كلما اتخذ المغاربة مبادرة باتجاه التهدئة، كلما ردت الجزائر بتماد متزايد ونهاية مدوية لا رجعة بعدها. هكذا، ومنذ أربع سنوات، تُردد الرباط الخطاب التالي: لنترك قضية الصحراء للأمم المتحدة، وليدافع كل طرف عن وجهة نظره. لكن، لنعمل على تطبيع علاقاتنا، لنفتح الحدود ولنعط انطلاقة بناء المغرب العربي. ليس هذا الخطاب صالحا، بل هو منطقي. فالوضعية الراهنة تعيق نمو منطقة بكاملها، منطقة تعاني شعوبها، بما فيها الشعب الجزائري حيث لا يمكن لفائض الملايير أن يُخفي مظاهر النقص. لقد حصل المغرب على وضعية متقدمة في علاقته بالاتحاد الأوروبي، و الجزائر تُدين « اتفاقية مع بلدين مستعمرين في المنطقة: المغرب وإسرائيل »! داست حافلة للركاب طالبين من الصحراء، فأدان ممثل الجزائر في الأممالمتحدة « جريمة دولة حقيقية » ! السلطات الجزائرية نفسها تُدين المغرب، في كل مكان، باعتباره دولة مستعمرة « تباشر نهبا ممنهجا لموارد الصحراء الغربية » ! وبعد تجرع كل أنواع الخزي، تتحدث الجزائر عن « خروقات يومية، مكثفة، لحقوق الإنسان ضد الشعب الصحراوي » ! إننا في مواجهة هذيان حقيقي. وراثة الأفكار والتصرفات تُدرك الجهات المغربية الرسمية أن هذه الضجة تهدف، أولا، إلى إخراج الجزائر من فخ الحكم الذاتي. ومن الواضح، أيضا، أن معظم الدول مقتنعة بلا واقعية الطرح الانفصالي. تجد هذه القناعة ترجمتها في القرار 18 - 13الذي يطالب باقتراحات من شأنها إيجاد حل «واقعي ومتفق حوله ». وهذه الجملة، لوحدها، تستبعد خلق دولة صحراوية، لأنه لن يكون هناك اتفاق في هذه الحالة. وتهدف الحملة الجزائرية إلى خلق جبهات جديدة، لتحويل الضغط الديبلوماسي الممارَس عليها قُبيل مباشرة الممثل الجديد للأمين العام للأمم المتحدة لمهامه. ونحن نعرف أن فترة انتداب الممثل يحددها القرار 18 - 13 . لكن، لماذا تعاند الجزائر؟ إن هدف الجزائر الوحيد هو تأبيد التوتر، رغم يقينها بأن الهدف المعلن، الجمهورية الصحراوية ليس لها أي حظ في الوجود، بل إنها لا تخدم المصالح الأمنية الجزائرية نفسها. إن النخبة الجزائرية تعيش مشكلة حقيقية مع المغرب. إنها تؤاخذ عليه ما تسميه «النرجسية التاريخية»، أي كونه أقدم دولة - أمة في المنطقة، وأنه يتصرف باعتباره كذلك. لقد ربت الجزائر أجيالا بكاملها على فكرة كون مغرب قوي يشكل بالضرورة خطرا على الجزائر، لأن «نزعة التوسع راسخة في جينات الإمبراطورية الشريفة». إنها وراثة أفكار و تصرفات توضح انخراط مجموع الصحافة الجزائرية، دون تحفظ، في الخطاب الرسمي. ولا يستطيع المغرب شيئا في مواجهة هذا الهذيان الهوسي - الاكتئابي؛ سوى أن ينتبه إليه ويأخذه بعين الاعتبار، أي أن يستعد لجوار عدواني سيستمر لفترة طويلة. لأنه لا وجود لسياسة يمكنها تعويض سرير التحليل النفساني. نظرية العدو الخارجي ترى الصحافة الفرنسية، أن عبد العزيز بوتفليقة لن يحضر اقتراعات كثيرة. هكذا، فاليومية الفرنسية « لا كروا «، التي تشير إلى أن الجزائر في حاجة إلى « رئيس يستطيع أداء مهمته كاملة، يستوعب الرهانات الجديدة للعالم وبإمكانه القيام بالإصلاحات الضرورية لكي يوفر للشباب، في النهاية، مستقبله وللشعب ازدهاره «، ترى في آخر التحليل أن « عبد العزيز بوتفليقة، بعد عشر سنوات في الحكم، ليس ذلك الرجل «. كما ترى الجريدة الفرنسية أن مراجعة الدستور (الذي يُعطي الرئيس الحالي الحق في ولاية تالثة) يبين أن النظام القائم لا يفكر في خيار الانفتاح السياسي خلال السنوات القليلة القادمة. بذلك، تكون الجزائر قد قررت اتباع أسوأ النماذج الإفريقية، كنموذج روبير موغاب في زيمبابوي. كيفما كان الأمر، « سيكون بإمكان الرئيس الجزائري، المسن، المريض وذي الحصيلة المفجعة على جميع الأصعدة، أن يطمع بهدوء، خلال أبريل القادم، في ولاية ثالثة على رأس الدولة الجزائرية، في ظل اقتراع لن يكون فيه للجزائريين الحق في التشويق المزيف الذي عرفوه سنتي 1999 و 2004 «. والحقيقة راسخة لا ريب فيها. حول الموضوع نفسه، يكتب سعد لونيس، الصحافي الجزائري المناضل بأن « التاريخ سيحفظ كون الاغتصاب الدستوري يوم 12 نونبر 2008، وقّع شهادة وفاة التعددية الحزبية المتمخضة عن أحداث أكتوبر 88 . لقد رجعت الجزائر إلى نقطة انطلاقة الحزب الوحيد، الائتلاف الرئاسي العسكري - الإسلامي- الوطني «. من الصعب أن نجد لهذا الائتلاف تطابقا في وجهات النظر مع القوى السياسية في المغرب. فالجيش المغربي يعرف حقوقه وواجباته، الإسلاميون يندمجون بشكل جيد في اللعبة السياسية ولن يمثل وصولهم إلى السلطة مفاجأة لأي كان. أما الملك محمد السادس، فهو يواصل عمله لتغيير الإيقاع، يقرر بتشاور مع القوى السياسية، بما فيها تلك التي عارضت الملكية أمس. ما الذي دفع بوتفليقة، رجل الستينيات، إلى معارضة المغرب بهذه الشراسة؟ لماذا يكره المغرب إلى هذا الحد؟ ربما هناك تفسير واحد هو الذي قدمه مدير اليومية الجزائرية « لو ماتان ، في كتابه « بوتفليقة، تضليل جزائري « : « ظل الرئيس بوتفليقة وزيرا للشؤون الخارجية «. الأسوأ من ذلك، أنه وزير للشؤون الخارجية من الأزمنة الماضية، يقول الكاتب في مؤلفه السابق الذكر، الذي كلفه سنتين سجنا. لقد وقع بوتفليقة في إغفال واحد: « حين كان وزيرا للشؤون الخارجية، كان هناك رجال في المستوى في الواجهة، جزائر واقفة على قدميها، رئيس يزاول الرئاسة، وزراء يشتغلون... واليوم، عليه هو القيام بهذه المهام الحامية. وكونه يعتقد أن بمكانه أن يُبرز صورة البلد وهو يسافر مائة مرة، وهم خطير. هو صاحب القرار اليوم: تتوقف الجزائر عن اتخاذ القرار كلما سافر «. نفس ما يذهب إليه الوزير والديبلوماسي السابق، عبد العزيز رحابي، الذي يرى: « ظل بوتفليقة وزيرا للشؤون الخارجية، لكنه وزير سنوات ولت «. الأولويات حين رجع بوتفليقة سنة 1999، كان العالم قد تغير كلية، كانت للديبلوماسية الجزائرية أولويات أخرى، أولويات المرحلة الجديدة. لم تعد لبوتفليقة أي صلة بالزمن الواقعي «. هكذا نكون قد أجبنا على سؤال معرفة لماذا خلقت الجزائر البوليساريو، ولماذا تواصل دعمه رغم بلوغها النضج. يوضح بنشيكو أنه «من بين خمس سنوات في الحكم، قضى بوتفليقة سنتين في الخارج، في زيارات ثانوية أكثر مما هي زيارات رسمية «. كل شيء كان مبَررا للديبلوماسي، الذي أصبح رئيس دولة، لركوب الطائرة ولو كان ذلك للمشاركة في مواعيد مشتركة بين رجال الأعمال: دافوس أو كرانس مونتانا. هل هو تصور الرئيس الذي يعطي الأولوية للخارج على حساب الداخل؟ بالتأكيد يؤكد بشير بومعزة، الوزير السابق. لأنه يعتقد أنه يرى ذلك تعبيرا عن وهم قوي لدى الرئيس: « إنه مقتنع بأولوية الخارج على الداخل. بناء على هذا المنطق، يمكننا إقامة حظوة بلد بمجرد ربط الصلة بالخارج دون ترسيخها (الحظوة) بالضرورة بمكتسبات داخلية « . بوتفليقة نفسه لا يختلف مع الفكرة: « أعتقد أن أسفاري بالغة الأهمية بالنسبة للجزائر». لذلك يتجه إلى الخارج بحثا عن أعداء ليجعل الشعب ينسى مشاكله الداخلية. وقد اختار المغرب. في كتابه « جزائر بوتفليقة «، يوضح جون جولي: « بحكم تواجده في الصحراء الغربية، يحافظ المغرب على علاقته العريقة مع إفريقيا السوداء ويراقب فوسفاط بوكراع الذي يساعده، إضافة إلى منتوجه التقليدي، في التأثير على الأسعار العالمية. وبسعيهم إلى فرض جبهة البوليساريو في الصحراء الغربية، يطمح الجزائريون إلى أن يكون لهم منفذ مباشر على الأطلسي والحكم على المغرب بأن يظل بلدا فلاحيا. وتلزم هذه العرقلة الجنيرالات المرتبطين بالحرس الفرانكفوني القديم لجبهة التحرير الوطني، المنحطة اليوم، إلا أنها لا تزال قادرة على خلط الأوراق. لم يستسغ هؤلاء الرجال هزيمتيهما العسكريتين أمام الجيش المغربي: الأولى أثناء الصراع الحدودي بين 1963 و 1966؛ الثانية في امغالا، سنة 1976، حين تمكن المغاربة من رد الجزائريين، القادمين لمساعدة جبهة البوليساريو، على أعقابهم «. إننا لا نزال نعيش الستينيات والسبعينيات. الجزائر تعاقب المغاربة وأصدقاء المغرب تظاهر قرابة 400 مغربي، طردوا من الجزائر، يوم 18 دجنبر، على بعد خطوات من سفارة الجزائربالرباط. وحسب محمد هرواشي، رئيس جمعية المغاربة المطرودين من الجزائر، التي تأسست بمدينة الناظور سنة 2005، فإن «معاناة المغاربة الذين طُردوا من الجزائر سنة 1975، يوم عيد الأضحى، لا تزال مستمرة. إنها كارثة إنسانية حقيقية. فيوم 8 دجنبر 1975، اتخذت السلطات الجزائرية قرار طرد المغاربة الذين كانوا يقيمون بالجزائر باتجاه بلدهم الأصلي. لقد تفككت أسر كثيرة، فُصل أبناء عن آبائهم، نساء عن أزواجهن وسُلبت منهم جميعهم خيراتهم، من عقار وأثاث، التي راكموها طوال سنوات من العمل الشاق. آنذاك، كان بومدين رئيسا وبوتفليقة وزيرا له في الشؤون الخارجية. أي أن الأخير لم يكن غريبا على تلك القضية المؤلمة. وإلى حدود اليوم، لم ينس المطرودون أي شيء. لا زالوا يحفظون في ذاكرتهم ذلك الماضي الحاضر بقوة. لذلك فجمعية المغاربة المطرودين من الجزائر تواصل معركتها. وقد نظمت مؤخرا اعتصاما أمام سفارة الجزائربالرباط، وأودعت بمكتب الأممالمتحدة رسالة موجهة إلى الأمين العام الأممي. تطالب الرسالة بفتح تحقيق حول الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية التي شهدتها مدينة سبخة، قرب وهران. وحسب الجمعية دائما، فالخنادق المفتوحة شاهد إثبات على تلك الحقيقة. إنها ترجع إلى سنوات 63، 65 و 75 . وتتضمن أرشيفات الجمعية آلاف الضحايا، 45 ألف أسرة خلال سنة 1975 لوحدها. كما تطالب الجمعية بإعادة فتح الحدود «لتسهيل تجمع الأسر التي فصلتها عن بعضها السلطات الجزائرية، أن ترجع لضحايا هذا الإجراء ممتلكاتهم التي سُلبت منهم ». وتطالب الجمعية أيضا بأن تقدم السلطات الجزائرية اعتذارا للضحايا. هل يمكننا توقع فترة صلح؟ ليس ذلك مرجحا، فهذه المنهجية غير واردة في بلاد بوتفليقة. ولماذا هذا الانتقام المرعب؟ يرى محمد هرواشي أن الجزائر ردت على المسيرة الخضراء بتنظيمها مسيرتها السوداء. لا يبدو الربط واضحا، فالمغرب قام باسترجاع أراضيه التي كانت تحت الهيمنة الإسبانية. هي إذن قضية مغربية - إسبانية. حدث ذلك سنة 1975 . وإلى حدود اليوم، لا تزال الجزائر تلجأ لكل السبل لعرقلة مسيرة المغرب. حسب مدير نشر الجريدة المالية «لانديبوندن» ، فإن الجزائر هي المسؤول المباشرعن «الاعتداء القاتل الذي شنه، يوم السبت 20 دجنير، المتمردون التوارغ ضد الجنود الماليين». إن الجزائر «تُغذي ضغينة قوية تجاه مالي التي تحول جزء من ترابها إلى مخيم دائم لعطلة إرهابيي القاعدة في بلاد المغرب العربي، حيث يشعرون أنهم أكثر حرية من الهواء نفسه». فالجزائر تغذي وتسلح رجال القائد المتمرد إبراهيم أغ باهانغا. لذلك، هاجموا المركز العسكري بنامبالا على بعد 500 كلم في الشمال - الشرقي للعاصمة باماكو. وإذا كانت الجزائر تكره مالي إلى هذه الدرجة، فذلك بسبب تقاربها مع المغرب، يقول مدير النشر. «هذا التقارب الاقتصادي يُثير، بل يقلق الجزائر، لا سيما وقد رافقته مراجعة الطرف المالي لموقفه من ملف الصحراء»، يصرح الكاتب. ويضيف أنه منذ رحيل الرئيس موسى تراوري، لم يعد الماليون يرون «أشباه وزراء الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية الوهمية يتبجحون داخل القصر الجمهوري ولا داخل وزاراتنا ». أكثر من ذلك، « فوزير الشؤون الخارجية لم يعد ينطق جملة واحدة، حول تحديد الشعب الصحراوي لمصيره ». وهذا بالتحديد ما تكرهه الجزائر. ومع ذلك، فمالي لم تقم سوى بالالتحاق بالغالبية العظمى من البلدان التي تفهمت موقف المغرب. فإضافة إلى مالي، سحبت أربعون دولة اعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية لمحمد عبد العزيز. ومؤخرا، أغلقت الدانمارك مكتب ممثل البوليساريو في عاصمتها. هذا الفشل، ليس فشل البوليساريو، بل فشل الجزائر. ونضيف بأن عبد العزيز بوتفليقة كان وزيرا للشؤون الخارجية. في نهاية المطاف، قليلة هي الدول التي تتساهل مع جمهورية عبد العزيز: ولا دولة واحدة في أوروبا، لا بلد عربي، ماعدا الجزائر طبعا ووحدها، وثماني دول إفريقية. وفي أمريكا اللاتينية أيضا، ليس العدد في مصلحة الجزائر. في هذا السياق، فإننا لا نفهم جيدا ما يعنيه الوزير السابق وقائد جبهة التحرير الوطني، عبد العزيز بلخادم، حين يصرح: « المغرب بلد شقيق، أمنه أمننا واستقراره استقرارنا ». الذاكرة الجماعية على مستوي الذاكرة الجماعية، تلجأ الجزائر إلى كل الوسائل لجعل كل شيء طي النسيان. وخير دليل على ذلك، مسألة تنظيم ندوة تحتفي بالذكرى الخمسينية لندوة طنجة. لقد تم إلغاؤها بكل بساطة من طرف النظام الجزائري. وبهذا الخصوص، كتب عبد الحميد مهري، أمين عام سابق لجبهة التحرير الوطني آنذاك، رسالة احتجاج إلى عبد العزيز بوتفليقة، من بين ما ورد فيها: « لقد شاركتُ، منذ قرابة شهرين، والأخ المدير العام للمركز الوطني للأرشيف والدكتور أمين الزاوي، مدير المكتبة الوطنية، في التحضير لندوة تاريخية لها طابع علمي حول الذكري الخمسين لندوة طنجة التي جمعت، سنة 1958، الأحزاب التي خاضت معركة الاستقلال في تونس والمغرب، وجبهة التحرير الوطني. وقد أخُبرت أمس، 14 أبريل، أن تعليمات صارمة، لا أعرف مصدرها، وُجهت إلى المؤسستين لوقف كل التدابير والتحضيرات لهذه الندوة والتخلي نهائيا عن فكرة تنظيمها ». هذا كل ما في الأمر إذن. لكن، ينبغي أن نعرف من أصدر أمرا كهذا. ليس ذلك سهلا: « لا زلت لا أعلم ما الذي حدث. أكد لي عبد المجيد الشيخي وأمين الزاوي فقط توصلهما بتعليمات لوقف كل شيء. إلا أنهما لم يخبراني بمصدر تلك التعليمات »، يضيف عبد المجيد مهري. من بإمكانه اتخاذ قرار سياسي صرف من هذا القبيل؟ لم يعد النظام الجزائري يرغب في سماع الحديث عن دعم المغاربة لجيرانهم الجزائريين في معركتهم من أجل الاستقلال. إنهم يسعون إذن إلى محو الذاكرة الجماعية، تلك الحقبة الوحيدة للتآخي والتعاون. لذلك يتمرد مهري: « إنها سبة حقيقة للذكاء ولثورتنا المجيدة، ويمكن فهمها باعتبارها ناقوس خطر أخير، دعوة صادقة للثورة ضد السلطة البدائية، الجحود، المضادة للثورة واللا شعبية التي تملي سلوكها على مثقفينا وعلى مُؤتمني الدولة المحلفين. على النخب إزالة نظاراتها، وضع أقلامها، الاستهانة بالامتيازات، الثورة والمقاومة. رموز مناهضة المغرب أصبحت مناهضة المغرب معطى لا محيد عنه داخل الدوائر العسكرية والسياسية - الإعلامية الجزائرية. إضافة إلى ذلك، ولاكتساب ظهور أٌقوى ومصداقية أكبر للجزائر، لابد من مناهضة المغرب وإثبات ذلك جهرا. ولفهم هذا الحقد، المقترن بالحالة النفسانية، ينبغي التذكير بأن الهوية الثورية الجزائرية بُنيت في إطار تناقض كامل مع المغرب، مع ملكية عريقة. فسواء تعلق الأمر بذوي الرتب السامية في الجيش الوطني الشعبي الجزائري، الذين أحسوا بالاحتقار بعد خيبة أملهم في حرب الرمال أو في صراع الصحراء، أو ب « سياسيي » جبهة التحرير الوطني الذين أصبح لديهم شعور دائم بالدونية أمام نخبة سياسية مغربية أكثر انفتاحا على العالم، فإن أصحاب القرار الجزائريين، عموما، لم يكفوا عن محاولة بناء وطنيتهم الجديدة عبر إيجاد عدو. كان المغرب هو الهدف الملائم. فقد عرفت المملكة استقلالا هادئا، كما أن الدولة المغربية ظلت دائمة الوجود. مع ذلك، وفي نظر الجزائريين، مثل المغرب دائما نقيض ما كانوا يرغبون في بنائه. فباعتباره ملكية عريقة، مترسخة بقوة في المجتمع، ظل النظام المغربي يتمتع كذلك بركائز دينية وتاريخية للشرعية. الأمر الذي كان يعوز « الثوار الجزائريين ولو كُللوا بهالة حرب التحرير البطولية. علاوة على ذلك، وبالنسبة للحكام الجزائريين، فإن الأمة الجزائرية التي عرفت تكونها خلال حرب التحرير ضد فرنسا، لا يمكن تقويتها إلا على ركام المملكة المغربية. إن « بروسيا » الجديدة، بالنسبة لمنطقة المغرب العربي، ستبلع بكل يسر ذلك الجار الذي يصفونه ب « العتيق ». هكذا، وبالتتالي، فأحمد بن بلا، هواري بومدين و عبد العزيز بوتفليقة كَنّوا للمغرب، خلال الستينيات والسبعينيات، حقدا لا مثيل له. كما أن سكاكين أخرى ثانوية، للنظام الجزائري، لم تتردد في الانخراط في هذه المناهضة البدائية للمغرب. تلك حالة شريف مساعدية، أحمد طالب الإبراهيمي وأحمد يحياوي. واليوم، يتم توظيف المناهضين للمغرب من كل الدوائر الجزائرية. الجيش، مصالح الاستخبارات، الحكومة ووسائل الإعلام. إذا كانت الأجيال قد تغيرت، فإن الحقد ظل على حاله، إن لم يكن قد تضخم... أما الشعب الجزائري الشقيق، المتطلع إلى السلم، فقد أبان عن وعي كبير بمكانة المغرب إلى جانب الجزائر في بناء اتحاد المغرب العربي... الاتحاد القوي الذي يسوده الهناء.