"برلمان الطفل" يحتفي بربع قرن من الالتزام المدني وتربية القادة الشباب    قيمة رساميل الاستغلال للمشاريع الصناعية المُصادق عليها بلغت 140 مليار درهم مابين ماي 2023 ونونبر 2024 (أخنوش)    أكادير تحتضن تخطيط "الأسد الإفريقي"    الأغلبية بالمستشارين تدافع عن حصيلة الحكومة في الصناعة.. توازن ومناعة    بعد 20 عاماً من الغياب.. لمريني يشرف على أول حصة تدريبية على رأس الإدارة الفنية لهلال الناظور    المدور: المغرب من الدول السباقة في مقاربة محاربة الفساد وحقوق الإنسان        حالة في مرتيل وأخرى في الحسيمة.. الانتحار يواصل حصد الأرواح بجهة طنجة        بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    جزائريون ومغاربة يتبرؤون من مخططات النظام الجزائري ويُشيدون بدور المغرب في تحرير الجزائر    أخنوش: المغرب المصنع الأول للسيارات في إفريقيا ونصدرها نحو 70 وجهة في العالم    تألق دياز يلفت أنظار الإعلام الإسباني    وضع الناشط المناهض للتطبيع إسماعيل الغزاوي رهن تدابير الحراسة النظرية    أونشارتد: أحدث العروض التوضيحية المفقودة تراث عرض الكنز الصيد ديو في المزامنة    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    درك أزمور يحبط محاولة للهجرة السرية    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    حكيمي يبتغي اعتلاء العرش الإفريقي    لافروف يحذر الغرب من النووي الروسي    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    محاولة اغتيال وزير العدل الكندي السابق الداعم لإسرائيل    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    جماعة الزوادة في قلب التنمية الاجتماعية و الاقتصادية الحقيقية بالإقليم    الكاف يبعد رحيمي من قائمة ترشيحات جائزة أفضل لاعب أفريقي    من حزب إداري إلى حزب متغول    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    العرائش.. نزاع حول قطعة أرضية بين سيدة وشقيقها ينتهي بجريمة قتل    وزارة الداخلية تخصص 104 مليارات سنتيم لإحداث 130 مكتبًا لحفظ الصحة        ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    تسجيلات متداولة تضع اليوتيوبر "ولد الشينوية" في ورطة    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل تلاشى أثر الثورة الخمينية في إيران؟
نشر في اليوم 24 يوم 20 - 11 - 2014

منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979، ونظام الملالي في طهران منخرط في حرب باردة مع الولايات المتحدة والغرب عموما. ولكن في الآونة الأخيرة بدا وكأن الثورة التي قادها آية الله الخميني أخذت تخبو، وصار الإيرانيون يطالبون ويلحون على الانفتاح بشكل أوسع على العالم، وإن كانوا يتمسكون بحصولهم على التكنولوجيا النووية.
بدءا من جبال القوقاز وصولا إلى مياه المحيط الهندي، يراقب الإيرانيون باهتمام شديد مساومات حكومتهم مع القوى الأجنبية على العقوبات التجارية المفروضة على بلادهم للتضييق على برنامجها النووي.
إيران تقول إن برنامجها النووي وضع لأغراض سلمية فقط، لكن الغرب يخشى أن تصنع إيران قنبلة نووية، ولديه أسباب وجيهة تبرر تخوفاته. وفي محاولة لمنع حدوث سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، صعبت أمريكا وحلفاؤها على إيران عملية الاندماج في التجارة الدولية. ما أدى إلى انخفاض صادرات البلاد من النفط إلى نصف مستواها السابق. الحكومة الإيرانية، من جانبها، كسرت العادة التي دأبت عليها منذ زمن طويل، وأجرت علنا مناقشات مفصلة مع دولة اعتبرتها معادية، بما فيها أمريكا. وسيتضح من هذا التقرير، أن دوافع إيران لتغيير سياستها داخلية بقدر ما هي خارجية. ويبدو أن كل الأطراف باتت حريصة على إيجاد حل لهذه الأزمة المستعصية التي طال أمدها، وحددت الدول الغربية الرابع والعشرين من نونبر الجاري كموعد نهائي لتحقيق هذا الاتفاق. ما من شك في أن اتفاقا على تقييد البرنامج النووي الإيراني ستكون له عواقب جيوسياسية كبيرة، ويمكن أن يدفع إيران نحو مزيد من الحداثة.
من الصعب فهم إيران
حتى الآن، لا تزال إيران منبوذة، ولا أحد يثق بها في معظم دول العالم الديمقراطي. كثير من الفظاعات ارتكبت باسم الثورة، وبعض قادتها أنكروا الهولوكوست، وسجنوا وعذبوا كل المعارضين الذين تجرؤوا على تحديهم علانية. في واقع الأمر، لا يجب السماح لبلد كهذا بالحصول على القنبلة النووية. لكن بعدما انقطع العالم كله عن إيران، لم يتسن ملاحظة إلى أي درجة تغير الإيرانيون، لم تعد إيران ذلك البلد الذي يغلي بالحقد المشحون بالرغبة في التدمير، بل إن الثورة غرقت في الأوهام، وارتباكات منتصف العمر. ربما لا تكون إيران بلدا «لطيفا ومحببا»، لكنها لم تعد بعد الآن أرض الشيطان.
لا شك أنه من الصعب فهم إيران، وهي في كثير من الأحيان تجعل زوارها يشعرون بأنهم غير مرغوب فيهم. الصّحافيون الذين تمكنوا من الحصول على التأشيرة «الثمينة» للدخول إلى إيران غادروا البلاد وهم يشكون من أن بعض الإيرانيين الذين تحدثوا إليهم، قد عبروا بصدق عن أفكارهم. يكفي أنه لمدة أربع سنوات رفضت الحكومة الإيرانية تبادل المعلومات مع البنك الدولي. يقول جون ليمبرت، الدبلوماسي الأميركي الذي قبض عليه كرهينة في طهران عام 1979، «لا أظن أن أميركيا واحدا ذهب إلى إيران منذ عقود».
ومع ذلك، فإن إيران تغيرت بشكل لا لَبس فيه، قد يبقى النظام حذرا ومتشككا من نوايا الغرب، ويلقي خطبا طويلة ورنانة عن الثورات التي ستنطلق شرارتها في البلدان التي تعاني من أنظمة قمعية، لكن الحماسة الثورية والانسياق وراء نظام النمط الواحد لم يعد لهما وجود، إيران يائسة ومستعدة للتبادل التجاري مع من سيشتري نفطها. العولمة نجحت في طمس التحفظ، والتزمت حتى في إيران.
الثورة باعتبارها أداة استرشاد سياسي لديها فترة صلاحية محدودة، يقول آدم ميشنيك، وهو مؤرخ ساعد على الإطاحة بالسوفيات في بولندا: «الثورات لها مرحلتان: في البدء يكون النضال من أجل الحرية، ثم يأتي الصراع على السلطة. المرحلة الأولى تجعل الروح البشرية ترتقي وتبرز أفضل ما في نفوس الناس. في المرحلة الثاني يخرج أسوأ ما فيهم مثل: الحسد، والتآمر، والجشع، والارتياب، والرغبة في الانتقام «. إيران تتبع اليوم هذا النمط، حصلت في البداية الاحتجاجات الشجاعة والعارمة للجماهير أثناء ثورة 1979، ثم بدأ الاقتتال الداخلي، وأعدم الآلاف، وصودرت الممتلكات، وقلت الثروات.
مرحلة ثالثة من الثورة
ويمكنني القول إن هناك مرحلة ثالثة للثورة: مرحلة النضال من أجل القبول. حين تصبح السلطة آمنة، يبحث الثوار غالبا على الاعتراف بهم من قبل القوى الخارجية الكبرى. في عالم معولم، ذلك يعني الانخراط مع الدول والقوى التجارية الكبرى. وقد اتّبع أبناء الثوار الإيرانيون هذا المنهج منذ فترة طويلة. وكان الامتياز بالنسبة إليهم هو الحصول على تعليم غربي، ودخول الأسواق الاستهلاكية الآسيوية. كما أن المتشددين باتوا يسمحون لأطفالهم بالسفر إلى جميع أنحاء العالم. أحفاد آية الله روح الله الخميني، الذي قاد الثورة، لديهم حسابات على موقع إينستغرام ويتبنون العادات الغربية المختلفة. سبعة من أحفاده ال15 انتقدوا النظام علانية في مناسبات متعددة. والكثير من الطلبة الذين اختطفوا الدبلوماسيين الأميركيين قبل 35 سنة، أصبحوا ينتمون إلى التيار الإصلاحي، ويرغبون في ربط علاقات أوثق مع الغرب. إبراهيم أصغر زاده، الذي كان أحد الناطقين باسم الخاطفين، وعمل في مجلس مدينة طهران، يقول اليوم: «لم أعد أقوم بأعمال راديكالية، وأعتقد أن إصلاحات تدريجية تستمر لفترة أطول، أفضل من تغيير جذري».
تراجع الإقبال، وخبا الحماس للثورة عند كل الأطراف في إيران. الاصلاحيون أنهكوا بعد فشل محاولتهم سنة 2009 في إزاحة الحكومة التي اعتبروها غير شرعية بسبب تزوير الانتخابات، وأنهيت احتجاجاتهم بحمامات دم، أعادت للذاكرة سنوات بائسة تلت الثورة. منذ ذلك الحين، تراجع الإصلاحيون بعد أن تابعوا كيفية سحق المعارضين في البلدان المجاورة. المحافظون من جهتهم، أصبحوا ينظرون إلى الثورة على أنها تهديد لمصالحهم في الخارج، فالأنظمة التي يدعمونها في سوريا والعراق، أصبحت تقاتل الثوار المتمردين بشكل لا يختلف كثيرا عما كان عليه الوضع في إيران عام 1979. يقول دبلوماسي غربي في طهران «تداعيات الربيع العربي أفزعت الجميع، إيران تعتبر الآن (معقلا) للاستقرار كما يراها المحافظون، ومسألة شرعية النظام أصبحت أمرا محسوما».
رمز للقوة الوطنية
وينظر الكثيرون من الإيرانيين إلى البرنامج النووي باعتباره رمزا للقوة الوطنية، في الوقت الذي تحدث فيه تحولات اجتماعية مربكة.
ورغم أن الحماس الثوري قد تراجع، إلا أن النظام مازال يستمد شرعيته من الثورة التي حصلت سنة 1979. الكثير من الإيرانيين أو على الأقل ذوي الأصول الفارسية منهم من لا يزال يربط الثورة بالتحرر من الاضطهاد (الهيمنة) الخارجي، كونهم ليسوا أتراكا أو عربا أو جنوب آسيويين، فهم يشعرون بأنهم مستضعفون (الحلقة الأضعف) بين جيرانهم.. هذا أمر حيوي لفهم السياسة الخارجية الإيرانية، ويفسر السبب الذي يجعل البرنامج النووي الإيراني بدعم شعبي واسع رغم المعاناة التي عاشها الإيرانيون بعد فرض العقوبات. الكثيرون يعتبرونه شعارا للقوة الوطنية في وقت تحصل فيه تغيرات اجتماعية حساسة. وسيبحث هذا التقرير آثار هذه التغييرات على سياسات إيران واقتصادها، ومكانتها في العالم.
احتج المتشددون الإيرانيون لفترة طويلة بخطورة «التأثر بكل ما هو غربي»، كما يشير إلى ذلك عنوان كتاب جلال الأحمد الصادر عام 1962، وكان عنوانه (التسميم الغربي). ومع ذلك، فهم محاطون في حياتهم اليومية بمواد استهلاكية غربية، وألعاب كمبيوتر، وقيم جمالية، وتقسيم للأدوار بين الجنسين على النمط الغربي، بالإضافة إلى تأثيرات أخرى. لم تندثر الثقافة الإيرانية، لكن المجتمع التقليدي الذي رسمه وحلم آباء الثورة بتحقيقه يتراجع شيئا فشيئا.
تغييرات كبيرة
التغيرات الأكبر يمكن ملاحظتها في البنية التحتية. طهران، العاصمة، أصبحت مجموعة متشابكة من الأنفاق الجديدة والجسور المتحركة وممرات المشاة. وارتفعت الأبراج اللامعة في مناطق كثيرة من العاصمة على الرغم من العقوبات. الشاشات في محطات الحافلات تعرض جداول الوصول في الوقت الحقيقي بكل دقة. يقول جاك سترو، وزير الخارجية البريطاني السابق، والزائر المنتظم للمدينة، «طهران تبدو هذه الأيام أشبه بمدريد، وأثينا أكثر من مومباي أو القاهرة».
حتى المدن الإيرانية الصغيرة شهدت تحولات. ويجري العمل حاليا على وضع شبكة للسكة الحديدية في تبريز وشيراز وأصفهان. نص الحمامات التقليدية في قزوين، وهي مدينة صناعية تقع غرب طهران، قد أغلقت في السنوات الأخيرة. في يلاييش، وهي قرية صغيرة تقع بالقرب من بحر قزوين، انتهت الحكومة من إدخال أنابيب الغاز الطبيعي إلى كل بيت، ما جعل الشتاء، الذي تصل درجة الحرارة فيه إلى 20 درجة تحت الصفر، محتملا لأول مرة».
خلال فترة رئاسة محمود أحمدي نجاد، التي استمرت ثماني سنوات وانتهت في عام 2013، انتشر الرخاء بسرعة. ضخت مليارات الدولارات من عائدات النفط على الفقراء، على شكل مساعدات وبرامج للسكن الاجتماعي، على رغم ما اعتراها من فساد وقلة كفاءة في التشغيل. العديد من أصحاب «الياقات البيضاء» وجدوا وظائف لهم في الأجهزة الحكومية، وتوسعت قاعدة الطبقة الوسطى وانتعشت، وتدفق القرويون على طهران لشراء العقارات، بعدما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد من 4400 دولار في عام 1993 إلى 13200 دولار في العام الماضي. وعلى الرغم من العقوبات، لا تبدو إيران وكأنها محاصرة كما هو حال كوبا مثلا. يركب الإيرانيون سيارات من نوع «سيدان» الجديدة المصنعة محليا، بعدما تخلوا عن موديلات شفرولي 1950. لا يمكن أن ننكر أن الحياة أصحبت أصعب عندما تم تشديد العقوبات عام 2011، ولكن حتى الآن، مازال الإيرانيون يعيشون أفضل بكثير من معظم جيرانهم.
خلق الرخاء هوسا بالتكنولوجيا، ولم تستطع القيود المفروضة على الإنترنت وقفه، إذ يعتبر الفايسبوك اليوم وسيلة التواصل الأولى بين الشباب الإيراني. أما تويتر، فهو الموقع الذي يستخدمه المسؤولون لنشر تصريحاتهم والتعبير عن آرائهم، رغم أن الموقعين محظورون في إيران.
انفتاح رغم الرقابة
صنفت منظمة حقوق الإنسان الأميركية «فريدوم هاوس» إيران في أسفل الترتيب في العالم من حيث حرية استخدام الإنترنت، لكن في واقع الحال، الوصول إلى الشبكة العنكبوتية سريع وغير مكلف. والسرعة القصوى يمكن الحصول عليها في المعاهد، حيث يقدم رجال الدين دروس الوعظ، ولهم الأولوية في الحصول على خدمة الألياف البصرية.
ورغم أن وسائل الإعلام مراقبة من قبل الدولة، فإن الحصول على الأخبار من مصادر أخرى مثل مكتب طهران، الذي يتخذ من لندن مقرا له، ليس صعباً، حيث يصل معظم الإيرانيين إلى هذه المواقع عن طريق الشبكات الافتراضية الخاصة «فيبيإنVPN»، والكل تقريبا لديه شبكة مماثلة. حين سألت مجموعة من المزارعين في جبال أبروز عن ولوجهم إلى الإنترنت، أشاروا برؤوسهم بالموافقة، وأوضح أحدهم لاحقا أن معظمهم يستخدم الإنترنت لتحميل الأفلام الجنسية، ولهذا كانت إجاباتهم خجولة. ويبدو أنه رغم كون الأفلام الإباحية ممنوعة، إلا أنها تشق طريق الإيرانيين نحو الحرية.
يقول أحد أوائل المدونين الإيرانيين «رغم أن الحكومة تحاول وضع ضوابط، لكن الناس على دراية جيدة بكيفية الالتفاف على هذه القيود».
بذلت الحكومة مجهودات كبيرة في محاولة تقليد استراتيجية الصين، عبر تغذية المواقع المحلية التي يمكن التحكم فيها بمحتوى يغري زوار الشبكة، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، لأن الوصول إلى مواقع أجنبية منافسة وجودتها عالية سهل. كما أن تجار الشبكات الافتراضية الخاصة يبيعون البرمجيات وشفرات الوصول إلى من يريد تفادي الرقابة. قال لي شاب في العشرينيات من عمره، يعمل في هذا المجال، إنه يدفع دولارا واحدا للشهر أو عشرة دولارات في السنة، ولديه 80 ألف زبون يطلبون خدماته. وبذلك، فإنه يغطي يوم عمله وتكاليف شركة البرمجيات، ويدفع أحيانا لشرطة الأنترنت مئات من الدولارات كرشوة.
تعليم عال متقدم
تغذي مستويات التعليم العالية التي أصبحت تضاهي مثيلاتها في الغرب، اللهفة إلى المعلومات الحرة. في 2009، ذهب 34 في المائة ممن هم في سن الجامعة إلى المعاهد العليا. وبعد 3 سنوات، ارتفعت هذه النسبة إلى 55 في المائة، ويقال إنها ارتفعت أكثر فأكثر بعد ذلك، بفضل التوسع الضخم لجامعة أزاد التي تضم الآن أكثر من 100 جامعة و1.5 مليون طالب. لدى الحكومة الإيرانية اليوم عدد أكبر من الأعضاء من حملة الدكتوراه من الجامعات الأمريكية نفسها. الرئيس حسن روحاني نفسه حصل على شهادته الجامعية العليا من اسكتلندا. ووفق ال SCImago، وهي مؤسسة استبيانية تعمل على مراقبة المجلات الأكاديمية، فقد زاد الإنتاج العلمي في إيران بنسبة 575٪ في العقد الأخير. كما تنشر إيران ثلاثة أضعاف الكتب التي تنشرها كل الدول العربية مجتمعة.
توسع نظام التعليم بشكل كبير، وتطلب مجهودات خاصة للوصول إلى الطبقات الفقيرة وساكنة القرى، وأصبح يعمل كمحفز على استقلالية التفكير. عالم الفن أصبح منفتحا، صحيح أن سيناريوهات الأفلام مازالت تتطلب الموافقة عليها من جهة الرقابة، لكن المواضيع الدينية لم تعد الغالبة. والأهم أن الثقافة لم تعد وسيلة دعائية كما كانت في السابق.
تحول ديمغرافي
ولعل أحد أهم التأثيرات الغالبة على التغيرات الاجتماعية التي حصلت هو التحول الديمغرافي. فإيران تتحول بسرعة إلى بلد في منتصف العمر(كهل).. بعد الثورة، ارتفع معدل الولادات، ولكن بعدما أصبحت إيران أكثر ازدهارا وتعليما، بدأ هذا المعدل في الانخفاض، وتراجع في نهاية المطاف دون مستويات ما قبل الثورة. تضاعف حجم السكان منذ 1980 إلى الآن، لكن حجم المواليد انخفض إلى النصف! لا وجود لأرقام موثوق بها في هذا الصدد، لكن الخبراء يقدرون معدل الولادة ب 1.6 -.1.9 لكل امرأة، وهو قريب من المعدلات الأوروبية. في العراق البلد الجار لإيران، تقدر هذه النسبة ب 3.5 لكل امرأة. ولهذا التغيير تأثير مهدئ على السياسة، فالفئة العمرية الأكثر حضورا هي التي تتراوح أعمارها ما بين 25 و 29 سنة. وقريبا سيتزوج معظم هؤلاء، ويفقد اهتمامه بالسياسة والاحتجاجات في الشارع العام.
كما أن هذه الفئة ليست مهتمة كثيرا بالشأن الديني، فغالبية الإيرانيين مسلمون شيعة، وعادة لا يهتمون كثيرا بالعبادات العلنية مثل السنة، لكن هذا لا يفسر وحده فراغ المساجد من المصلين. صلاة الجمعة في جامعة طهران، وهي عادة المكان المفضل للشحن الإيديولوجي من قبل المرجعيات الدينية، وتشهد حضورا مكثفا للمصلين، ولكن الأمر مختلف في أقاليم أخرى، حيث يذهب القليلون إلى المساجد.
كل هذه التحولات الاجتماعية كان لها تأثير ملموس على السياسات الإيرانية. في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، تركز معظم النقاش حول المرشح الأكثر كفاءة وقدرة على التسيير، حتى بين المحافظين.
حاول قلة من المرشحين جلب الدين إلى حلبة النقاش والتنافس، ونظر إليهم من قبل الشعب على أنهم مرشحون خاسرون. يقول ناصر هديان، وهو أكاديمي ومستشار حكومي، إن «الإيديولوجية خسرت فاعليتها في السياسة الخارجية». ويبدو أن الإيرانيين تعبوا من التجمهر والشحن الإيديولوجي بعد عقود من الثورة، ومعظمهم بات يفضل المصلحة الفردية على الواجب العام.
حرية أكبر ولكن
السيد روحاني الفائز بالانتخابات العام الماضي، يعتمد على أجندة معتدلة، وتتكون حكومته من مجموعة تقنوقراط براغماتيين أكثر من القوميين المتدينين، وذلك منح الشعب الإيراني حرية أكبر، رغم أن العديد من القيود ما زالت قائمة. ويعبر أحد الصحافيين المحليين على ذلك بالقول «يمكن أن نكتب الآن أشياء كانت من الممنوعات في العام الماضي، لكن ليس كل شيء، مازالت هناك أمور محظورة».
غطاء الرأس الذي تضعه النساء تراجع أكثر إلى الوراء ليظهر المزيد من الشعر، لكن النساء اللواتي تخلصن منه بالكامل قد تحتجزهن «شرطة الآداب».
ويبدو أيضا أن السيد روحاني يعترف بأن السياسة العدائية أضرت ببلاده. وقد كتب مقالا في واشنطن بوست، العام الماضي، قال فيها «يجب علينا أن نعمل سويا لإنهاء الخصومات غير الصحية، والتدخلات التي تؤدي إلى العنف وتثير الانقسامات».
لكن هل يؤمن السيد روحاني حقا بما يقول، وهل ستدعمه بقية الطبقة السياسية الفاعلة في إيران؟».
أوليفر أوغست
* ترجمة: مريم زريرة
عن مجلة «ذي أيكونومست» البريطانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.