هم من وهران أوبورج بوعريرج أو مرسى بن مهيدي، لاتهمهم خلافات السياسيين ولا قضية الحدود المغلقة إلا بالقدر الذي تعيق تجعل تنقلهم صعبا إلى مناطق عشقوها من المغرب. يعتقدون أن الحرية هنا أكبر والخدمات السياحية أفضل. سنة بعد أخرى يزداد عدد السياح الجزائريين الذين يقصدون وجهة المغرب لقضاء عطلتهم الصيفية، هؤلاء لا تهمهم مشاكل البلدين السياسية، ولا تمنعهم الحدود البرية المغلقة من قطع آلاف الكيلومترات للظفر ببعض اللحظات الممتعة قبل العودة إلى ضغط العمل. على شواطئ الدارالبيضاء والمدن الشمالية وبالسعيدية المتاخمة للمدينة السياحية الجزائرية «مرسى بن مهيدي»، يقضي السياح الجزائريون عطلتهم.
نحن والمغرب! في منطقة «بين الجراف» (مدخل السعيدية) يقف عبد الله يتأمل المشهد من الطرف الآخر، كان بإمكانه أن يكون في اللحظة نفسها على الطرف الجزائري من الوادي الذي يفصل بين البلدين، لكنه فضل هذه السنة أيضا كما السنوات الماضية أن يقضي عطلته الصيفية في المغرب، إذ لم يجد أي حرج من الاحتفال مع مجموعة من المغاربة الذين جاؤوا إلى المنطقة لإحياء ذكرى ثورة الملك والشعب. عبدالله يحمل جواز سفره الجزائري ويلوح به بين الفينة والأخرى، كأنه يقول لمواطني بلده وراء الحدود الذين يتابعون احتفالية المغاربة بالمنطقة بأنه مواطن جزائري، إنه اختار قضاء وقت ممتع بينهم. منذ سنوات وعبدالله الذي يحمل إلى جانب جنسيته الجزائرية، الجنسية الفرنسية، يقصد مدينة السعيدية، كما هو الشأن بالنسبة لمئات من الجزائريين الذين يقصدون المدينة لقضاء عطلتهم الصيفية، «نحن إخوة لا فرق بين المغرب والجزائر»، يقول عبدالله معتبرا أن وجوده بالتراب المغربي وجود طبيعي لا حاجة فيه إلى تقديم تبريرات. بعيدا عن صخب المغاربة والجزائريين الذين يتبادلون التحايا تارة، والسباب تارة أخرى بهذه المنطقة، يغص شاطئ «الجوهرة الزرقاء» بالمئات من المصطافين، «بين هذه الحشود يوجد العشرات من الجزائريينوالتونسيين أيضا، يقضون عطلتهم بيننا»، يقول مسير أحد المطاعم على شاطئ البحر. لم يلبث كثيرا حتى نادى على أحدهم، شاب فارع القامة يبدو أنه في عقده الثالث «نعم أنا جزائري من مدينة بورج بوعرريج»، يقول صابر ونور، قبل أن يضيف «قصتي مع السعيدية تمتد إلى سنوات خلت». صابر وفق ما أكده ل» اليوم24»، هو من الجزائريين الذين اختاروا قضاء عطلتهم الصيفية في المغرب منذ أكثر من 10 سنوات، زار السعيدية أول مرة مع أحد أصدقائه المغاربة قبل أن يعجب بها ويداوم الزيارة كل صيف «أكثر من 10 سنوات وأنا أقضي عطلتي في السعيدية، وكل سنة أعجب بالمغرب أكثر من السنة التي مضت»، يقول السائح الجزائري. صابر يتحدث عن اللحظات التي يقضيها في المغرب بشغف كبير، لكن أهم لحظة عاشها في المملكة هي تلك التي جمعته لدقائق مع الملك محمد السادس «لن أنسى ذلك اليوم الذي التقينا فيه صدفة الملك، أخبرته بأني جزائري فرحب بي كثيرا وطلبت منه الجنسية، فأبدى ترحيبا فاجئني به»، يؤكد ونور قبل أن يكشف صديقه محمد، الذي رافقه من فرنسا أنه يعرف العشرات من الجزائريين الذين يرغبون في زيارة المغرب وقضاء عطلتهم الصيفية. بالقرب من مكان وجود ونور، شاب آخر يطلق العنان للهجته الوهرانية القريبة من لهجة أهل وجدة والنواحي، طلب من النادل شيشة وبعض المشروبات، قبل أن يعود إلى مكانه على الشاطئ، «هل أنت جزائري؟» سألت « اليوم24» قبل أن ينطلق صوت جهوري «نعم أنا وهراني يا أخي ما الأمر، ولماذا تسأل؟». الارتباك بدا واضحا على محيا عمار، 26 سنة، لكن سرعان ما تحرر منه بعد علمه بمغزى السؤال. انطلق يُعدد مزيا البلد وأهله ثم قال «الجزائر نقصدها في الشتاء، حيث نزور الأهل والأحباب، أما في الصيف فمنذ 3 سنوات، وأنا أزور المغرب من أجل قضاء عطلتي بين السعيدية والدارالبيضاء». معظم الجزائريين الذين التقتهم « اليوم24» يؤكدون أن الدافع الأول الذي يدفع بهم إلى اختيار المغرب كوجهة لقضاء العطلة، هو توفر الاختيار الترفيهي والسياحي، «في الجزائر لا نجد الحرية التي نجدها في المغرب، والعرض السياحي هنا أجود من البلد، هذه حقيقة يعرفها كل الجزائريين، لا يمكن مثلا أن تجد مقاهي مثل هذه»، يقول ونور.
الطلب أقل من العرض رغم أن الأرقام تشير إلى أن عدد الجزائريين الذين يقصدون المغرب مباشرة من الجزائر العاصمة عبر مطار «هواري بومدين» في ارتفاع مستمر، إلا أن أعدادا كبيرة تقصد المغرب مباشرة من بلد إقامتها بالخارج، خاصة من فرنسا، حيث يحمل أغلب الجزائريين القادمين من هناك للجنسية الفرنسية. وفق الاحصائيات المتوفرة، فإن أكثر من 90 ألف جزائري زار المغرب سنة 2012 وحدها، وحسب ما نقلته الصحف الجزائرية مؤخرا، معتمدة على إحصائيات المطار المذكور، فإن أزيد من 200 ألف جزائري غادروا المطار للسياحة قاصدين ثلاث وجهات أساسية يأتي المغرب في المرتبة الثالثة. الصحافة الجزائري نقلت عن مسؤول بوزارة السياحة قوله إن الحجوزات الخاصة بالمغرب في شهر غشت استنفدت جميعها، وهو ما يعني أن الجزائريين الذين يريدون قضاء عطلتهم في المغرب أكثر بكثير من الذين يتمكنون من ذلك فعليا.
تونس ترفع أعدادهم مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته، اعتبر أن السبب الرئيسي الذي رفع من عدد الجزائريين الذين يزورون المغرب بغرض السياحة، هو وجود الجارة تونس في وضع أمني غير مستقر «تونس هي وجهة مفضلة للسياح الجزائريين منذ سنوات، والأرقام الواردة في هذا الصدد تؤكد حجم الإقبال على هذا البلد، لكن الوضع الجديد دفع بالعديد من الجزائريين إلى تغيير وجهتهم نحو المغرب». بالرغم من أن للوضع التونسي تأثير في اختيارات السياح الجزائريين إلا أن المصدر نفسه استدرك بالقول «بالإضافة إلى الوضع في تونس، هناك اقتناع من الجزائريين بأن المغرب بلد سياحي ويتوفر على منشآت سياحية تمكنهم من قضاء العطلة في أحسن الظروف، وبتكاليف مناسبة». في السياق نفسه يؤكد حسن بن مومن، رئيس بلدية السعيدية أن السياح الجزائريين الذين يقصدون السعيدية يدفعهم إلى ذلك الاقتناع بالاختلاف الذي يوجد في المغرب «هم يعلمون جيدا أن الحكاية التي روجتها السلطات عن المملكة طوال السنوات الماضية، بأننا شعب نموت جوعا ولن تستمر الحياة بدون التهريب، هي مجرد خزعبلات، وعندما تحط بهم الطائرة في المغرب يتفاجؤون بالتغيير الحاصل في المدن المغربية مقارنة مع عدد من المدن الجزائرية». ابن مومن قدّر عدد السياح الجزائريين الذين يقصدون السعيدية وحدها، بحوالي 4000 سائح سنويا، هو رقم بالمقارنة مع عدد السياح الذين يقصدون المدينة من الداخل والخارج (600 ألف)، يبقى ضئيلا «لابد من وضع خطة لاستقطاب المزيد من السياح الجزائريين، ولابد من الاستفادة من الوضع الذي تعيشه بعض الدول الإقليمية»، يقول المتحدث نفسه. رئيس البلدية يرى بأن الرهان يجب أن يكون في الفترة السابقة يشمل أيضا سياح الدول المجاورة وألا يقتصر على بعض دول أوروبا الشرقية التي لا تستفيد منهم المدينة كثيرا، فالسائح القادم من التشيك أو بولونيا لا يتعدى مستوى إنفاقه 4000 درهم، في حين أن السائح القادم من الجزائر يمكن أن ينفق أضعاف هذا المبلغ.
الحدود عائق! ابن مومن يرى بأن العديد من السياح الجزائريين الذين يرغبون في زيارة المغرب تمنعهم الحدود البرية المغلقة «أؤكد لك أنه في حالة فتح الحدود، فإن عدد السياح سيتضاعف، بدليل أنه عندما كانت الحدود مفتوحة، لم تنقطع حركة السياح من الجزائر إلى المغرب». في كل مرة كانت تثار قضية فتح الحدود بين البلدين، تنطلق موجة من التعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع التي نقلت الأخبار، وبالعوة إلى تفحص هذه التعاليق يستفاد منها أن هناك تخوفات جزائرية من فتح الحدود، لأن فتحها يعني تدفق السياح على المغرب.
الجزائر غير راضية منذ أيام فقط، خلق 7 رؤساء بلديات ينتمون إلى ولاية الطارف على الحدود مع تونس جدلا واسعا بسبب اختيار الرؤساء السبعة قضاء عطلتهم الصيفية في المغرب، جدل يرى بعض المتابعين أن سببه لا يكمن في قضاء العطلة خارج البلد بحد ذاته، لكن التعليقات التي رافقت هذا الموضوع تشير إلى أن «المشكل» يكمن في اختيارهم للمغرب. هذه الواقعة دفعت الإعلام الجزائري الذي نقل الخبر إلى مطالبة والي الولاية محمد لبقة بالتحقيق في الموضوع، وكشف العلاقة التي تربط بين المسؤولين المعنيين ومدينة الدار البيضاء!