يبدو أن الحرب المفتوحة بين البرلمان والحكومة حول أحقية إعداد القانون التنظيمي للجان تقصي الحقائق تجري خارج التفاصيل الدستورية والقانونية، ففي قراءة مقارنة للمبادرتين الحكومية والبرلمانية، يظهر أن النصين متقاربان ، على مستوى الشكليات أو المضامين القانونية. 1- نفس عدد المواد والنصوص النصان يتضمنان هندسة قانونية متقاربة إلى حد كبير، فالمشروع الذي فاجأت به الأمانةُ العامة حكومةَ بنكيران يتضمن 19 مادة، في حين يحتوي المقترح الذي اهتدت إليه اللجنة الفرعية التي شكلتها لجنة العدل والتشريع على نفس المواد، مع إضافة مادة مرتبطة بالمقتضيات الختامية. 2- الملك حاضر في النصين وفيما يتعلق بالمضامين، فقد أظهر مشروع الضحاك في مادته 3 اهتماما خاصا بتفاصيل ومساطر تشكيل لجان تقصي الحقائق حين يكون مصدرها الملك، مضيفا في مادته 3 أيضا، أن رئيس المجلس المعني يرفع تقرير لجنة تقصي الحقائق إلى القصر بعد انتهاء أشغالها. مقترح البرلمانيين، وإن نص في مادته 2 على الحضور الملكي كمصدر لتشكيل لجان التقصي إلى جانب مبادرة ثلث أعضاء مجلس النواب أو المستشارين، فإنه تحاشى الدخول في تفاصيل المبادرة الملكية مسهبا في عرض مساطر تشكيل اللجان حين يكون مصدرها برلمانيا. 3- نص الحكومة نسي المعارضة وفيما يتعلق بالنصاب القانوني لتشكيل لجان التحقيق البرلمانية، فقد ظهر مقترح البرلمانيين أكثر وضوحا، حيث حدد عدد أعضاء اللجنة في 10 أشخاص، في المقابل سكت مشروع الحكومة عن وضع رقم ومهام معينة تاركا الباب مشرعا أمام البرلمان للحسم في ذلك. المثير في مشروع الضحاك أنه لم يشر إلى الفصل 10 من الدستور الذي ينص على المشاركة الفعلية للمعارضة في مراقبة العمل الحكومي لاسيما اللجان النيابية للتقصي، في المقابل فطن مقترح البرلمانيين إلى هذا الأمر، حيث نصت المادة 5 على أنه لضمان المشاركة الفعلية للمعارضة في حالة عدم انتخاب رئيس اللجنة من صفوفها، فإن مقرر اللجنة ينتخب وجوبا من المعارضة. 4- نفس القضايا المحصنة ضد التحقيق البرلماني المشروع في مادته 9 والمقترح في مادته 10 ظهرا أكثر تطابقا فيما يتعلق بالقضايا المحصنة ضد التحقيق البرلماني والمتعلقة بالدفاع الوطني أو الأمن الداخلي والخارجي أو بعلاقات المغرب مع دولة أجنبية أو منع أشخاص معنيين من الإدلاء بشهادتهم أمام اللجنة، كما أن المبادرتين رمتا موضوع رفع الحصانة على المؤسسات والأشخاص، في مرمى رئيس الحكومة. المشروع في مادته 4 والمقترح في المادة 3 اتفقا على القاعدة الذهبية للجان التقصي والتي مفادها انتهاء مهمة كل لجنة للتقصي فور فتح تحقيق قضائي في الوقائع التي اقتضتها. 5- عقوبات البرلمانيين أكثر صرامة وفيما يتعلق بالعقوبات، فقد تم تسجيل بعض الاختلافات فيما يتعلق بالعقوبات المالية، ففي حين بدى مقترح البرلمانيين أشد صرامة فيما يخص رفض أو امتناع مسؤولي الدولة الحضور بصورة قانونية لإدلاء بشهادتهم أو أداء اليمين أمام لجنة تقصي الحقائق دون عذر مقبول أو في حالة الامتناع عن تسليم الوثائق حيث توعد المقترحُ بغرامات تتراوح بين 20 ألف درهم و50 ألف درهم، أظهر مشروع الضحاك نوعا من التساهل في هذه المخالفات حيث اقتصرت المادة 12 من المشروع على معاقبة الممتنعين عن الشهادة وتقديم الوثائق بغرامة تتراوح بين 5 آلاف و20 ألف درهم. 6- البرلمانيون يخشون التسريبات وفيما يتعلق بعدم احترام السر المهني لأشغال وتحقيقات اللجنة البرلمانية، فقد خصص المقترح في مادته ال15 عقوبات مالية تتراوح بين 2 مليون سنتيم و5 ملايين سنتيم وبعقوبة حبسية تتراوح بين سنة وخمس سنوات، في المقابل اعتبر المشروع في فصله 14، أن هذه الجنحة لا تتجاوز عقوباتها المالية مليون سنتيم في أقصى تقدير بينما تتراوح عقوبتها الحبسية بين سنة واحدة وخمس سنوات. المبادرتان خولتا للنيابة العامة إجراء المتابعات في قضايا الامتناع عن الشهادة وتسليم الوثائق وعدم احترام السر المهني، بناء على شكاية يوجهها إليها رئيس المجلس المعني حسب تقرير من رئيس اللجنة.