تكمل الخصومة الفرنسية المغربية عامها الأول الشهر المقبل، ولا تلوح في الأفق أية بارقة أمل على قرب نهايتها. بل إن الأحداث الأخيرة، مثل إلغاء زيارة وزير الخارجية صلاح الدين مزوار إلى باريس، ومنع قناة «فرانس 24» من تصوير برنامج بالرباط، ستعمق من آثارها.جريدة لوموند حاولت تقديم تحليل لما يجري من وجهة نظرها، ننشره هنا تعميما للفائدة. كان من المفروض أن يكون بداية المصالحة بين الرباطوباريس، غير أنه تحول إلى إخفاق جديد. فاللقاء الذي كان من المقرر أن يجمع، يوم الجمعة الماضي في باريس، وزير الشؤون الخارجية، صلاح الدين مزوار، ونظيره لوران فابيوس لم يحدث في نهاية المطاف. في بداية الأمر تم الكشف عن تأجيل اللقاء من طرف وسيلة إعلام مغربية (موقع «اليوم 24» )، ثم تأكد زوال يوم الأربعاء الماضي من طرف وزارة الخارجية الفرنسية، وقال رومان نادال، الناطق باسمها، «نعمل مع السلطات المغربية من أجل تحديد تاريخ جديد لهذه الزيارة»، مؤكدا أن مزوار: «مرحب به في فرنسا». لينضاف هذا التأجيل إلى القائمة الطويلة من الفرص الضائعة والأخطاء التي تراكمت منذ سنة بين الحليفين التقليديين. منبع الأزمة بدأ كل شيء يوم 20 فبراير 2014. ففي مساء ذلك اليوم، جاء سبعة من رجال الشرطة إلى مقر إقامة السفير المغربي في منطقة «نويي» (الضاحية الغربية لباريس). وكانوا يريدون تسليم استدعاء للمدير العام لإدارة مراقبة التراب الوطني(الديستي)ّ، عبد اللطيف الحموشي الذي كان –آنذاك- في زيارة إلى فرنسا. كان المسؤول المغربي مستهدفا بعدة شكايات مرفوعة أمام القضاء الفرنسي تتهمه بالتعذيب والمشاركة فيه. أثار ذلك غضب وسخط المغرب الذي قرر يوم 27 فبراير تعليق اتفاقات التعاون القضائي التي تربطه بفرنسا. وكان الانزعاج المغربي قد بلغ مداه قبل هذا الحادث بيومين لما تم عرض شريط سينمائي للممثل الإسباني «خافيير بارديم»، المساند لجبهة البوليساريو التي تنازع المغرب على الصحراء التي تعتبر هاجس الدبلوماسية المغربية. وقد نسب الممثل الإسباني –آنذاك- إلى «جيرارد أرود»، السفير الفرنسي في الأممالمتحدة، جملة قد يكون هذا الأخير قالها في 2011: «إن المغرب مثل العشيقة التي نكون مضطرين للنوم معها كل ليلة، بالرغم من أننا لا نحبها بشكل خاص، ولكن يجب علينا الدفاع عنها». وكانت الرباط قد استنكرت بشدة هده التصريحات ووصفتها ب»الجارحة». حادث دبلوماسي جديد وقع يوم 26 مارس،عندما توقف وزير الشؤون الخارجية صلاح الدين مزوار في مطار «رواسي شارل دوغول» الباريسي، حيث وجد نفسه مكرها للخضوع لمراقبة بوليسية وعملية بحث وتفتيش بالرغم من جواز سفره الدبلوماسي. وقد اضطر لوران فابيوس، لتقديم اعتذار لنظيره المغربي. خطوط حمراء مطلقة أخيرا، حدث تخبط جديد عندما حاول عسكري مغربي سابق دخول خلسة غرفة الجنرال دو كوردارمي عبد العزيز بناني، الذي أدخل مستشفى «فال دو غراس» للعلاج، من أجل تسليمه رسالة يتهمه فيها بالقتل. تسببت هذه الحلقة الجديدة في مسلسل التوترات بين المغرب وفرنسا، مرة أخرى في غضب المملكة الشريفة التي رأت فيها دليلا على استخفاف باريس. يؤكد «بيير فيرموران»، وهو مؤرخ متخصص في المغرب العربي وخبير في شؤون المغرب: «في مناسبتين، قضية الحموشي وتلك المتعلقة ب«فال دوغرانس»، تم المس بالعسكريين المغاربة مباشرة. إن ذلك بالنسبة إليهم يعتبر خطا أحمر مطلقا». ويشرح استمرار الأزمة بقوله: «يسود أيضا لدى الجانب المغربي شعور متنامي بأن هذا التتابع في الأخطاء ليس مجرد صدفة، وبأنه موجه بشكل متعمد ضد المغرب». كان المغرب يخشى انتخاب فرنسوا هولاند في سنة 2012، لأنه يعتبر الرئيس الاشتراكي قريبا جدا من الجزائر، العدو الإقليمي، على عكس سلفيه: نيكولا ساركوزي وجاك شيراك. كما كان ترجيح عدد كبير من الشخصيات من محيط هولاند لكفة الجزائر على حساب المغرب – من بينهم مستشاره «فوزي لمداوي»، المزداد في قسطنطينة، يثير القلق. وزادت زيارة رئيس الدولة الفرنسية للجزائر في نهاية 2012، والتي كانت بمثابة حدث بعد عدة سنوات من الاضطراب، من قلق المغاربة. وبالفعل، فقد أخذ محور الجزائر- باريس ينعم بنوع من الهدوء، مع تزايد التعاون العسكري في إطار مكافحة الإرهاب في الساحل. بطبيعة الحال، حاول الجانب الفرنسي دفع تهمة «تفضيل» الجزائر. لا شك أن التعامل مع البلدين في نفس الوقت أمر معقد بالنظر لعلاقاتهما»، يقول مصدر فرنسي، قبل أن يضيف: «نعم تم تأسيس علاقة وظيفية مع الجزائر، لكن لا يتعلق الأمر بالتأكيد بإقامة علاقة حصرية على حساب البلد الآخر. إننا في حاجة إليهما معا». ولعل هذا ما جعل محمد السادس أول رئيس دولة يستقبل في قصر الإيليزي من طرف فرنسوا هولاند بعد انتخابه، في ماي 2012. تداعيات جدية للخلاف قرابة سنة واحدة بعد اندلاع الخلاف، تبدو تداعياته ونتائجه جدية. فقد منع تجميد التعاون القضائي بين البلدين على الخصوص عمليات نقل السجناء من بلد إلى البلد الآخر. والأخطر من ذلك، أن التعاون الأمني في إطار مكافحة الإرهاب أصبح معطلا. «لا نتوفر على أي معلومات استخباراتية. وهذا أمر خطير»، يؤكد مصدر برلماني فرنسي. إلى حدود الآن، لم تحقق محاولات التقريب بين البلدين أي تقدم يذكر. والوسطاء الذين أرسلوا إلى المغرب، ومن بينهم «إليزابيت غيغو»، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الفرنسي، عادوا خاليي الوفاض. وقد أكد مصدر فرنسي أن «للمغرب طلبا يتمثل في عدم تكرار ما حدث مع الحموشي. لكن هذا الموضوع حساس جدا، على اعتبار أن فرنسا تخضع لإكراهات ذات طبيعة قانونية ودستورية». محاربة الإرهاب تسمح القوانين الفرنسية للمحاكم الفرنسية، بل تفرض عليها متابعة الجلادين المفترضين مهما كانت جنسياتهم كلما وجدوا فوق التراب الفرنسي. مساء الثلاثاء الماضي، عشية إلغاء زيارة مزوار، رد بيان صادر عن السفارة المغربية في باريس بشكل غير رسمي، بالقول: «لم يسبق للمغرب أن طلب منح أي حصانة أبدا للرسميين المغاربة، وادعاء العكس هو كذب خالص وتصرف غير مسؤول»، مضيفا أنه «منذ البداية، طالب المغرب احترام قضائه، رافضا كل وصاية قضائية». من ناحيته، يحاول الجانب الفرنسي «الحفاظ على علاقات ممتازة ولا غنى عنها في سياق صعب» تتميز بمحاربة الإرهاب. وكان لوران فابيوس قد أعلن يوم 15 يناير الجاري عن رغبته في زيارة المغرب «عما قريب». فيما يرى الجانب المغربي أن توقيت إعادة الدفء إلى هذه العلاقات مازال لم يحن أوانه على ما يبدو. وقبل فترة قصيرة، صرح صلاح الدين مزوار، في حوار أجراه مع الأسبوعية الفرنسية، «جون أفريك»، «أن عنصر الثقة يبقى أساسيا»، ليضيف رئيس الدبلوماسية المغربية: «عندما تهتز هذه الثقة، فإن معنى ذلك أن هناك مشكلا». بتصرف عن «لوموند»