بين من اعتبرها مجرد مسرحية ومن عدها تحولا استراتيجيا في الصراع، يثور التساؤل عن ما بعد الضربة الإيرانية بالطائرات والصواريخ التي استهدفت إسرائيل ليلة السبت الأحد. إيران أطلقت العشرات من الطائرات المسيرة والصواريخ، ردا على استهداف قنصليتها في دمشق وقتل قيادي في الحرس الثوري فيها. الجميع كان على علم بالهجوم بأيام. أمريكا أخبرت حليفتها إسرائيل به، ودعتها للاستعداد. إيران أيضا أعلنت منذ الوهلة الأولى لإطلاق غاراتها بأن العملية بدأت.. الطائرات المسيرة لا تسير بسرعة كبيرة ويتطلب وصولها ساعات، فيما الصواريخ الباليستية التي لحقتها تصل في حوالي 12 دقيق قاطعة أزيد من 1000 كلم.. « خذوا حذركم لديكم ساعات قبل أن تصل الصواريخ والطائرات المسيرة »، وفعلا تم اعتراض معظمها من قبل حلفاء إسرائيل، قبل أن تصل أجواء الأراضي المحتلة، ومن وصل فعلا لم يكن له أضرار كبيرة. وفي وقت كانت الطائرات تتساقط في الجو أعلن مندوب إيران في الأممالمتحدة أن الهجوم انتهى إلا إذا ردت إسرائيل وردت أمريكا بنصح حليفتها بعدم الرد قبل التشاور. كان هذا هو المشهد الذي تفرج عليه الناس عبر بقاع العالم، وهم يشاهدون عملية تفجير الصواريخ في الجو. لكن هناك مشهد آخر لا يقل أهمية: قادة الكيان الصهيوني في اجتماع تحت الأرض. حالة الخوف والهلع في الشوارع، وبعض الصواريخ التي سقطت في النقب و على قاعدة عسكرية تثير الفزع في كيان لم يعهد مثل هذا الهجوم. الاوساط الإسرائيلية نفسها بدت متشككة ومرتبكة. قادة الكيان اعترفوا أنه لولى مساعدة الطائرات الغربية لكان الوضع أسوء، كما أن قدرات القبة الحديدية كانت على وشك الاستنفاذ، بعدما كلفت عمليات الاعتراض أزيد مليار ونصف دولار. هناك من اعتبر أن الضربة الإيرانية رغم جرأتها كونها تنطلق من أراضي إيران، ضد إسرائيل، إلا أنها لا تخرج عن احترام قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنا بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران وحلفائها من جهة ثانية. كلا الطرفين، لا يرغبان في تصعيد لا يمكن التحكم فيه في القادم من الأيام، ولهذا تبقى القنوات مفتوحة إما مباشرة أم بطريقة غير مباشرة لتبادل اللكمات بطريقة متحكم فيها دون وقوع انفلات. إيران تضرب من لبنانوالعراق واليمن، وتتلقى الضربات الموجعة أيضا، وهي تدرك أن قدراتها العسكرية لا تستطيع الصمود أمام الترسانة العسكرية للتحالف الغربي بقيادة الولاياتالمتحدة، ولكنها مع ذلك تصر على المناكفة والرد دون رغبة في التصعيد. نتذكر الشريط الذي يتحدث فيه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن الضربة الصاروخية الإيرانية في يناير 2020، والتي استهدفت قاعدة أمريكية في العراق، ردا على اغتيال الولاياتالمتحدة لقاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، حيث قال ترامب إن الإيرانيين اتصلوا وأبلغوه أنهم سيضربون بالصواريخ، وأن الضربة لن تكون لها أضرار. هناك معطيات دولية مؤثرة لا تحتمل معها الأوضاع التصعيد: الحرب الروسية الأوكرانية، الحرب في السودان، العدوان الصهيوني في غزة وحرب الإبادة، التوتر في اليمن كل ذلك يجعل الغرب غير راغب في انفجار الوضع. مع ذلك يحق لنا التساؤل عن وضع إسرائيل بعد الضربة الإيرانية. فهذه أول مرة تصل فيها صواريخ وطائرات من تراب إيران إلى إسرائيل دون أن تسارع هذه الأخيرة إلى الرد. هناك عدة معطيات جيوسياسية بدأت تزحزح موازين القوى في العالم. الموقف الروسي لم يحض بالاهتمام. موسكو وفية لحليفتها إيران في الحرب ضد أوكرانيا وقد اعتبرت الهجوم الإيراني دفاعا عن النفس، وهو موقف له ما بعده. أمام هذا الوضع وحدت الضربة دول الغرب للوقوف إلى جانب إسرائيل التي تمارس منذ 6 أشهر سياسة تطهير في غزة، وبدت إسرائيل في عيون الغرب كدولة بريئة تتعرض للعدوان. أما عربيا فإن الانقسام هو سيد الموقف تجاه هذه الأحداث. فهناك محور إيران الذي تعزز في العراقولبنان وسوريا واليمن، وهناك محور بقية الدول العربية في الخليج والمغرب العربي التي تراقب بتوجس هذه التطورات في انتظار القادم من الأيام.