يتزامن حلول ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، الذي يصادف العاشر من دجنبر كل سنة، مع جدل داخل المغرب بخصوص المكتسبات الحقوقية. ففي الوقت الذي صادق فيه المغرب، مؤخرا، على البرتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، وعن قرب إنشاء هيئة للمناصفة خلال انعقاد المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، ترتفع أصوات حقوقية تقول إن هذه المكتسبات غير كافية ومازال المغرب في حاجة إلى قطع أشواط كبيرة في هذا المجال. فتيات للايجار : ربورتاج مصور الناشطة الحقوقية خديجة الرياضي، اعتبرت في تصريح ل "اليوم 24" أن المغرب "يعيش اليوم ردّة حقوقية وتراجعات ممنهجة من طرف الدولة"، مشيرة إلى وجود عدد من القضايا والملفات الحقوقية التي مازال المغرب لم يحقق فيها أي تقدم، مرجعة ذلك بالأساس إلى "غياب إرادة سياسية من أجل وضع ضمانات لاحترام حقوق الإنسان، بل إن الدولة تبحث عن الفرص من أجل التراجع عن التزاماتها في هذا المجال"، حسب تعبيرها. ومن بين أبرز القضايا التي تحدثت عنها الرياضي هي التضييق على عمل الحقوقيين، معتبرة أن الدولة "تحاول الانتقام منهم"، ووجود عشرات المعتقلين السياسيين الذين مازالوا يقبعون في السجون، إضافة إلى "إفلات المتورطين في قضايا التعذيب من العقاب". وأردفت الرياضي قائلة: "المغاربة أصبحوا اليوم يلجؤون إلى بلدان أخرى مثل فرنسا من أجل رفع دعاوى قضائية ضد الدولة المغربية، لأن القضاء المغربي عاجز عن حمايتهم من التعسفات ومن وقف التعذيب في السجون ومراكز الاعتقال". ورغم الخطابات المتتالية حول إصلاح منظومة القضاء وفتح مجموعة من الأوراش في هذا المجال، إلا أنه بالنسبة إلى الرياضي "مازال القضاء المغربي وإلى حدود وقتنا الحالي يتم توظيفه واستغلاله من طرف الدولة والسلطة حتى يتم إطلاق أحكام جائرة". الرياضي اعتبرت أن المغرب يعمل على تلميع صورته في مجال حقوق الإنسان "على حساب الواقع المر والمتردي للانتهاكات المتواصلة"، مشيرة إلى أن تنظيم المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بالمغرب يدخل في هذا الإطار. من جانبها قالت أمينة بوعياش الكاتبة العامة للفيدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان٬ إنه وعلى الرغم من أن هناك إجماع بخصوص تضمن دستور 2011 لمقتضيات تشكل مرجعية في مجال حقوق الإنسان إلا أن هناك أزمة على مستوى تفعيل هذه المقتضيات واحترامها. وفي هذا الإطار اعتبرت بوعياش أن من أبرز الملفات الحقوقية الشائكة اليوم، وجود أزمة على مستوى تدبير التظاهرات، إضافة إلى وجود مجموعة من العراقيل التي تحول دون حرية التجمع والاجتماع، ناهيك عن تأخر فيما يخص وتيرة إصلاح منظومة العدالة بصفة عامة.
على صعيد آخر أعلن الحبيب حاجي، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان، أنه سيقوم بمسيرة فردية سيرا على الأقدام من مقر جمعيته بتطوان وصولا إلى حدود باب سبتة، وهي المسافة التي تقدر بحوالي 50 كيلومترا، "حزنا على العدالة المغربية". حاجي قال في تصريح ل "اليوم 24" إن "هناك تأخرا على مستوى المحاكمة العادلة، كما أن بعض الملفات لا تخضع للشفافية والنزاهة"، منبها إلى ضرورة تطوير النصوص القانونية والاهتمام باستقلال القضاء. المتحدث ذاته، أوضح أن المغرب مازال متأخرا في مجموعة من المجالات والتي يمكن إدراجها في أبسط أنواع حقوق الإنسان، من بينها مشاكل التشغيل، والسكن غير اللائق، إضافة إلى تدهور البنيات التحتية، ناهيك عن تفشي الأمية والهدر المدرسي، كما أن هناك "تراجعا على مستوى حرية التعبير، إذ مازال الحقوقيون والصحافيون يتابعون قضائيا بسبب التعبير عن آرائهم". حاجي قال إن "المغرب مازال يصنف في مراتب متأخرة على الصعيد الدولي في هذا المجال، مؤكدا أن من شأن ذلك أن يساعد على ظهور التطرف في صفوف الشباب المغاربة". واعتبر المتحدث أيضا أن هناك تراجعا على مستوى حقوق الطفل مطالبا بضرورة "إلغاء الميز ما بين البنوة الشرعية والبيولوجية"، معتبرا أن هذا الموضوع يكتسي "أهمية كبيرة"، مضيفا أن "الأطفال المولودين خارج إطار الزواج يعانون من تهميش اجتماعي، كما يحرمون من حقوقهم وهو ما يؤثر على نفسيتهم"، على حد تعبيره. العنف ضد النساء متواصل شاهد أيضا * هذه خطة وزارة العدل لتسهيل ولوج النساء المعنفات للقضاء » * الحقاوي "تسلح" 153 جمعية بالأموال للتصدي لبشاعات العنف الأسري » من جانبها قالت فوزية العسولي، رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، إن من بين الإشكاليات التي مازال المغرب يعرفها اليوم في المجال الحقوقي هي: "البطء الكبير" في تفعيل مقتضيات الدستور في مجالات حيوية مثل إخراج قانون مناهض للعنف ضد النساء، والذي تصل نسبته إلى 62.80 في المائة، مشيرة إلى أن "بعض النسوة فقدن حياتهن نتيجة لهذا التأخر وعدم تفعيل وسائل الوقاية". ومن بين الإشكاليات، أيضا، التي تحدثت عنها العسولي، انتشار ظاهرة زواج القاصرات، منددة بكون بعض مناطق المملكة مازالت لا تطبق القانون في هذا المجال، ناهيك عن ضعف تمثيلية النساء في مراكز القرار وعدم تطبيق مبدأ المناصفة باعتبارها حقا من حقوق الإنسان. وعلى الرغم من الصورة القاتمة التي رسمها بعض الحقوقيين إلا أنه تظهر في الأفق بعض الإيجابيات في مجال حقوق الإنسان بالمغرب، حددتها الرياضي في ما سمته "تقدما على مستوى الوعي الحقوقي للمواطنين". المتحدثة اعتبرت أيضا أنه "خلال العشر سنوات الأخيرة أصبح المواطنون واعون بحقوقهم، وأكثر استعدادا للنضال من أجلها وهو ما زاد من حدة الاحتجاجات في مناطق مختلفة من المغرب"، على حد تصريحها. العسولي هي الأخرى اعتبرت أن السنوات الأخيرة شهدت "حركية ودورا قويا للمجتمع المدني في جميع المجالات وهو ما ساهم في توسيع مجال الحريات وخاصة حرية التعبير"، مبرزة أن انعقاد منتدى دولي لحقوق الإنسان في المغرب هو "إشارة سياسية قوية ودفعة من أجل تقوية هذا الجانب في البلاد، خاصة أن المنتدى عرف انخراط أغلب الجمعيات الحقوقية، حيث تم فتح نقاش واسع همّ جميع المجالات"، على حد رأيها.