بموازاة مع توقف الدراسة يومي الجمعة والسبت الماضيين نتيجة الاضطرابات الجوية الأخيرة التي اجتاحت المنطقة الأسبوع الماضي، تحولت بعض المدارس العمومية في مدن تارودانت وتينغير وتيزنيت إنزكان وسيدي إفني إلى فضاء لإيواء ضحايا الفيضانات المنحدرين من الوسطين القروي والحضري. " اليوم24″ انتقلت إلى إحدى هاته الفضاءات الأكثر إيواء للعدد، ونقلت إلى قراءها ظروف هؤلاء المرحلين وإقامتهم وأعدت الروبورطاج التالي:
شهادات مأساة ومواساة "الله أسيدي ما لقيت في نبات، راه الدويرة ديالي مشات ومشا لي فيها". بهاته العبارة تحدتث إلينا رقية ذات الأربعين عاما في حسرة وبنبرة ألم وتعسر، وهي التي فقدت بيتها في حي تراست المجاور لوادي سوس خلال الفيضانات التي اجتاحت المنطقة ليلة الخميس /الجمعة الماضيين. رقية ليست وحدها، فإلى جانبها رحلت السلطات 118 شخصا آخر كانوا يقطنون بموقع في حي تراست، إلى داخلية المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بإنزكان التابع للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة درعة على دفعتين، كإجراء وقائي أولي في انتظار إيجاد حل نهائي لهم. وخلال زيارة " اليوم24″ لفضاء إيوائهم بداخلية المركز التي خضعت أخيرا لإصلاحات هامة من ميزانية أكاديمية التعليم بسوس ماسة درعة، وضعت السلطات بتنسيق مع نيابة وزارة بلمختار والأكاديمية الجهوية غرفة واحدة رهن إشارة كل أسرة مكلومة بحسب تعبير عدد من النساء اللواتي التقيناهم، فيما غاب الرجال عن الموقع، الذي اتخذ مكانا للنوم. ولأن ضغط العمل والبحث عن لقمة العيش لا يرحمان، فإن الرجال عادوا إلى عملهم في اليوم الموالي تاركين زوجاتهم وأبنائهم في المركز كما روت عدد من النسوة اللواتي التقتهم "أخبار اليوم" في مركز الايواء. عمر أب لأسرة مكونة من ثلاثة أفراد، صادفناه خلال عودته منتصف النهار إلى فضاء الايواء بالمركز مرفوقا بغذاء أسرته، لتفقد أحوال زوجه وأبناءه، يروي ل"أخبار اليوم" بقسمات حزينة ل" اليوم24″ أنه "خلال ليلة الخميس/الجمعة عشت لحظات تاريخية لم أرها منذ 45 عاما في حياتي. الماء كان يتسرب إلى البيت دفعة دفعة، تجهيزات البين بدأت تفسد وملابسنا غرقى في الماء والوحل… الناس يصيحون ويستنجد بعضهم بالبعض، لم يبق لنا سوى الهرب بما كان على ظهرنا من ملابس". يسترسل في سرد ظروف الليلة السوداء على حد تعبيره فيقول: "صعدنا إلى سطح بيت الجيران التي كانت ما تزال تقاوم السيول الجارفة للوادي وسط برد قاس وصياح الأبناء الثلاثة وأبناء الجيران، في انتظار تدخل السلطات التي أمرتنا على الفور بإخلاء البيوت حماية لأرواحنا، وتم تنقلينا إلى هذا المركز بصفة مؤقتة. يشرح عمر تلك اللحظات، ويتوقف بين الفينة والأخرى منهدا، وعلامات الأسى على فقدان ما بناه طيلة نحو 27 عاما في حياته، "الله يطلف وصافي الحمد لله بقاو ليا لوليدات ولمراة، لكن كلشي لي بنيت مشا و لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". لم يفت عمر أن يقدم شكره للسلطات بعمالة إنزكان أيت ملول، التي وضعت الفضاء رهن إشارتهم. يقول عمر "أعطاونا بونجة ومانطة جداد للواحد، الله يجازيهوم بخير". وفي الغرفة رقم 34 بالطابق الثاني من المركز، تقطن فاضمة ذات ال48 عاما رفقة ابنتها خدوج (31 سنة) لا تملك سوى أغطية ثلاث وفراش أرضي من العد نفسه تسلموه ليلة الجمعة من السلطات بعد ترحيلهم. تقول فاضمة، وهي تخجل من الحديث إلينا،"هادشي اللي عطا الله، ما عندنا فين نطيبو أو ما يمكنش نخرجو للزنقة، وما عندنا فين نباتو غير هنا، يا ربي شوف من حالنا وعوضنا الدار في الآخرة، إما ديال الدنيا راه مشات". توقفت فاضمة عن الحديث، وهي تذرف دمعا، وفي مشهد مؤلم، احتضنتها ابنتها خدوج واقفة وهي تواسيها من ألم الفاجعة مادام أن لا أحد راح ضحية من الأسرة ولله الحمد تردد الابنة في لحظات مؤثرة. بيوت أسر الضحايا الصفيحية وغير المهيكلة تحولت إلى خراب اختلطت فيها مياه الأمطار بسيول الوادي وتجهيزات البيت، وأضحت الأسقف مهددة بالانهيار في أية لحظة، في انتظار إيجاد حل تشاركي من قبل السلطات والمتدخلين بعد تقييم الخسائر.
أطفال بلا عدة دراسة خلال جولتنا في مرافق فضاء الايواء بالمركز المذكور، التقينا عددا من الأطفال الذين يتمدرسون بالمؤسسات العمومية الذين اتخذوا من ساحة مقر النيابة الاقليمية لوزارة التربية الوطنية فضاء للعب تزامنا مع توقف العمل أول أمس السبت. الأطفال عبد الله ومحمد ومصطفى وخالد يداعبون الكرة في ساحة مقر النيابة الاقليمية علهم ينسوا ما وقع لهم ولأسرهم في ليلتين سواداوتتين قضوها خارج بيوتهم المعتادة، بعد أن فقدوا عدتهم المدرسية المكونة من كتب ودفاتر وأقلام ولوازم مدرسية. يقول الطفل مصطفى ذي ال 12 ربيعا الذي يدرس بالسنة السابعة إعدادية الأطلس بحي تراست: "مشات لي المحفظة والأدوات، جيت غير بالحوايج لي كنت لابس معايا في الليل وجيت لهنا مع خويا عبد الله اللي كايقرا في الرابع وأمي وأبي". يسترسل الطفل مصطفى بلباسه شبه الصيفي في الحديث إلينا بنبرة براءة طفولية فيقول: "ما عرفت أشنو غادي ندير نهار الاثنين، واش نمشي للمدرسة أولا نبقا هنا راه ما بقاو عندي الأدوات، لأننا ما قرينا نهار الجمعة والسبت". هذا الهم الطفولي حملناه إلى مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة سوس ماسة درعة علي براد ونائب الوزارة بإنزكان أيت ملول موح لطيف الذين صادفناهما خلال زيارة " اليوم24″ يتفقدان بدروهما الموقع، فرد المسؤولان على أن "وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ستباشر إجراءات تعويض التلاميذ المنحدرين من الأسر ذات الدخل المحدود والمعوزة لتعويضهم بالمحفظة المدرسية الجاهزة، وهو قرار مركزي مؤطر بمذكرة وزارية، يؤمن حق هؤلاء التلاميذ في استكمال دراستهم بشكل عادي وسلس". وأضاف المسؤولان على أن "الهم الذي ينبغي أن يسكن مؤسساتنا التعليمية بعد استقرار الأوضاع الجوية، عودة هؤلاء الأطفال في إلى حجرات الدرس وتلقي الدروس، وعدم الانشغال لضمان الاستقرار النفسي للتلاميذ المتضررين والمتضررة أسرهم بفاجعة الفيضان في إطار مخططات التربية على تدبير وضعيات الطوارئ الذي باشرنا تأطير أكثر من 140 شخصا بكل نيابات الجهة، وفي المواقع المهددة بالفيضانات كإجراء استباقي بتعاون مع منظمة اليونيسيف في مرحلتين، آخرها كانت محطة الورشات التحسيسية في شهر أكتوبر الماضي". أي دور للسلطات؟ المسؤول عن التواصل بلجنة اليقظة على صعيد عمالة إنزكان أيت ملول، قال إن السلطات أمنت فضاء المركز المذكور لإيواء 119 شخصا، منهم 89 مقيمون بصفة مستمرة بالمكان. وأضاف المتحدث في توضيحات ل"اليوم24″ أن السلطات أمنت لهم الغذاء في اليوم الأول بصفة استثنائية، على أساس أن يدبروا ما تبقى من الأيام، وفي انتظار إيجاد حل بعد استقرار الأوضاع الجوية بالمنطقة. وعاينت " اليوم24″ بمركز الايواء صبيحة الزيارة وجود تنسيق ميدان بين السلطات الترابية والتربوية، كما تم تكليف أحد الأطر بعمالة إنزكان أيت ملول للإشراف والتتبع، سواء تعلق الأمر استقبال ضحايا جدد أو بتنظيم الفضاء والحفاظ على تجهيزاته وممتلكاته ونظافته في انتظار حل بديل يرحل فيه هؤلاء. فخدمتي الماء والكهرباء وفرتها مصالح وزارة التربية الوطنية، والفراش والغطاء مؤمن بالمركز المذكور من قبل السلطات، على أن الغذاء أمر موكول للعائلات والأسر، والذي لا يمكن تدبيره في الوقت الراهن من قبل سلطات العمالة لأن تمت مراكز أخرى بفضاءات تابعة لوزارة الداخلية آوت أكثر من 250 شخصا ينحدرون من مواقع وأحياء تضررت مبانيها هي الأخرى. وفي نفس السياق، أكد مصدر مسؤول من لجنة اليقظة بعمالة إنزكان أيت ملول، ل" اليوم24″ أن إجراءات بوشرت لتوفير مساعدات غذائية للأسر المتضررة من الفيضانات بتعليمات ملكية سامية". أعداد مرشحة للارتفاع في بلدة تلوات بورزازات أكثر من 2000 سكن طيني شردت أهاليه، وفي تيزنيت أحصت السلطات أزيد من 800 منزل بالمدينة القديمة مهدد بالانهيار بعد أ غمرته المياه، و 1050 أسرة مهددة بفقدان مأواها، مما سيجعل هذين الموقعين سيتنجدان بمدارس وزارة التربية الوطنية على صعيد العمالتين، بالنظر إلى أن فضاءات الاستقبال محدودة الطاقة الاستيعابية ومنعدمة، كما هو الشأن بالنسبة لبلدة تلوات التاريخية في ورزازات وجماعتي ألنيف وامصيصي بتينغير ومحاميد الغزلان التي أصبحت معزولة بسبب السيول والثلوج والفيضانات والخراب التي ضرب جل مساكن أهالي البلدة. وبتزايد حصاد الخسائر البشرية في مناطق درعة، تضطر السلطات إلى ترحيل الضحايا عبر دفعات، فبعد وفاة سيدتين مسنتين تبلغان من العمر بين 80 و 83 سنة في ورزازات إثر انهيار جزئي لمنزليهما بجماعة تلوات وجماعة إمي نولاون" القرويتين، انهار 666 منزلا بشكل كلي و1278 بشكل جزئي (منها بعض الإسطبلات)، كما أتلفت مسافات مهمة من السواقي والخطارات وأراض مزارعين وأشجار مثمرة، كما حوصر عدد من المسافرين والسياح وفقدت عربات وسيارات بأودية المنطقة تم ترحيل 211 شخصا منهم عب طائرتين الخطوط الملكية المغربية و17 سائحا من مواقع سياحية بجماعة تلوات عبر مروحيتين للدرك وفق بلاغ للحصيلة الأولية التي تلقتها "اليوم24″ أمس الأحد. هاته المعاناة، ستزيد من الضغط وسيرفع أعداد الأشخاص بدون مأوى، بعد أن حوصر 118 دوارا بمناطق درعة، قالت السلطات في بلاغ لها، تلقت " اليوم24″ بنظير منه، " إنها فكت العزلة عن 88 منها، وأن الأشغال ما تزال متواصلة إلى حدود زوال أمس الأحد لفك العزلة عن الدواوير المتبقية تحت إشراف السلطات المحلية". هذا الوضع، سيضع السلطات ولجن اليقظة أمام خيارين إما استمرار توقف الدراسة بالنظر لحالة المؤسسات التعليمية وقربها من الساكنة المتضررة واتخاذ فضاءاتها ملاذا لإيواء الضحايا، أو تخصيص مخيمات لهؤلاء اللاجئين بصفة مؤقتة في انتظار إيجاد حل جذري سيكلف الدولة ملايير الدراهم من أجل إعادة إيوائهم.
المدارس التي تأوي ضحايا الفيضانات * إعدادية رحال المسكيني ببلدية تارودانت (49 شخصا)؛ * مركز مهن التربية والتكوين بإنزكان (119 شخصا)؛ * ثانوية المغرب العربي بجماعة مستي في تارودانت (80 شخصا)؛ * مدرسة صاغرو الابتدائية في جماعة ألنيف بتينغير (75 شخصا)؛ * ثانوية الوحدة ببلدية تيزنيت (35 شخصا)؛ * داخلية في طور البناء بتينغير (45 شخصا)؛ * مدرسة زاكورة (70 شخصا)