ما عاد نظام الجنرال السيسي في مصر يقيم وزنا للحق في الحياة أو لاحترام الحد الأدنى من حقوق الإنسان أو حفظ كرامة البشر، كما لم يعد يلتفت إلى صورته القبيحة في مرآة المجتمع الدولي. إنه نظام غير شرعي ولد من رحم الانقلاب، ولهذا فإنه ماض في ضلالاته لا يلوي على شيء. الأسبوع الماضي أصدر القضاء المصري، الذي لا يملك من صفات القضاء إلا الاسم، حكما بالإعدام في حق رئيس منتخب بسبب تهم كاريكاتورية لم يصدقها أحد، فنزلت الإدانات من كل حدب وصوب من المنظمات الحقوقية العالمية، ومن واشنطن وبروكسل وبرلين وأنقرة والاتحاد الإفريقي. وحدها البلدان العربية صمتت، ليس فيها نظام واحد له غيرة على الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو الحق في الحياة… النظام الذي يحكم على معارضيه بالإعدام ليس نظاما قويا، وهو لا يشعر بالاستقرار أو بقبول الناس به، لهذا يتصرف بطريقة همجية من أجل بث الرعب في نفوس الناس، والنظام الذي يحارب خصومه بالقضاء الفاسد والتابع ليس نظاما قويا لأنه يستعيض عن الأدوات السياسية بالأحكام الجائرة، والنظام الذي ينزل الجيش إلى الشوارع ويلطخ سمعة البذلة العسكرية ليس نظاما قويا بل نظام ديكتاتوري عمره قصير مهما طال… أصيب النظام المصري بجنون السلطة، فأصدر 100 حكم إعدام في يوم واحد، شملت الرئيس المنتخب محمد مرسي والعالم الكبير يوسف القرضاوي وعشرات الفلسطينيين، بعضهم استشهد منذ سنوات حتى قبل أن تقوم ثورة يناير، حيث تم اتهام حماس بأنها اجتاحت مصر إبان الثورة، وهدمت سجون مبارك، وأفرجت عن المعتقلين الإسلاميين من السجون، فاستحق مرسي حكم الإعدام لأنه خرج من زنزانة حبس فيها بدون حكم قضائي بعد أن فر الحراس من السجن عندما رأوا حكم مبارك ينهار، ثم لم يكتشف المجلس العسكري أن المرشح للرئاسة عميل لحماس، وسمح له بالترشح والفوز وأداء القسم وحكم أكبر بلد عربي لمدة سنة، قبل أن يأتي السيسي إلى الحكم على ظهر دبابة ويستولي على السلطة بالحديد والدم، ويشرع في محاكمة خصومه… ران الصمت في جل مقرات الأحزاب المصرية، ليبرالية ويسارية وسلفية، والتزمت النخبة المصرية الشجاعة الصمت، فيما برر الإعلام المخدوم الجريمة بادعاء أن القضاء في المحروسة مستقل، ولا أثر للسياسة في أحكامه، ولا في أوراق القضية التي تصلح نصا لفيلم مرعب عن الديكتاتور، لا لملف قضائي يعرف طريقة للعدالة والإنصاف… العداء للإخوان المسلمين يعمي جل النخب المصرية التي رأت في الحكم هدية من نظام العسكر ضد حزب قوي كان ينافسها على مقاعد البرلمان والجمعيات والنقابات…مع ذلك، فأحكام الإعدام بالجملة هذه تكشف مأزق النظام الذي لم يفلح في الأمن ولا في الاستقرار ولا في عودة الحياة إلى مجراها الطبيعي.. منذ 20 يونيو 2013 ومصر تتصدر قائمة الأخبار السيئة في نشرات الأخبار، ورغم أن دول الخليج العربي صبت فيها أكثر من 60 مليار دولار، فإن نظام السيسي يغرق كل يوم في رمال الحرب في سيناء ومستنقعات الدم في القاهرة والإسكندرية وعشرات المدن المصرية… لا يجب الخلط بين أخطاء مرسي في الحكم وأخطاء جماعة الإخوان في مصر وبين جرائم السيسي، وحرب الإبادة التي يشنها ضد طرف سياسي له وزنه في البلاد منذ 85 سنة. المغفلون الذين اعتقدوا أن تظاهرات 30 يونيو استكمال لثورة يناير فوقعوا مع الجنرال الدموي، لم يروا بقية الفيلم، ولا توقعوا هذه النهاية، حيث بدأ السيسي بالإخوان وانتهى بحركة 6 أبريل وشباب الثورة وكل صاحب رأي. هذه المجزرة في حق الديمقراطية والربيع العربي أنجزت في مصر بثلاث أدوات رئيسة؛ الأولى هي الجيش الذي استولى على السلطة وأزاح حكم رئيس منتخب، والثانية هي القضاء الذي استعمل سكينا لذبح الخصوم عن طريق الأحكام المسيسة، وثالثة الأدوات هي الإعلام الذي وُظف للتغطية على الإجرام وتبرير اغتصاب السلطة، وإشغال الرأي العام عن مسرح الجريمة…