبح في مستقبل المجتمع ثانويا. أنا لست كذلك لأني فقط أتوخى تحقيق وفاق وتسوية تخدم دوري السياسي. أنا مواطن عادي ولست سياسيا. أنا مسلم، أنا كذلك بعمق، واستراتيجية، لأن هذا الدين هو مكون أساسي في هويتي، وواحد من ضوابطها الرئيسة على نطاق مستويات عدّة. لن تكون عملية مواجهة المستقبل سهلة دون أخذ الدين بعين الاعتبار وبشكل موضوعي. سيكون ذلك غامضا وربما قد يكون دمويا. عضويتي تتجاوز مجرد ممارسة طقوس العبادة التي لا يمكن أن نختزل الإسلام فيها. وخلافاً للفكرة الشائعة لدى المتنافسين على الحداثة الساذجة المتعجلة على فصل الواقع عن مقوماته الضرورية، فهذا الدين ليس منحصرا في التراث التاريخي، بل بالعكس من ذلك فهو يشكل أسس تكوين قومي ووطني، وعلاقتي بباقي العالم. إنه أكثر من الإيمان الشخصي، لكن في الوقت نفسه يعود له الفضل في تولّد قوة الكيان الديني، الذي يعدّ البنية التحتية لبلادنا وتاريخنا. وهذا أمر يجعلنا نستقل عن مسألة الاعتقاد أو عدمه في ما بيننا. هذا أمر بالغ الأهمية، ويمثل أسس الاختلاف الكبرى التي تميزنا عن الغرب. هذا لا يعني أننا نميل أكثر إلى الجانب الروحي، لكن افتقارنا إلى الدعامة التاريخية للاقتصاد في المجتمع، جعل الدين يمْثُل في المستوى الأول كأساس لهذا المجتمع. ولندع أنفسنا نجرؤ على القول إنه «جهاز مادي» في عصرنا، فقد لعب دورا هيكليا منذ قرون، إذ مكننا من عبور الأوقات الصعبة التي ترهبها بعض الأمم على المستوى الداخلي والخارجي. وبهذا تصبح علاقتنا الشخصية بالدين غير قابلة للقراءة والتقدير إلا في ضوء ميولنا الشخصية، بعيدا عن كوننا مؤمنين أم لا، لأنه يُفرض علينا بشكل فوري كعلاقة اجتماعية، ولا يمكن أن نستقصيه إلا باعتباره مشروع مجتمع. وهذا ما يؤثث خصوصيتنا، ويمكن أن نعبر عن ذلك بالقول: «إن علمانيتنا غير المتدينة تجعلنا متعارضين مطلقا وأبدا مع المجال الديني»، ولكن يتوجب أن ندير ما نحن فيه كيفما كنا وكيف ما كان توجهنا، فليس هناك من شك في أن الإسلاميين هم الذين يلفون النظام وبشرعية. ولكن لا ينبغي للعلمانية -خصوصا في المرحلة التي نجتازها- أن تعمد إلى الاستنساخ الميكانيكي للواقع الغربي، كنوع من النقل الأعمى. إني أنا أيضا أود أن أنصب خيمتي في المجال الديني، لن أتركه بأيدي أولئك الذين يديرونه ضدي، وضد طموحات المواطن الحر. وهذا يعني: أني أطالب بالحق في توليد علاقة مبتكرة مع الدين: علاقة تنبني على مساءلة هذا المجال، علاقة لا تنتقص من قيمة تعبيري المنفتح، ومن انفتاحي، وحسي النقدي، وبتعبير أدق، لا تمس بمنطلق الحفاظ على حريتي في الفكر والتعبير. هيا، لنوقف الأساطير، ولنوقف التلاعب بالدين، ولنوقف خلود كل ذلك وحتميته علينا، فهكذا لن أدير ظهري للدين -على أي حال- ولن أنظر إليه بكسل أو رفض قد يرادف الرغبة في الاستقالة أو الارتداد كرد فعل. سيكون ذلك سهلا لأني سأكون خارج التاريخ. إن علمانيتي تجتاز كل هذه الأشياء: الصراع والتسوية قبل القطيعة، وتمرّ بالضرورة عبر ذكاء مجتمعي. إنها لا تنحصر في تناول مشروب ومهاجمة الإسلاميين على الشاشة الصغيرة. إنها بالعكس في حاجة إلى تطوير فكر نقدي يسعى إلى مد الجسور مع الحداثة الحقيقية.