عندما ذبحت مجموعة مغمورة من المتشددين الجزائريين سائحا فرنسا الأسبوع الماضي .. لم تكن تنتقم من الغرب فحسب بل كانت تؤكد وجودها على خريطة القوى الجهادية التي تتغير معالمها. فقد كان مقتل ايرفيه جورديل بأيدي "جند الخلافة" في ظاهره لمعاقبة فرنسا على المشاركة في الضربات الجوية الغربية لقوات الدولة الاسلامية في العراق لكنه كان أيضا شهادة على نفوذ الجماعة التي خرجت من عباءة تنظيم القاعدة في معركة كسب ولاء الجهاديين. وقبل أسبوع من خطف جورديل انفصل عبد المالك قوري القائد الجزائري لجند الخلافة المعروف بخالد أبو سليمان بجناح القاعدة في شمال أفريقيا معلنا دعم الدولة الاسلامية التي سرقت الأضواء من القاعدة بما حققته من نجاح في ساحة القتال وإعلانها دولة الخلافة في الأراضي التي استولت عليها في العراقوسوريا. وأعلنت جماعة جند الخلافة أنه يبدو أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سلك طريقا خطأ وأنه لم يعد باستطاعتها اتباعه. وبإعدام مواطن غربي تحت "الدرع الجديد" للدولة الاسلامية كان قوري يتحدى قيادة تنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري وبصفة خاصة زعيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبد المالك دروكدال سعيا لجذب مجندين وكسب التأييد. وقال المحلل الأمني الجزائري خليفة الركيبي "كانت تلك رسالة إلى دروكدال مفادها أن مجال نفوذك وعملياتك سيصبح لنا من الان." وأصدر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بيانا دعا فيه إلى إنهاء الانقسامات لكن نفوذه كان قد ضعف بالفعل على يدي المتشدد المخضرم مختار بلمختار وجماعته المنشقة "الموقعون بالدم" التي هاجمت في العام الماضي مجمع إن أميناس الجزائري للغاز في عملية سقط فيها 39 أجنبيا قتلى. وقال محلل جزائري أمني آخر "أبو سليمان قائد معروف لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. وأراد أن يتبع خطى بلمختار لتأسيس جماعة مسلحة خاصة به. وتقول مصادر إنه تصادم مع دروكدال حول كيفية مواصلة الكفاح." ولم يعلن بلمختار الجزائري الذي خاض معارك جهادية في أفغانستان ويعتقد محللون أمنيون أنه يختبيء في جنوب ليبيا موقفه حتى الان من صعود نجم الدولة الاسلامية. أما قوري الرئيس السابق للمنطقة الوسطى في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي فقد بدأ يتجه للتشدد في التسعينات في الحرب التي أعقبت إلغاء انتخابات كان في حكم المؤكد فيما يبدو أن يفوز فيها حزب اسلامي. وكان قوري عضوا في الجماعة الاسلامية المسلحة الأكثر تطرفا بين الجماعات الاسلامية التي ظهرت لمحاربة الدولة التي يهيمن الجيش على شؤونها. واشتهرت الجماعة الاسلامية المسلحة بمهاجمة المدنيين إذ اعتبرتهم متواطئين مع الحكومة واعتبرت مسؤولة عن مذابح مثل مذبحة قرية سيدي يوسف التي هاجمها 50 رجلا على الاقل مسلحين بالسكاكين والسيوف وأخرجوا الناس من بيوتهم إلى الشوارع وذبحوهم. غير أنه رغم هذا التاريخ في الجماعة الاسلامية فلا يعرف الكثير عن قوري أو عدد أتباعه أو قدرة جند الخلافة التابعين له على شن حملة متواصلة. ويقول خبراء أمنيون إن الجماعة قد يتراوح عددها بين 15 و20 من القوة الأساسية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي لم يتح لهم الوقت الكافي لصياغة استراتيجية ويتطلعون للاستفادة من صعود الدولة الاسلامية. ويشير خطف جورديل بعد يومين فحسب من وصوله إلى الجزائر للقيام برحلة في المنطقة الجبلية وكذلك سرعة نشر لقطات فيديو ضعيفة الجودة وما أعقب ذلك من إعدامه إلى أن رجال قوري اضطروا للتصرف على وجه السرعة. ومع اشتراك طائرات هليكوبتر وقوات جزائرية في البحث عن جورديل فيما شبهه أحد السكان المحليين بأنه "غزو عسكري" أدرك جند الخلافة أن الوقت المتاح لهم ضيق. وقال جيف بورتر محلل الشؤون الأمنية لشمال أفريقيا والباحث بمركز مكافحة الارهاب في أكاديمية وست بوينت العسكرية الأمريكية إن ضعف "جودة الفيديو ورمزيته المثيرة للغثيان يشيران فيما يبدو إلى أنها لفتة متعجلة للاسلام الجهادي." وأضاف "سيكون من المهم مراقبة تطور جودة البيانات المستقبلية واستخدام الجماعة للصور من أجل قياس مدى تطورها." ولسنوات اختبأ رجال من أمثال قوري في جبال شرق الجزائر التي تكسوها الغابات ويصعب الوصول إليها وعرفت خلال سنوات الدم التي كانت الجماعة الاسلامية المسلحة مسؤولة عنها في التسيعنات بمثلث الموت رافضين عروض العفو الحكومية ويعيشون على خطف رجال الأعمال وطلب فدية. غير أنه سيكون من الصعب للغاية على جماعة منشقة صغيرة إحياء حملة جهادية ذات بال في الجزائر في ضوء الخبرة الكبيرة التي اكتسبها الجيش في محاربة التطرف الاسلامي. ومن العوامل المعاكسة لها ايضا تاريخ من الاقتتال الداخلي بين الجماعات الجهادية في الجزائر مما سمح لقوات الأمن باختراق صفوفها وتفكيكها. وربما يكون ذلك مبعث ارتياح طفيف للحكومات في دول شمال افريقيا وفي أماكن أخرى اثار قلقها تصاعد التطرف الاسلامي. لكن إقدام جند الخلافة على ذبح المواطن الفرنسي قد يدفع جماعة القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي للسعي من أجل اثبات النفوذ بشن هجمات من جانبها. وقال الركيبي "سيزداد التنافس بين المنظمتين." ومع صعود نجم الدولة الاسلامية على حساب القاعدة في شمال افريقيا -وهو ما أصبح بالفعل دافعا رئيسيا لسفر مقاتلين جهاديين إلى سورياوالعراق- فإن ما فعلته جماعة جند الخلافة يمكن أن يعزز أكثر عمليات تجنيد أفراد جدد. وتخوض تونس المجاورة بالفعل قتالا ضد جماعة أنصار الشريعة ومتشددين اسلاميين آخرين يتحصنون في جبال الشعانبي على الحدود مع الجزائر. وشهدت تونسوالجزائر عدة هجمات للمتشددين على قوات الأمن في البلدين. وقال مسؤول أمني تونسي "نعرف انه بعد التدخل الأمريكي يمكن أن نواجه المزيد من عمليات الخطف وربما محاولات تستهدف السفارات… الارهابيون سيحاولون منح أتباعهم روحا جديدة ويحاولون شن هجمات مؤثرة."