قال تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية، أن الهدف من إطلاق نار الحرس الجزائري على المغاربة، هو تحويل الأنظار عن حقيقة ما يجري في الجزائر، متوقعا أن ترد هذه الأخيرة خلال 24 ساعة المقبلة لتعطي وجهة نظرها حول الحادث. ما رأيك في قرار المغرب باستدعاء السفير الجزائري بعد إطلاق نار الحرس الجزائري على رجل مغربي؟ قرار المغرب جاء في الوقت المناسب، لأن مثل هذه الأعمال فيها نوع من المساس بعلاقات حُسن الجوار القائمة بين المغرب والجزائر، وأعتقد أن القرار اتخذ موقفين، الموقف الأول يتمثل في دعوة السفير الجزائري في المغرب من طرف السلطات المغربية لإعطاء تفسير لما حدث، وتوجيه احتجاج شديد اللهجة لما صدر عن الجزائر، وكذا عقد ندوة صحافية وهي سابقة من نوعها في تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، والهدف منها اتخاذ مواقف ذات صبغة عملية، حيث إن المغرب اتخذ قرار إقامة حاجز يصل طوله حوالي 150 كلم على مستوى الحدود، وهذا يؤكد طبيعة التوتر الذي أصبحت تعرفه العلاقات بين البلدين، فمثل هذه الأحداث التي تقع بين دول معينة قد تكون الشرارة التي قد تشعل نار مواجهات عسكرية في المستقبل، لكن هذا التدبير مثل إقامة حواجز في المنطقة على مستوى الحدود هو في الحقيقة يشكل نوعا من الوقاية الأمنية قصد تفادي أحداث من شأنها أن تؤدي إلى اشتعال فتيل مواجهات في المستقبل.
ما هو السبب الذي جعل الجزائر تقوم بهذا الفعل في هذا الوقت بالضبط؟ الجزائر تعيش حاليا فراغا دستوريا على مستوى القيادة الجزائرية، فالرئيس بوتفليقة في حالة مرض، ومسألة آليات اتخاذ القرار تعرف فراغا دستوريا، والوزير الأول الجزائري ليست لديه صلاحيات واسعة لاتخاذ القرار، والمؤسسة العسكرية تعيش بدورها نوعا من الفراغ، على مستوى الأمن الذي مازال موجودا أمام قصر المرادية، ويطالب بعزله، ونشعر أن هناك نزاعا حقيقيا على السلطة في الجزائر، وهذه الفترات تؤدي ببعض الأطراف إلى استغلالها لخلق نوع من الجبهات الخارجية قصد تحويل الأنظار عن حقيقة ما يجري في الداخل، واستغلالها لكسب مواقع قوة على مستوى الداخل، وما حصل أمس ليس بريئا على مستوى العلاقات الثنائية بين دولتين جارتين، ونحن نعلم دائما أن خلق الجبهات الداخلية وافتعالها مع العدو الخارجي، كانت دائما بمثابة قميص عثمان الذي يوظف من طرف قوة داخلية معينة من أجل تقوية مركزها على المستوى الداخل، ونحن نعلم أن الجزائر ترى دائما أن قوتها في الداخل ترتبط في تفعيل وتقوية وجود عدو خارجي، وهذا العدو الخارجي هو المغرب.
في رأيك، ما هي أسباب تأخر الرد الرسمي الجزائري؟ الصمت هو دليل على الحيرة والاضطراب في اتخاذ مواقف، إذ لا تزال الجزائر لم تقرر هل ستتجه نحو مزيد من التصعيد من أجل اتخاذ مواقف لمعاكسة المغرب ، أم ستحاول التوصل إلى حل ذي طبيعة سلمية، وتأخر رد الجزائر يعبر عن وجود خلل على المستوى العسكري، وعلاقتها بمتخذ القرار السياسي، فهل سيعود القرار في نهاية المطاف إلى الرئيس بوتفليقة؟ وهو الذي في وضعية لا تسمح له بالمساهمة في اتخاذ القرار، أعتقد أن مراكز اتخاذ القرار في الجزائر لا تزال غير متحكمة بشكل أكيد في عملية أخذ القرار، وفي رأيي أن 24 ساعة المقبلة ستكون كفيلة لتوضح الأمر بشكل أفضل لما هي عليه الآن.
إلى أين يمكن أن تصل العلاقات بين المغرب والجزائر بعد هذا الحادث؟و هل يمكن أن يصل التوتر إلى اندلاع مواجهة بين الطرفين؟ لا أظن أن المواجهات ستندلع على مستوى عسكري مفتوح، فاغلب الظن ستتجه الأمور إلى التهدئة في الحالة الراهنة، ولكن تهدئة مشوبة بكثير من الحذر خلال الأيام القليلة المقبلة.
هل تصعيد المغرب بعد هذا الحادث سيكون في صالحه أم ضده؟ التصعيد ليس في صالح أي طرف، فالأوضاع في المنطقة تتجه نحو المزيد من الإدانة للنظام الجزائري، بخصوص التطورات التي تعرفها الوضعية في الصحراء، والتقرير الأخير لهيومن رايت ووتش، جاءت فيه إدانة واضحة للجزائر، بخصوص اللاجئين في منطقة تندوف، وكذلك إدانة واضحة للبوليساريو ، وتنديد لعدم وضع لجنة شبيهة للجنة الإنصاف والمصالحة في المغرب، ومثل هذه الأمور ليست في صالح النظام الجزائري، والنموذج المغربي أصبح يقلق النظام الجزائري، وفتح جبهة جديدة مع المغرب أصبح في سلم الأولويات، ولو فقط على الصعيد الإعلامي أو على صعيد الدعاية المغرضة، لكن فتح جبهة عسكرية ليس من أولويات الجزائر حاليا، ولكنه قد يدخل في هذا المسلسل في مدة غير بعيدة.