دخلت على صاحبي فَبَدَا لي مهموما حائرا، بعصبية زائدة ردّ على الهاتف: «اسمعي جيدا، قولي لمن يطلبني أنا غير موجود بالمكتب، أَو مت، وستُشَيَّعُ جنازتي اليوم»! وأقفل الخط بحدة، ثم التفت إليّ مزمجرا: «الجنون بعينيه. مشاريع هنا، ومشاريع هناك، ندوة هنا، ويوم دراسي هناك.. الحرب قامت! ما عُدت أضبط مواعيدي»!! قلت مهدئا من روعه: «ماذا بك؟» «ماذا بي»؟..»عدوى إسهال قانوني أصابتنا، الكل يُشرّع». قال لي أحد النواب البرلمانيين: «يا أخي، نحن قِلَّة، وليس بيننا رجال قانون، وأنتم طاحونة السوق الكبير، لا تتوقفون. أصبحنا نعطي مشاريعكم للأُمّيين منا وهم كثر؟ أما الذين فتح الله عليهم ببعض الحروف، فأغلبهم مسافر في مهمة أو للاستجمام أو بدون حجة»!!! عقّبت ضاحكا: «الله يحضّر السّلامة، لا يعجبكم العجب ولا الصيام في رجب». أيهما أحسن: «الحركة دائرة أو الرِّزق على الله، ألسْتُم من قال بالإصلاح الشامل والعميق»؟!! «يا سيدي، مائة مشروع ومشروع، ولا واحد منهم قُلنا عَنْه «يَا بْيَاَضِي» وَزَغردنا عليه، ومازلنا نشرع». بالمناسبة أريد أن أسألك: «هل نُصوص الإجْهَاض من القانون الجنائي أم لا»؟ هل هذا سؤال؟ «وبما أنه ليس سؤالا؟ لماذا نعدل القانون الجنائي لوحده؟ وقانون الإجهاض لوحده؟ الطبل والمزمار هنا وهناك»، خذ: «ها القانون المدني، ها قانون المسطرة الجنائية، ها قانون المسطرة المدنية، ها قانون القضاة، ها قانون السلطة القضائية، ها قانون المحامين، ها قانون الموثقين، ها قانون العدول، ومازال العَاطِي يعطِي؟ من في رأيك منهم سيخرج الأول إلى الوجود!؟» الجواب بسيط، اعتمدوا نظام القرعة. ألم ينجح في اختيار قضاة الخارج؟ اكتبوا أسماء المشاريع في وريقات، واطلبوا من «الشاوش» أن يختار إحداها، ومَرِيضنا مَا عِنْدَه باس! أو اعتمدوا لعبة «الوجه أو الكتابة»، قطعة معدنية من فئة درهم واحد تختار لكم القانون صاحب الحظ السعيد! اضحك..أعطاك الله يا أخي. أصبحنا مثل البنائين عندنا الحديد والأسمنت والآجور.. والرملة، والمشروع متوقف، والناس واكلة شاربة. ثم وهو يضحك قال: «واحد منا اختلطت عليه المشاريع، فقرأ على الناس افتتاحية مشروع قانون المسطرة الجنائية بدلا من مشروع القانون الجنائي. الغريب هو ألا أحدا عارضه من الحضور، وهي قرينة على أنَّهم لا يسمعون». أجبته ضاحكا: «يا أخي.. الوسيلة الواقعية الفعّالة لِصلة الرحم بين المُغْتَربين هي الندوات العلمية، فلا تقلق»! الله يهديك. المدة الزمنية بدورها لم تعد كافية، غدا يأتي وزير جديد ويضرب كل المشاريع في صفر! «اسمع، بالأمس كنت ذاهبا للمشاركة في ندوة بالفندق الكبير لتدارس مشروع قانون «البَاكُور الهَندي»، رن جرس الهاتف، سَمِعْت الكاتبة تقول:..أينك: «شِي ناَس جَايبين مشروع قانون جديد..ارجع دابا».. أقفلت الهاتف وقلت لنفسي: «أملأ بطني أولا بهذا الأكل الشهي ..وبعدها ليأتي الطوفان»؟ فالمشرع لا يُشَّرِع وهو جَوْعَانٌ! الآن تَكَلَّمْتَ. لو لم يكن هذا المشروع، لما طرقت باب هذا الفندق، ألم تنظر إلى جسدك في المرآة، البطن انتفخت.. والعُود انْتَصب! لولا هذه الندوات لما صرت على هذه الحال؟ واصل كلامه كأنه لا يسمعني وقال: «الكل يغني على ليلاه، فريق اقترح أن يؤدي أفراده اليمين أمام بعضهم البعض»، وفريق قال: «لسنا تلاميذ بقسم التحضيري حتى نحرر عقود الناس مثنى مثنى»، وَقَاضِ هَمَسَ في أذنِي: «لماذا لا تقترح بذلتين للقضاة إحداهما للصيف، وأخرى للشتاء مثل رجال الشرطة والدرك والعسكر: «مالهم غير هوما لي كايسخنوا ويبردوا؟ تاحْنَا راه دم ولحم»، أمَّا أحدهم فقد صرخ في وجهنا قائلا: «لماذا الكيل بمكالين، وضعتم للسكارى جهازا لقياس درجة السكر، فلماذا لا تضعون جهازا لمعرفة الصائمين مِنَ المفطرين في رمضان؟ ولماذا لا تزودوا رجال الشرطة والدرك بساعات إلكترونية لقياس مدة تحديق الرجال في النساء لإثبات جريمة التحرش! قلت شارحا: بخصوص رمضان..الوسيلة التقليدية مجدية، راقبوا بالطرقات العامة أَلسنة الناس، إن كانت بيضاء بها شقوق جافة فَهُم صَائِمُونَ، وإن كانت وردية لزِجَة كأحمر الشفاه فهمُ مُفطِرُون!! نَظر إِليّ بإمعان، وقد لمس دَرجة تَهَكُّمِي، وأراد أن يُعقّب، لكن رنين الهاتف أزعجه، فضغط على الزر لأسمع من الطرف الآخر صوتاً يقول: «أجل يا سيدي..ماذا سنقدم في وجبة الغذاء لضيوف ندوة طواحين الهواء قَدّمنا من قبل اللحم بنوعيه: البكَري والغنمي، والسَّمك، والدِيك الرومي.. ماذا تقترح علينا»؟ صاح زاعقا: «اسمع أَمولاَي هل قدمتم لهم «قُنِيَة»، أعْنِي «وَجْبَة الأَرَانِب». لا يا سيدي قَدِّمُوها لوَالْدِيهُم! رمى بالسماعة قائلا: «انهض. لنذهب إلى حالنا، نحن نناقش القوانين وصاحبنا يقول: «هل نطبخ الغنمي ولا البكَري ولا بيبي، لا إله إلا الله محمد رسول الله» !! ومع ذلك قُلْتُ وجبة الأرانب اجتهاد غير مسبوق. أدار المحرك دون أن يلتفت إليَّ. من المذياع سمع نَانسِي عَجْرم تغني: «شَخْبَط شَخَابِيطْ». نظر إليّ وقال: «أسَمِعْتَ الفأل، اضْحَك معَ رَاسَك»! رئيس المنتدى المغربي للقضاة الباحثين [email protected]