نبه الباحث السينغالي سليمان بشير دياغني، إلى ضرورة الحفاظ على المخطوطات التاريخية التي يعود تاريخها إلى مئات السنين، من الأخطار المحدقة بها، أي من هجوم الحركات السلفية المتشددة وتدميرها لزوايا مدينة تومبوكتو وإرثها الثقافي، إضافة إلى التلف الذي قد يلحق بها، أو تهريبها إلى الخارج وبيعها في السوق السوداء. وأضاف الباحث السينغالي، خلال مداخلته في الطاولة المستديرة الأولى التي نظمت على هامش فعاليات الدورة 21 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، حول المسالك الروحية ومدى ارتباطها بالطرق التجارية، أن التحدي الذي يواجه الفكر الصوفي الآن مرتبط أساسا بالحفاظ على المخطوطات التاريخية، التي يعود تاريخ بعضها إلى عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، إذ يوجد عدد منها في بعض الزوايا في المناطق القصية بالمغرب وأخرى في غرب افريقيا، بفضل الحركة التجارية ببعض المناطق التي تمر منها القوافل ما خلق تلاقحا فكريا ودينيا شكل غنى فيما يخص مكتبات وزوايا منطقة الصحراء وسوس العالمة. وفي هذا الصدد، دعا المتحدث جميع المهتمين بإجراء بحوث وترجمة لمضامين هذه المخطوطات لتعميق النقاش حول الأفكار الانسانية التي تتضمنها، لأنها وُجدت من أجل تناقل معلوماتها وليس الاحتفاظ بها كإرث فقط، لما تحتويه من قيمة علمية وتاريخية كبرى. في موضوع متصل، شدد دياغني أن مصطلح "افريقيا جنوب الصحراء" لا يمت للواقع بصلة ويتوجب إعادة كتابة التاريخ الثقافي والحضاري لها بعيدا عن التقسيمات، مؤكدا أنها لم تكن يوما جدارا يفصل بين عالمين، بل كانت ولا تزال طريقا يجمع وينقل ارثا حضاريا وعلوما فلسفية قبل قرون بين تومبوكتو وفاس. من جهته، تحدث الباحث الفرنسي في علم الاثنولوجيا رومان سيمينيل في مداخلته صباح اليوم، عن أن حضور الفكر الصوفي في افريقيا يعد دليلا على أهمية القوافل التجارية في نقل الافكار وما أسماه الذهب الروحي من فاس الشيء الذي شجع وصولها وتغلغلها داخل العمق الافريقي واستطاعت بالفعل ايجاد موطئ قدم لها هناك، كما ذكر أن المراكز الثقافية والدينية في الغرب الافريقي، أي ما يسمى بالزوايا من المغرب حتى مالي، أنتجت خلال القرون الخمس الأخيرة كما كبيرا وهاما من المخطوطات التي تحتوي على كنوز معرفية. وصبت جل افكار ومداخلات الباحثين الاكاديميين في أهمية المخطوطات التاريخية التي تتواجد في الزوايا والأماكن الدينية والثقافية الأخرى في جنوب المغرب، ودول افريقيا جنوب الصحراء، كما استحضروا أبرز الشخصيات الصوفية منهم تييرنو بوكار، الملقب بحكيم "باندياغارا" في مالي، إذ كان شيخا للطريقة التيجانية، وجه تعاليمه إلى الإنسانية جمعاء، متجاوزا كل الحدود الجغرافية كما أنها تعد صالحة لكل الأزمان.