مضى شهر كامل على فتح باب التسجيل في اللوائح الانتخابية من أجل الاستعداد لإجراء أول انتخابات جماعية في ظل الدستور الجديد. الغرض من عملية فتح المراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية هو إدخال أكثر من 13 مليون مغربي يوجدون الآن خارج اللوائح الانتخابية (وزير الداخلية صرح في خلوة إفران مع الوزراء السنة الماضية بأن عدد الناخبين المفترضين البالغين 18 سنة فما فوق سيصل سنة 2015 إلى 27 مليون نسمة )… إليكم الخبر السيئ الأول… على مدار شهر كامل لم يسجل في اللوائح الانتخابية سوى 300 ألف مواطن من أصل 13 مليونا (أي حوالي 9.3 ٪). بقي أقل من شهر وتنتهي مهلة التسجيل في اللوائح الانتخابية، وحتى لو افترضنا أن إيقاع التسجيل سيتضاعف ثلاث مرات، وهذا أمر مستبعد، فإننا لن نحصل سوى على 600 ألف أخرى، ليصبح المجموع 900 ألف، وهذا رقم بعيد جداً عن 13 مليونا من المغاربة الذين يتعين إدخالهم إلى اللوائح الانتخابية الجديدة. ماذا يعني هذا؟ أولا: هذا يعني أن اختيار وزارة الداخلية والحكومة اعتماد اللوائح الانتخابية، والرهان على دفع المواطنين إلى التسجيل في القوائم الجديدة عوض اعتماد لوائح البطاقة الوطنية، كان اختيارا خاطئا ورهانا غير صائب. كان الأولى اعتبار 27 مليونا الحاصلين على البطاقة الوطنية كلهم ناخبين، وفتح أجل شهرين أو ثلاثة لمطابقة العناوين الموجودة في البطاقة مع العناوين الحقيقية للمواطنين، تحت تهديد غرامية مالية بالنسبة إلى المتقاعسين عن التصريح بالعناوين الجديدة، كما هو الحال في كل الدول الأوروبية وغير الأوروبية، لكن هذا لم يقع مخافة نزول نسبة المشاركة في الانتخابات، ففضلت الداخلية «ميني» لائحة انتخابية عوض الاعتراف بالحقيقة (هذا إذا افترضنا حسن النية في وزارة الداخلية، وصدقنا أنها تحرص على توسيع قاعدة المشاركة في الانتخابات المقبلة، وأنها كوزارة تقنوقراطية لا رهانات سياسية لها، وليست طرفا في الصراع السياسي بين من يريد مشاركة واسعة للمواطنين في الانتخابات حتى يضعف التحكم في العملية الانتخابية وهندستها القبلية، وبين من يراهن على نسبة مشاركة محدودة للمواطنين في الانتخابات حتى يتحكم في الناخبين وإرادتهم في التصويت بالمال والضغط وأشياء أخرى). ثانيا: المواطنون لم يذهبوا إلى تسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية لأن شهيتهم السياسية لم تفتح، وهم لا يرون بعد أن صناديق الاقتراع في الانتخابات الجماعية، خاصة في المدن، يمكن أن تأتي بنخب جديدة أو برامج جديدة أو حكامة جديدة أو حلول جديدة لمشاكل المدن والقرى، خاصة بالنسبة إلى الشباب الذي يعيش في عزلة تامة عن الأحزاب وعن الدولة… في استطلاع رأي أخير قامت به مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد الشهر الماضي، قال 80 في المائة من المستجوبين إنهم لا يعرفون اسم رئيس الجماعة، واعتبرت الأغلبية الساحقة أن الوالي أو العامل هو صاحب السلطة في المدينة وليس المنتخبون، فلماذا يذهبون إلى صناديق الاقتراع إذن؟ ثالثا: ضعف إقبال الشباب على التسجيل في اللوائح الانتخابية هو دليل على أن الأحزاب لا تقوم بدورها في تأطير المواطنين والتواصل معهم، فلو أن كل حزب من الأحزاب العشرة الأولى في المغرب تجند لتسجيل 500 ألف مواطن في اللوائح الانتخابية، لكنا أمام خمسة ملايين ناخب مفترض سيدخلون إلى اللائحة، لكن الأغلبية الساحقة من الأحزاب مجرد ظواهر صوتية وفقاعات إعلامية. إنهم ينتظرون حلول موسم البيع والشراء في الانتخابات ليقصدوا منازل الأعيان لوضعهم على قوائم الأحزاب المفلسة، مقابل أن يطلقوا أيديهم في الفساد والرشوة والزبونية على حساب المصلحة العامة. هناك اليوم توافق سياسي على هذا الوضع الرديء الذي أصبح من ثوابت نظامنا الانتخابي، حيث إن تعديل الدستور أصبح أهون من تعديل النظام الانتخابي، لأن الدستور نصوص قابلة لكل أنواع التأويل، فيما الانتخابات، إذا خرجت عن السيطرة، يمكن أن تفرز وضعا غير قابل للتحكم فيه… إليكم الخبر السيئ رقم 2.. منذ شهر وضعت وزارة الداخلية رهن إشارة جميع الأحزاب لوائح 12 مليون ناخب المسجلين في القائمة القديمة، وطلبت من الأحزاب أن تبدي ملاحظاتها واقتراحاتها لتنقية هذه اللوائح من الموتى والأسماء المكررة، وفحصها وحذف أو زيادة من تراه صاحب حق في التسجيل داخل كل دائرة أو… المفاجأة أن حزبا واحدا هو الذي سحب 90 في المائة من هذه اللوائح لفحصها وتدقيقها، فيما الأحزاب الأخرى لم تتقدم إلى الإدارة لطلب هذه اللوائح، فهي زاهدة في الأمر، ولا تعنيها في شيء تنقية الهيئة الناخبة كجزء أساسي في سلامة العملية الانتخابية… هل هذه أحزاب يرجى منها الخير؟ هل هذه أحزاب أم بوتيكات انتخابية؟ لا حاجة إلى الجواب، فهو عند كل واحد منكم…