يبدو أن الأزمة الاقتصادية والاضطرابات الاجتماعية التي هزت بلدان المغرب العربي في السنة الماضية لم تؤثر كثيرا على سباق التسلح المحموم بين المغرب والجزائر التي رفعت في السنين الأخيرة من إنفاقها على الأسلحة بشكل مثير جدا. فقد أظهر تقرير جديد لمعهد استوكهولم لأبحاث السلام، أن الجارة الشرقية واصلت من رفع مخصصات التسلح ب5.2 في المائة، إذ انتقلت من 8.6 مليار دولار في 2011 إلى 9.3 مليار دولار العام الماضي. أما المغرب فقد رفع بدوره من إنفاقه على السلاح، ولكن ليس بالقدر نفسه، إذ انتقلت نفقات الرباط من 3.3 مليار دولار في 2011 إلى 3.5 مليار دولار السنة الماضية حسب ما أوردته وثيقة المعهد السويدي الذي صار مرجعا مهما في مراقبة نشاط التسلح في العالم. وقال المعهد في تقريره الجديد، الذي خصصه لتتبع الإنفاق على التسلح في العالم، إن الجزائر رفعت حجم المواد المخصصة للسلاح في العقد الأخير (2003- 2012) ب189 في المائة. فبعدما كانت تلك المخصّصات لا تتجاوز 3.1 مليار دولار في 2003، صارت تفوق في السنة الماضية 9 ملايير دولار. وينتظر أن تواصل الجارة الشرقية حشدها للأسلحة، خاصة وأنها أبرمت مؤخرا صفقات مع أمريكا تهم اقتناء ردارات متطورة وأنظمة للدفاع الجوي، كما تسعى إلى الاستفادة من أقمار التجسس الأمريكية ظاهريا لمراقبة آبار البترول في كل من حاسي مسعود وحاسي الرمل. ويرى جل المتتبعين أن تكلفة هذا السباق المحموم مرتفعة وتثقل كاهل اقتصادات المنطقة المنهكة أصلا بسبب غياب الاتحاد المغاربي، والذي يكلف شعوب المنطقة نقطتين على الأقل من نموها حسب خبراء اقتصاديين. ويقول محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، إن الإنفاق على السلاح بالنسبة إلى الجزائر والمغرب «عملية مكلفة جدا لشعوب المنطقة واقتصاداتها». وتشير أرقام معهد استوكهولم لأبحاث السلام إلى أن ما أنفقته الجارة الشرقية على السلاح في 2012، يمثل 4.5 في المائة من ناتجها الداخلي الخام، بينما تصل هذه النسبة إلى 3.5 بالنسبة إلى المغرب. ومن جهته يقول عبد الرحمان مكاوي، الخبير المغربي في الدراسات الاستراتيجية، في تصريح ل»خبار اليوم» إن هناك عدة عوامل وراء إقبال الجزائر على التسلح بكثافة تتجاوز رغبتها في التصدي للقلاقل التي تهز منطقة الساحل والصحراء الكبرى جراء تعاظم قوة الحركات الإسلامية المتطرفة بعد أن حصلت على كمية كبيرة من أسلحة نظام القذافي المنهار في ليبيا. ولعل أهم هذه العوامل في نظر الباحث المغربي يتمثل في «العقيدة الإيديولوجية الجزائرية» التي تقوم على تحقيق «الهيمنة والسيطرة» الإقليمية. ويرى محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، من جانبه أن هذه العقيدة تنبني على ما سماه «تقوية الذات وإضعاف الجوار». ويضيف مكاوي أن العائدات الضخمة التي تجنيها الجزائر من ثورتها النفطية، والتي وصلت مؤخرا إلى 250 مليار دولار تساعدها كذلك على «الإنفاق بسخاء» في أسواق السلاح. ولكن هناك عامل ثالث يفسر ربما هذا الإقبال على شراء السلاح من طرف الدولة الجزائرية، ويتمثل حسب، مكاوي، في كون الجارة الشرقية منخرطة في «عملية تحول مهمة في تركيبة الجيش الجزائري والانتقال إلى جيش مهني محترف على عكس ما كان عليه الأمر في الماضي». لذلك، فإنها تحاول تجديد الكثير من الأسلحة والكثير من طرق العمل العسكرية. وقد دخل المغرب والجزائر مؤخرا «نادي ال20» الأكثر إنفاقا على السلاح حسب تقرير لمعهد استوكهولم لأبحاث السلاح صدر الشهر الماضي. إذ انتقل المغرب، من المرتبة 69 إلى الرتبة 12، أما الجزائر فوصلت إلى المرتبة 6 عالميا ما بين 2008 و2012. ورغم هذا التنافس، فإن بنحمو يرى أنه «لا يمكن للمغرب أن يساير هذا السباق الجنوني الذي تفرضه الجزائر، ولكنه لن يقبل كذلك بوجود اختلال في التوازن الاستراتيجي الهش في المنطقة». لذلك، فإن المغرب يعتمد أكثر على تطوير أداء الجيش وليس فقط أسلحته. ويقول مكاوي إن الرباط «تركز كثيرا على التكوين وعلى تراكم تجارب جنوده وضباطه». ويضيف الخبير المغربي أن الجيش المغربي حقق تقدما مهما على هذا المستوى ولعل أهم دليل على ذلك في تقديره هو «كون المغرب صار شريكا مهما للحلف الأطلسي».