من شأن كتاب» French Corruption»(الفساد الفرنسي) الصادر عن منشورات «ستوك» والذي ألفه فابريس لوم وجيرار دافيت، الصحافيان في جريدة «لوموند»، أن يثير بالتأكيد الكثير من الجدل والكثير من الصخب لأنه يتحدث عن شخصيات تنتمي إلى اليمين الفرنسي من بينها الرئيسان السابقان: جاك شيراك (1995-2007) ونيكولا ساركوزي (2007-2012)، إذ لم يتم استثناء أي واحد منهما في هذا التحقيق الذي كشف الغطاء عن علاقات الزيف والخيانة التي ربطت بين السياسة والمال. ولكن اللحظة القوية في هذا الكتاب، هي توجيه الاتهام لنيكولا ساركوزي.
لماذا اختيار جمع اعترافات «ديديير شولر» أحد أبطال الفضائح التي امتزج فيها المال بالسياسة في التسعينيات، والدي عاش خلال عشرين سنة صعودا ومرحلة نفي والسجن ثم النسيان؟ فابريس لوم: كانت الصدفة وراء مشروعنا. ففي 2008 ألتقينا ب«ديديير شولر» في مكتب محاميه الذي جئت لرؤيته من أجل ملف آخر. تعرفت عليه من خلال قضايا منطقة «HAUTS DE SEINE»(ضاحية باريس). واعتقدت أنه سيكون من المهم أن يحكي الحقيقة في كتاب وبدون أن يخفي أي شيء حول هاته المرحلة التي يعرف عنها كل شيء. حدث ما كنت أفكر فيه، لأنه هو أيضا، كانت له الرغبة نفسها. بدأنا سلسلة من الحوارات، ولكني شعرت أنه يضع قدمه على الفرامل كلما تعلق الأمر بالحديث عن وقائع جديدة. جيراد دافيت: كان يجب علينا انتظار ربيع 2012 حتى يذهب بعيدا في رواياته. فبعد هزيمة ساركوزي في الانتخابات الرئاسية، لاحظت لديه نوعا من التغير والانعطافة الحقيقية كما لو أنه تحرر من عبء معين أو من شكل من أشكال التحفظ. أبرمنا اتفاقا مع شولر بأن يقول لنا كل شيء. ولكن كان علينا أن نتحقق من كل معلومة. ولم يعد قراءة الكتاب قبل نشره.
وهكذا أصبح الرجل الذي لم يقل شيئا أمام القضاء، الرجل الذي قال كل شيء للصحفيين. فكيف لا يمكن الشك في مصداقيته؟ جيرار دافيت: كان من غير الممكن الاكتفاء بأقواله. فقد قمنا بالاتصال بجميع الأشخاص الذين عرفوه عن قرب ومن بينهم الذين عرفوه خلال فترة منفاه. قمنا بعملية مقارنة المعلومات، وجمعنا العشرات من الشهادات التي أكدت وعززت تصريحاته. فابريس لوم: عملنا بمقتضى منطق الشك في كل شيء يقوله لنا وحول العديد من النقط حيث قمنا بالتحقق منها. وبالتأكيد، كانت هناك أيضا مشاهد أو تصريحات لا يمكن مطلقا التأكد منها. وهكذا، عندما تحدث «شولر» عن مكالمات هاتفية شخصية مع «باتريك بالكاني» النائب البرلماني ورئيس بلدية «لوفالواز» من حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، كان الوحيد مع هذا الأخير الذي يعرف الحقيقة. ومن ثمة يمكن ل»بالكاني» أن ينازع في كل ما كتبناه. ومن خلال الحوارات والأسئلة، قمنا بوضع «فخاخ» لشولر، ولكنه لم يغير من تصريحاته. وفي الواقع، لم يسبق لنا أن حصلنا على أي عنصر من شأنه أن يمس في مصداقيته.
تبقى الاتهامات الموجهة ضد رئيس الدولة السابق خطيرة. فهل تعتقدان أنكما تتوفران على الأدلة الكافية من أجل رفع دعوى ضده؟ وهل تتوفران على رقم الحساب البنكي المزعوم وعلى قيمة المبالغ المودعة فيه؟ فابريس لوم: لم نكتب أن نيكولا ساركوزي استفاد من شركة «كوريم»، لأننا لا نتوفر على أدلة قاطعة ومطلقة. كما أننا لم نكتب أن ساركوزي يتوفر على حساب بنكي في سويسرا. وعلى العكس، فإن ذلك مؤكد. فقد اتفق رجال الشرطة والقضاة والصحفيون في لحظة ما حول سيناريو ساركوزي. وقمنا بوصف عملية التعقب والتتبع المذكورة. إن ما كنا نطمح إليه هو الوصول إلى كشف الحقيقة. ولكننا لسنا متيقنين تماما. جيرار دافيت: كان يمكن أن يكون من غير اللائق أن نقول إنه يتوفر على حساب بنكي. ولكن مرة أخرى، يبدو أن رجال الشرطة والقضاة واثقون من ذلك. قمنا بتحقيق حول التحقيق وأظهرنا إلى أي حد كان لرجال الشرطة والقضاة الأمل نفسه: إسقاط ساركوزي.
ألا يمكن أن يؤدي غياب أدلة حاسمة للإضرار بكما؟ فابريس لوم: الفكرة ليس أن نتصرف باعتبارنا مدعين عامين أو القول بأن على القضاء أن يحقق في الموضوع، ولكن الأمر يتعلق بجمع محصلة تحقيقاتنا في كتاب. وأشدد على أنه عندما لا نتوفر على أدلة، نرفض، أن نخرج بخلاصة. بعد كتاب«Le Contrat» يعتبر هذا الكتاب، الثالث من نوعه الذي تخصصونه لرئيس الدولة السابق. ألا تخشون أن تُتهموا بأنكما جعلتما منه موضوعا حصريا لتحقيقاتكما؟ جيرار دافيت: لم نكن مطلقا مهووسين بنيكولا ساركوزي. ونرفض أنا وفابريس فكرة البحث عن إسقاطه. ففي الملفين القضائيين اللذين يستهدفانه: قضيتي كراتشي وبيتانكورت، خلصنا من خلال التحقيق لغياب عناصر تبرر إحالته على القضاء وكنا من بين الأوائل الذين كتبوا ذلك في صحيفة «لوموند». ولكن، كيف يمكن لنا عدم الاهتمام بهذا الشخص الذي اجتاح الحياة السياسية، والذي كان وجوده يغطي كل مكان وكل شيء.