يبدو من الصعب الحديث عن السياسة الفرنسية الآن، دون الحديث عن الوزيرتين رشيدة داتي ونجاة بلقاسم؛ كنموذج حي لسياسة الانتقاء التي تنهجها فرنسا، والتي لم تعد بحاجة إلى هجرة عشوائية، فقد بنت وشيدت الطرقات ومترو الأنفاق.. على أكتاف المهاجرين من الجيل الأول، وما تحتاجه اليوم، كوادر وأدمغة مهاجرة تسهم بقوة في تحديث الاقتصاد الفرنسي، وتحقيق الإقلاع الاقتصادي والسياسي والفكري، وهما أيضا نموذج لسياسة الاندماج التي عجزت عن تحقيقها بعض الأقليات المهاجرة من أصول عربية ومسلمة، تلك التي افتقدت – للأسف- إلى روح المسؤولية والأمانة واحترام البلد المضيف، واستسلمت للكسل والتواكل والتناسل والاعتماد على التعويضات العائلية؛ ومنها من سلك عالم الإجرام، ومنها من وقع ضحية للتطرف الديني في غياب أيِّ دعم أسري، أو توجيه من علماء الدين، والنتيجة تفجيرات في نيويورك ولندن ومدريد… ورشيدة داتي ونجاة بلقاسم غدتا نجمتي السياسة في الصحافة الفرنسية؛ وأثبتا أن العربي يمكن أن يكون مثار فخر، عوض أن يكون مثار بلبلة وقلاقل، ومادة دسمة للصحافة الفرنسية تتعقب حركاتهما وسكناتهما، وتترصد هفواتهما بشكل مقلق ومستفز، بحثا عما يضفي نكهة ولذة على طبقها الإعلامي، وما يؤجج نار سبقها الصحافي، صحافة بدأت تتخصص في صنع النجوم السياسية التي تستقطب الاهتمام أكثر من النجوم الفنية، لحساسية مراكزهما ومناصبهما. فالنبش في الحياة الخاصة للسياسيين يطرح في الصحافة الفرنسية إشكال الإعلام بين الحرية والحياة الخاصة، وضرورة إحداث توازن بين الشفافية الإعلامية الضرورية والسرية المشروعة للحياة الخاصة. وهذه الخصوصية تضمنتها المادة التاسعة من القانون المدني الفرنسي الذي ينص على أن «كل شخص له الحق في احترام حياته الخاصة»، في حين أن الصحافة الفرنسية تصر على أن الصحافة لا يمكن أن تكون لها جاذبية وإثارة إن لم تستطع الخوض في الحياة الخاصة للسياسيين، والكل يتذكر غضب سيغولين رويال، مرشحة الرئاسة في الانتخابات الفرنسية 2007، حين تم التعرض لحياتها الخاصة في الحملة الانتخابية. ودعت إلى ضرورة وضع حدود بين حياتها السياسية وحياتها الخاصة، وعقوبة الطرد التي تعرض لها رئيس تحرير مجلة «باري ماتش» حين نشر صورة سيسيليا وصديقها أيام تولي ساركوزي مسؤولية وزارة الداخلية. الوزيرتان ليستا فقط، صاحبتا الابتسامة المثيرة، والكعب العالي والفساتين المصممة من «كريستيان ديور»، والتي تثير انتقادات بعض الصحافة الفرنسية، أو ربما غيظها، وكأن السياسة تتعارض والأناقة، وكأن أصلهما العربي يسلبهما هذا الحق. والمثير للاستغراب أن هذه الانتقادات تصدر من مجتمع معروف بأناقته وذوقه الراقي. فهما ليستا مثالا للأناقة فقط، بل هما أمثولة حية للتحدي وإثبات الذات واحترام القوانين والانخراط في المجتمع المضيف بإصرار ومسؤولية دون الشعور بأي تقزيم أو مركب نقص تجاه الآخر، هما بالإضافة إلى شباب مغاربيين وعرب آخرين، كالفلكية المغربية مريم شديد، واللاعب الجزائري زين الدين زيدان، والفنان جمال دبوز، وفضيل..، ممن عملوا على جعل أصوات العنصرية تخفت وتتبدد أمام تشجيع وحب الفرنسيين لهم. مهما تباهينا بالأصول المغربية للوزيرتين الفرنسيتين نجاة بلقاسم ورشيدة داتي، وإن اختلفت توجهاتهما السياسية بين اليمين واليسار، فهما تبقيان منتوجا فرنسيا خالصا. تشبعا بقيم الجمهورية، ويخدمان المصالح الفرنسية أكثر من أي شيء آخر، وإن ظلت «لعنة « العربي تطاردهما في الصحافة الفرنسية ذات الخلفيات العنصرية الصريحة أو المضمرة، وتترصد خطواتهما، وتسحب من خطواتهما الرصينة سجادة الهدوء والاطمئنان التي ينعم بها كل وزير فرنسي.