في هذا الحوار مع عبد العالي دومو ، القيادي الاتحادي وأحد أبرز وجوه تيار الانفتاح والديمقراطية، إصرار على أن لاشيء يمكن إصلاحه داخل الاتحاد. الرجل يقول إن حزب تعرض لانحراف عن هويته السياسية، وقيمه الأخلاقية، وتغيرت تركيبته البشرية، إنه حزب يفتقد اليوم لقراءة محينة لمشروعه المجتمعي تجيب عن تساؤلات المجتمع. { هل كان الزايدي يفكر في مغادرة الاتحادي، كما تفكرون اليوم، أم أنه عاش ومات اتحاديا ؟ يردد البعض أن الأخ أحمد الزايدي عاش اتحاديا ومات اتحاديا. وهذا صحيح إذا كان من يقول هذا الكلام يحترم ما يحمله مصطلح «اتحادي» من حمولة أخلاقية وسياسية، لكن في الواقع كان الأخ أحمد الزايدي قد اقتنع، ونحن معه، بعد مخاض دام سنتين بعد المؤتمر التاسع، أن القيادة الحالية للاتحاد الاشتراكي أفقدته قدراته على الإصلاح، إذ فقد الحزب هويته، وأصبح أداة حبيسة صراعات المواقع، وإرادات التموقع، وانزوى المناضلون الحقيقيون والمناضلات اللواتي قدمن الكثير لهذا الحزب إلى الخلف، بعد أن ابتعد عن هواجس المجتمع، وكنا قد أخذنا القرار برفقة السي أحمد لتحضير القطيعة مع هذا المسخ الذي تعرض له الاتحاد الذي أصبح فيه الاتحاديون الشرفاء غرباء. وكنا مع سي أحمد مقتنعين بضرورة المغادرة، لكن بعد استشارة المناضلين والمناضلات الذين يتقاسمون معنا التقييم والتصور نفسه لوضعية الحزب. كان الزايدي قد عقد لقاءات مع شخصيات مثل عبد الرحمان اليوسفي ولحبيب الشرقاوي والفدرالية الديمقراطية للشغل، ما الهدف من كل تلك اللقاءات؟ في إطار اجتماع تم بمنزل سي أحمد، وبحضوره يوم 5 نونبر، وضعنا برنامجا تواصليا لتوسيع الاستشارات قبل اتخاذ قرار القطيعة والتوجه نحو بديل نضالي جديد. وكانت محطات هذا البرنامج كالتالي: استشارة بعض الرموز القيادية للاتحاد فيما ننوي القيام به. توسيع النقاش مع كل الأطر والكفاءات التي ترفض توجه القيادة الحالية. تنظيم لقاءات جهوية وإقليمية مع المناضلين والمناضلات، تحضير مشروع أرضية لحين قراءتنا للراهن المغربي، وتشخيصنا لأزمة الاتحاد الاشتراكي، ورسم الخطوط العريضة لبديل نضالي في مستوى تطلعات المرحلة. { هل وقع أي تغيير في مسار التيار بعد رحيل الزايدي، وهل خيار القطيعة مع حزب الاتحاد الاشتراكي لا يزال واردا؟ لا أجد لحد الآن عبارات تحدد حجم الوقع الذي خلفه فقدان سي أحمد علينا كأشخاص، كمنتخبين وكمناضلين داخل حركة سياسية تؤمن بفكرة ترتكز على الأخلاق، والديمقراطية، والتنافس الفكري في ابتكار الحلول المجتمعية كمنطلقات أساسية للفعل السياسي اليومي، لكن الموت الجسدي للسي أحمد أحدث انتفاضة نفسية عند جميع أصدقائه ورفاقه والمتعاطفين معه، حيث إن العزيمة أصبحت أقوى عند الجميع للسير في الطريق نفسه، واستكمال المسار من أجل المساهمة في انبعاث الفكرة الاتحادية النبيلة أينما وجدت. فرحيل سي أحمد جسديا قوّى حضور روحه وفكره بيننا وداخل الأقاليم والجهات، وأصبح التيار فضاءً حقيقيا لنقاش فكري نزيه، وبناء بين كل من يؤمن بالفعل السياسي الشريف، الصادق الذي يخدم البلاد بعيدا على الذوات. أما خيار القطيعة مع حزب الاتحاد الاشتراكي الذي أدار ظهره للمجتمع، فيبقى واردا في النقاش الذي سيتم يوم 20 دجنبر بين المناضلين والمناضلات. وأنا أعتقد شخصيا أن الاتحاد الاشتراكي في وضعيته الراهنة أصبح أداة لا تمكن من التفاعل الحقيقي والصادق مع المجتمع، ولا يوفر إطارا حزبيا يسمح للمناضلين والكفاءات والمنتخبين من المساهمة بكيفية بنّاءة في تحسين أوضاع المواطنين. وذلك لأنه حزب تعرض لانحراف عن هويته السياسية، وقيمه الأخلاقية، وتغيرت تركيبته البشرية، إنه حزب يفتقد اليوم لقراءة محينة لمشروعه المجتمعي تجيب عن تساؤلات المجتمع، لكن قرار القطيعة يبقى بيد المناضلين والمناضلات ويستلزم منا استكمال النقاش داخل جميع الأقاليم كما يتطلب تجميع كل المعطيات العملية والنظرية حول البدائل المطروحة حتى نتمكن من تحصين هذا المسار. { ما آمال بعض المبادرات التي دعت إلى الحفاظ على وحدة الحزب ومنها النداء الذي صدر مؤخرا؟ نحن نحترم كل المبادرات الغيورة على وحدة وهوية الاتحاد الاشتراكي الذي اقتنعنا به وانخرطنا في مشروعه. وهذه مبادرة إخوان وأخوات نحترم اتحاديتهم، والعديد منهم سايرونا في محطات متعددة. لكن النداء لا يقترح إجراءات عملية لتجاوز الأزمة. كما أن هذا النداء جاء متأخرا، لأن سرطان الإفساد نخر جسم الاتحاد من القمة إلى القاعدة، وقد يصعب اليوم التوهم بإصلاح كل ما تم إفساده: قطاعا الشبيبة والنساء، الفريق البرلماني، الفدرالية الديمقراطية للشغل، الأجهزة الإقليمية والجهوية. نحن داخل التيار جربنا مواجهة هذه الاختلالات في وقتها محطة-محطة، وحاولنا إيجاد حلول مع القيادة، وكنا دائما نقابل بالرفض. ورغم كل هذا، فتقديس المناضلين والمناضلات لتاريخ الاتحاد يجعلهم كلهم في كل محطة أمل بإمكانية إنقاذ الحزب. ونحن كباقي المناضلين ننتظر ما قد يخرج عن هذه المبادرة النبيلة، وسنتفاعل إيجابا مع النيات الحسنة الصادقة لانبعاث الفكرة الاتحادية النبيلة. أظن أن هذه الروح، المنتفضة والمنفتحة على الآخرين ستكون حاضرة في نقاشاتنا في الملتقى الوطني المقرر يوم السبت 20 دجنبر في الدارالبيضاء. { عقدتم بعد رحيل الزايدي لقاء موسعا مع قيادة حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ماذا دار في هذا اللقاء، وهل هناك مخاوف من الخلافات داخل هذا الحزب ؟ عقدنا مجموعة من اللقاءات الهدف منها تعميق النقاش حول ضرورة تحيين الفكر الاتحادي، من أجل تقوية قدراته على مسايرة تحول المجتمع، والتأثير إيجابا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وكذلك التفكير في سبل جمع شمل العائلة الاتحادية، لتمكينها من لعب أدوارها التاريخية، والمساهمة في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية للمغرب. نظن أن حزبا كالاتحاد الوطني للقوات الشعبية يتوفر على رصيد تاريخي كبير، وعلى مناضلين شرفاء سيضطلعون بمهمة حمايته ضد أي نزوعات ذاتية ضيقة، لاسيما أن المرحلة تستلزم جمع جميع الطاقات والكفاءات الصادقة. { كيف تلقيتم وفاة عبد الله بها قرب المكان الذي توفي فيه الزايدي؟ كانت هذه فاجعة ثانية أحيت الجرح من جديد، إذ إنها جمعت بين رجلين من طينة واحدة وفي مكان واحد وبقدر رباني واحد. لكن هذا المسلسل للأحداث ليحمل في طياته رسائل للأحياء حول ما كان الفقيدان يتحليان به من أخلاق والتزام وطني صادق، ونكران للذات. { ما هي آفاق الدينامية التي أفرزها التيار بالنسبة إلى المشهد السياسي ؟ التيار جسد النقاش البناء حول القضايا المجتمعية الأساسية، لكن عبر منهجية ترتكز على استقلالية الفكر والمواقف، واحترام الرأي المعارض، والمساهمة في إصلاح البلاد عبر اقتراح البدائل. التيار أعطى معنى نبيلا للمعارضة المتجذرة في المجتمع، التي تبحث يوميا عن الحلول، من أجل تحسين ظروف عيش المواطنين، وترتكز على خطاب علمي هادئ وبناء. وهذا مكسب كبير داخل مشهد سياسي يفتقد تدريجيا لمصداقيته، نظرا لممارسات شعبوية تحصر النقاش السياسي في التراشق اللفظي وإصدار أحكام قيمة، بعيدا عن كل ابتكار فكري للبدائل التي ينتظرها المجتمع. { ما هي قراءتكم للمشهد السياسي وللراهن المغربي؟ يتسم الراهن المغربي بهشاشة نمط النمو الاقتصادي جراء هيمنة اقتصاد السوق، وبتمركز للثروات في أيادي شريحة جد محدودة من المجتمع، وبمشهد سياسي تائه يفتقد تدريجيا شرعيته داخل المجتمع، وبأداء حكومي يفتقد بدوره رؤيا سياسية شمولية واضحة وجريئة. وفي هذا السياق، فإن التراجعات التي تطال، اليوم، المشهد الحزبي راجعة لانحراف جل المؤسسات الحزبية عن وظيفتها التأطيرية الأساسية، وتحولها إلى نوادي مغلقة لنخبة تحترف وضع آليات تنظيمية، تضمن استمرارية مواقع تستعملها كمنبع لريع سياسي تحقق من ورائه مصالحها الشخصية الضيقة على المستوى المحلي، والإقليمي والوطني. ولهذه الاعتبارات، فإن المشهد الحزبي في حاجة ملحة لانتفاضة هادئة تفرز عرضا سياسيا حقيقا يحظى بمصداقية داخل المجتمع.