بشكل مفاجئ، أعلن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عن "ثورة" في هرم الحكم ببلاده، وهي الثورة التي حملت وجوها من الجيل الثاني من أحفاد مؤسس الدولة إلى الخط الأمامي، فيما عصفت بوجوه أخرى التي دخلت الرف بدون سابق إنذار. ولعل أبرز تغيير أعلن عنه الملك سلمان بعد مرور ثلاثة أشهر على تسلمه مقاليد الحكم، هو إعفاء ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز وتعيين وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، الذي قاد لفترة طويلة جهود بلاده ضد القاعدة. وبذلك يكون الملك سلمان وضع حدا لمرحلة حكم "شيوخ" المملكة من أبناء الجيل الأول، فاسحا المجال أمام أبناء الجيل الجديد من أبناء آل سعود. وكان الأمير محمد بن نايف (56 سنة) اختير ليقود مستقبل المملكة عندما عين في يناير وليا لولي العهد في قرار حسم مسألة الانتقال إلى "الجيل الثاني"، أي أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز. ويأتي قرار إعفاء الأمير مقرن الذي كان يفترض أن يكون آخر الملوك من "الجيل الأول"، ليسرع أكثر مسألة الانتقال إلى الجيل الجديد من آل سعود. وولد محمد بن نايف في 30 غشت 1959 وتربى في كنف والده الأمير نايف الذي توفي في 2012 بعد أن قاد وزارة الداخلية طوال 37 سنة. وكان الأمير محمد استعد طوال سنوات ليشغل منصب والده. وقال مصدر مطلع على شؤون الحكم في السعودية، ل"فرانس 24″ إن الأمير محمد تخصص في شؤون مكافحة الإرهاب بتعاون وثيق مع المخابرات الأمريكية، كما درس في معهد محلي للمخابرات في مدينة الطائف. وتلقى الأمير محمد دروسه الأساسية في جامعة أمريكية حيث تخصص في العلوم السياسية. وشغل منصبه الرسمي الأول عام 1999 عندما عين مساعدا لوزير الداخلية. وبصفته هذه قاد الأمير محمد بن نايف حرب السعودية على المتطرفين الإسلاميين في الداخل. وبرأي العديد من المراقبين، فقد نجحت جهود الأمير محمد لدرجة كبيرة بتقويض نشاط القاعدة في المملكة ما دفع بالتنظيم إلى التحصن في اليمن المجاور حيث تم عام 2009 دمج الفرعين اليمني والسعودي في ما بات يعرف بتنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب". وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الأمير محمد بنى خلال السنوات الماضية "شبكة قوية لمكافحة القاعدة في الداخل وأيضا على الصعيد الإقليمي من خلال إقامة مكاتب في سفارات المملكة". وأضاف هذا الخبير أن الدول الغربية "تحسب له نجاحه في مكافحة القاعدة، فلطالما كانت أجهزة الأمير محمد بن نايف أول من يحبط مخططات التنظيم"، وبالتالي لم يكن من قبيل الصدفة أن استهدف انتحاري من القاعدة الأمير محمد عام 2009، حيث نجا الأمير محمد من محاولة اغتيال نفذها انتحاري ينتمي للقاعدة وادعى أنه يريد مقابلته ليعلن له توبته. وقام عنصر سعودي من القاعدة بالادعاء بأنه يريد مقابلة الأمير ليعلن له توبته وقد خبأ متفجرات داخل جسده، وفجر نفسه إلا إن الأمير محمد أصيب بجروح طفيفة فقط. والأمير محمد بن نايف هو العضو الوحيد في أسرة آل سعود الذي تعرض لهجوم شخصي مباشر من قبل تنظيم "القاعدة". وفي موازاة جهوده الأمنية، أطلق الأمير محمد برنامج المناصحة المعد لإعادة تأهيل العائدين من معتقل غوانتانامو الأمريكي في كوبا وللذين يتخلون عن الفكر المتطرف، وذلك بهدف إعادة دمجهم في المجتمع. وقد تم تأسيس مركزين للمناصحة، واحد في الرياض وآخر في جدة (غرب) يحمل اسم الأمير محمد، ويتم فيهما تقديم مناصحة دينية واجتماعية للنزلاء، كما يتم تزويجهم ودعمهم. ويشيد خبراء كثيرون بهذا البرنامج ولو أن مسؤولا في وزارة الداخلية أقر عام 2013 أن 10% ممن يمرون بمراكز المناصحة يعودون إلى النشاط المتطرف. لكن وبعد تقويض تنظيم "القاعدة" لدرجة كبيرة، باتت المملكة تواجه اليوم تحديا آخر هو تنظيم "الدولة الإسلامية" والذي يسيطر على أراض واسعة من العراق وسوريا. وتشارك السعودية في الحرب التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد هذا التنظيم. اسم الأمير محمد بن نايف، سيبرز بشكل كبير أيضا مع انطلاق عاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية قبل أسابيع لمواجهة حوثيي اليمن. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن الأمير محمد بن نايف، الذي كان وليا لولي العهد عند انطلاق العملية، قام بدور فاعل في إقناع واشنطن بدعم عملية "عاصفة الحزم"، وأن "الأمير محمد بن نايف بذل جهودا من أجل إقناع واشنطن بدعم التحالف الخليجي في اليمن"، لدرحة أن صار يطلق عليه لقب "كلمة سر عاصفة الحزم". وبرأي العديد من المراقبين، فإن الطريقة التي أدار بها الأمير محمد بن نايف عاصفة الحزم، استنادا إلى تجاربه الكبيرة في مجال مكافخة الإرهاب، لعبت دورا كبيرا في إقدام الجالس على كرسي حكم السعودية إلى تقديمه نحو الصفوف الأمامية، وتعيينه وليا للعهد، ليكون بذلك أول أبناء الجيل الجديد من آل سعودة يقترب من حكم الحرمين الشريفين.