يعتقد المستبد العربي أنه بدوسه على كل الزهور، التي تتفتح في هذا الشارع أو ذاك، سيوقف زحف الربيع. هذا ما يحدث في مصر المارشال السيسي، فبعدما أمعن في القتل الرمزي للرئيس محمد مرسي وكل المنافحين عن عودة الشرعية، متوسلا آلته الإعلامية الثرثارة، انتقل إلى القتل المادي لهم باستعمال قضاء مازوشي: يقضي على نزاهته واستقلاليته قبل ان يقضي على الماثلين أمامه دون جريرة. كيف يحكم القضاء المصري بشنق الرئيس الشرعي لمصر، بناء على تهمة "اقتحام السجون" التي يقول هذا القضاء نفسه إن مرسي اقترفها قبل أن يصبح رئيسا لمصر، وهو لم يسائله عنها طيلة فترة حكمه؟ إن هذا وحده يؤكد على أن القضاء المصري بريء من حكم الإعدام الذي نطق به في حق رئيس مصر المعزول ومرشد حركة الإخوان المسلمين وآخرين، وأن حكم الإعدام تمت صياغته في دواليب الآلة العسكرية الانقلابية التي انتدبت صوتا قضائيا، طيعا، لينطق نيابة عنها بالحكم الممهور بجزمة الجيش. لو كان القضاء المصري سلطة حقيقية، لجعل من التسريب الصوتي الذي أكد فيه رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق، الفريق سامي عنان، عدم وجود ما يثبت تسلل أعضاء من حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" أو من "حزب الله" اللبناني، للمشاركة في اقتحام السجون، دليلَ إدانة لنظام السيسي الدموي، الذي لا تتوقف مهازله وفضائحه، انسجاما مع القاعدة القائلة: "ليست هناك جريمة كاملة". عقِب ظهور العديد من التسريبات الصوتية المنسوبة إلى رموز الانقلاب، والتي لم يعد أحد يشكك فيها، بعدما أكدت المختبرات الأمريكية صحتها، خرج علينا الدكتور محمد البرادعي، قبل أيام، يقول بأن السيسي لم يحترم السيناريو الذي تم الاتفاق عليه في خارطة الطريق التي ساهم البرادعي في رسمها، والتي قال إنها كانت تتضمن أربع نقط هي: "1. إجراء انتخابات رئاسية مبكرة؛ 2. خروج كريم للسيد محمد مرسي؛ 3. نظام سياسي يشمل الجميع، بما فيهم الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين؛ 4. بدء عملية مصالحة وطنية وحوار وطني وحل سلمي للاعتصامات". ما لم يفكر فيه البرادعي، وفكر فيه الجنرال السيسي، هو أن مرسي ليس رئيسا معزولا عن الناس، مثل مبارك، وبالتالي فالانقلاب عليه سيكون انقلابا على ملايين المصريين الذين سيخرجون إلى الشوارع والميادين مطالبين باسترجاع صوتهم وحقهم، وهذا سيجعل الأمن والجيش أمام خيارين: إما التراجع عن الانقلاب، وهذا غير ممكن، أو مواجهة الغاضبين بالسحل والقتل، وتجريم رموزهم بتهم ملفقة، وإطلاق "كلاب الحراسة" من الاعلاميين الماجورين عليهم، ثم إصدار الأحكام بإعدامهم. تصريحات البرادعي هذه أظهرته كأي رومانسي لا علاقة له بالسياسة، جاهل للتناقضات، غير مستوعب لدروس التاريخ. البرادعي يريد السلطة بانقلاب عسكري يقوده عساكر طيبون على رئيس شرعي يغادر الحكم وهو مبتسم، ثم يعود عن طيب خاطر للانخراط في "نظام سياسي يشمل الجميع"، ويكون فيه البرادعي رئيسا للدولة، والسيسي حارسا للحدود، ومرسي قائدا لمعارضة ترفع أصبعها لأخذ الكلمة في مجلس الشعب، ومحمد بديع داعية يتحدث عن فرائض الوضوء في برنامج تلفزيوني... الذين خططوا للانقلاب على الشرعية في مصر كانوا يعرفون أن زحف الربيع العربي سوف يصل إلى صحاريهم الخليجية ويتسلق كاللبلاب أركان عروشهم، لذلك صرفوا أموال البترول لحرق الأخضر باليابس؛ فحركوا الجيوش، ومولوا الإرهابيين، ودعموا الفاسدين من رجال المال والأعمال، وصفروا لكلاب إعلامهم بالهجوم، ونصبوا المشانق للثوار... لكنهم لم يفكروا أن حبل الكذب قصير وأن "الضُّراط لا يُنجي من الموت"، كما يقول المثل المغربي، وأن ساعة الحقيقة ستدق قريبا ولو شنقوا ألف مرسي على عقاربها.