لم تمر إلا أيام على عقد مناظرة السياحة في الرباط حيث جاء رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، إلى مسرح محمد الخامس يفتخر بأن عدد السياح ازداد في عهد حكومته ولم ينقص. لم تمر إلا أيام على تجديد حلم استقطاب 20 مليون سائح إلى المغرب سنة 2020، حتى انطلقت حملة مضادة لهذا الحلم من العاصمة البريطانية لندن، حيث تكتل حقوقيون وإعلاميون وسياسيون ودبلوماسيون خلف شعار واحد: «قاطعوا المغرب الذي يسجن المثليين ويعادي الحرية الشخصية»… ماذا جرى حتى أصبح اسم المغرب يطوف في عشرات الآلاف من الصفحات على الفايسبوك وفي الصحافة البريطانية القوية مقرونة بانتهاك الحريات الشخصية؟ القصة بدأت يوم 18 شتنبر عندما كان السائح البريطاني، راي كول، يتجول مع صديقه المغربي جمال في حي جليز بمراكش، وبالضبط في ساحة بلازا. مرت من أمامهما دورية للأمن فلاحظوا أن راي كول يداعب صديقه المغربي ويلمس رأسه بحنو ورقة. البريطاني لم يزر المغرب من قبل، وبلا شك الذين حكوا له عن أجواء مراكش الحمراء لم ينبهوه إلى وجود قوانين صارمة تجرم المثلية الجنسية، لكن هذا موضوع آخر… الشرطة القضائية لم تغض البصر عن جمال وصديقه البريطاني، بل اعتقلتهما وقدمتهما أمام فرقة الأخلاق العامة. هنا كان يمكن أن تنتهي القصة بتنبيه الموقوفين إلى أن الفضاء العام مشمول بقوانين حفظ الآداب العامة، كما في جميع الدول، وأن هذه البلاد تجرم المثلية الجنسية، و«مريضنا ماعندو باس». الشرطة القضائية اجتهدت كثيرا، وعمدت إلى حجز هواتف الموقوفين، وخرقت سرية المعطيات الخاصة، فوجدت صورا بورنوغرافية لكول وجمال. كبرت الحكاية، وعلى طريقة تفكيك خلايا الإرهاب، جرى اقتحام منزل البريطاني في جليز، وحجز أدوات الجريمة (أدوات جنسية ومراهم وآلة تصوير!). عندما وصل الملف إلى النيابة العامة، جرى تكييفه على أساس تهم ثقيلة هي: الشذوذ الجنسي (الفصل 489)، وترويج صور خليعة (الفصل 59 من قانون الصحافة)، وفوق هذا اعتبر وكيل الملك أن المتهمين ضبطا في حالة تلبس، ومن ثم قرر متابعتهما في حالة اعتقال. عندما عرض الملف على أنظار القاضي، لم يتعب هذا الأخير نفسه في تدقيق التهم والتكييف وسلامة الإجراءات. حكم على المتهمين بفصل من القانون الجنائي وآخر من قانون الصحافة. فكانت العقوبة خمسة أشهر نافذة لكل واحد منهما. هنا قامت الدنيا ولم تقعد، لكن قبل ذلك لنستمع إلى رأي الخبير القانوني والحقوقي، عبد العزيز النويضي، في تعليق على النازلة: «الفصل 489 من القانون الجنائي لا ينطبق على هذه النازلة، لأن الشرطة لم تضبط المشتبه فيهما في حالة تلبس بممارسة الشذوذ. هناك فصول أخرى من القانون يمكن تطبيقها على الإخلال بالحياء العام. ثانيا، لا مكان للفصل 59 من الصحافة لأن هذا الأخير يتحدث عن النشر وراي كول وصديقه جمال لم ينشرا الصور التي كانت في هواتفهما. ثالثا، لا يحق للشرطة القضائية ارتكاب جريمة خرق سرية المعطيات الخاصة لإثبات جريمة مفترضة هي الشذوذ، كما أن اقتحام المنزل في هذه النازلة غير قانوني لأن اقتحام المنازل إجراء يتوقف على خطورة الجريمة والبحث عن وسائل إثباتها». هذا عن الشق القانوني في النازلة، حيث لا تتقيد الشرطة القضائية في كثير من الأحيان بحرفية القانون، كما أن النيابة العامة لا تتشدد مع الشرطة القضائية، وتترك لها في الغالب حرية السباحة في مجال حساس، وكأن السياسة الجنائية متروكة لكل واحد يجتهد فيها حسب هواه، أما القضاء ففي كثير من الأحيان لا ينتبه إلى سلامة الإجراءات الشكلية أثناء مثول المتهمين أمامه، ولا ينحو منحى حقوقيا في تفسير القانون الجنائي، ويعمد إلى تصديق كل ما هو مكتوب في المحاضر وكأنها قرآن منزل، وهنا تضيع الحقوق وضمانات المحاكمة العادلة وسمعة البلاد وقضائها. أول من انتبه إلى خطورة الحملة التي استهدفت السياحة المغربية هي وزارة السياحة المغربية، التي تعرف أن البريطانيين هم رابع جنسية تزور المغرب بعد الفرنسيين والإسبان والألمان، لهذا ناشدت المسؤولين القضائيين لإيجاد حل لهذه الورطة. هنا تحركت غرفة المشورة في محكمة الاستئناف بمراكش حتى قبل أن يكتب حكم المحكمة الابتدائية، وفي ساعات قبلت طلب السراح المؤقت الذي تقدم به دفاع البريطاني، وأفرج عنه في اليوم نفسه (سراح مؤقت غير مشروط)، ومن سجن بولمهارز أخذ الطائرة إلى مطار هيثرو، ومن هناك قال ل«البي بي سي»: «إن السجن في المغرب أسوأ من معتقلات النازية. إن المغرب ينتمي إلى القرون الوسطى، لأنه مازال يعاقب شخصين راشدين لهما اختيارات جنسية مثلية، وأنا سأناضل للإفراج عن جمال». توقيف البريطاني وصديقه المغربي كان خطأ، ومتابعتهما في حالة اعتقال كان خطأ، والبحث في هواتفهما ومنزلهما كان خارج القانون، والحكم عليهما بخمسة أشهر حبسا كان حكما مجانبا للصواب، أما طريقة الإفراج عن البريطاني فكانت مهينة لعدالتنا. كان واضحا أن القرار السياسي هو الذي أصلح الخطأ القضائي لتجنيب صورة البلد خسائر هو في غنى عنها… هذه النازلة تدعو الجميع إلى إعادة التفكير في موضوع علاقة النيابة العامة بوزارة العدل في المستقبل، ومسؤولية تطبيق السياسة الجنائية، ولمن ترجع، إلى القضاة أم إلى الحكومة، المسؤولة عن تدبير السياسات العمومية في الداخل والخارج، وأما موضوع سلطة الملاءمة فهو لوحده يحتاج إلى مناظرة بين أهل الاختصاص…