لا أفهم كيف ينشأ من هذه الترهات "اقتصاد عالمي جديد"، لكن، يبدو أنني كباقي خلق الله، سأنتهي إلى الاعتقاد بأن المعلومات التي تخصُّ شخصي المتواضع، هي، أيضاً، منجم ذهب، وأن الأفضل لي أن أدخل غمار صراعٍ دوليٍ لأتمكن من أن أبيع بنفسي هذه المعلومات، أو على الأقل أن أقتسم عائد البيع مع الوسيط الذي يبيعني، نيابة عني، وبدون علمي، في أغلب الأحيان. سأحيل، هنا، على مقال ممتاز نشره إيفني موروزوف في "لوموند ديبلوماتيك"، أغسطس/آب الجاري، بعنوان:"اليوتوبيا الرقمية والصدمة الاجتماعية"، فمن المؤكد أنه سيساعد كل من كان مثلي، يبحث عن طريقة لتحويل الشاذة والفاذّة في حياته إلى موزع آلي للأوراق النقدية. لنبدأ كما فعل المقال من فرشاة الأسنان التي أصبحت في اختراعٍ حديثٍ عبر ارتباطها بالهاتف النقال، منجماً من المعلومات المرتبطة بالأسنان واللثة واللسان، تنظيفاً وأعطاباً وأمراضاً محتملة. من هو هذا المختل الذي سيشتري عداً ونقداً هذه المعلومات؟ قد لا يكون شخصاً نعرفه بالذات والصفات، ولكن، ربما يكون طبيباً معالجاً، أو ماركة معجون أسنان، أو تاجر طواقم أسنان اصطناعية، أو شركة تأمينٍ، يهمها أن تعرف أوضاع أسنانك، قبل أن تهشم أسنانها في تأمينك. مهما يكن، فإن "جوجل" عبر شركته "نيست" هو الذي يؤثّث بيتك بعشرات الأشياء الموصولة بذاكرته الضخمة، فمن البديهي، إذن، أن يتولى بيعك جملة وتفصيلاً، وفي هذه الحالة، فإن فرشاة الأسنان، والثلاجة، والنظارات الشمسية، والحذاء الذكي، حتى وهي أشياؤك الخاصة، فقد حولها "جوجل" إلى معلومات، وحوّل المعلومات إلى بضاعة، والبضاعة إلى قيمة نقدية، لقد استثمر في ما تسميه التكنولوجيا اليوم "شبكة الأشياء"، وإذا كنت مستاءً من "تبضيع" معلوماتك، فعليك فقط أن تعرف أن هذا التبضيع هو الذي يرفع اليوم على كاهله اقتصاديات العالم، فهو الذي يخلق النمو، ويقلص عجز الميزانيات العامة في دول متقدمةٍ كثيرة. هناك إمكانية نظرية ليتحول المستهلك نفسه إلى "مقاول معلومات"، شريطة أن يستطيع كتابة برامج وابتكار "تطبيقات"، ففي دراسة حديثة لشركة فودافون، يتبين أن من الممكن خلق عائد يفوق 21 مليار يورو من برامجٍ لمساعدة المستهلكين على بيع معلوماتهم، وعند ذلك تتحول الدولة إلى مجرد منظم قانوني للعلاقة بين الوسطاء وباعة الخدمات. وفي ارتباط بهذا الموضوع، يولي دهاة السيليكن فالي، في الولاياتالمتحدة الأميركية، أهمية قصوى لنشاط الوسيطين يوبير (يحول عبره من يشاء سيارته إلى سيارة أجرة)، وإيربي إن بي (يحول عبره من يشاء شقته إلى فندق). إنه توجه جديد، دفعت إليه الأزمة وارتفاع البطالة وتدّني الأجور وتبعات سياسة التقشف، لكنه أنشأ ما يسميه المختصون "اقتصاد التقاسم" الذي يزعمون أنه لا غنى عنه لسوق الشغل ولمصادر الدخل، بل وحتى للمداخيل الضريبية: كل هذا ينبئ بتحولٍ عميق في البنيات الذهنية والأخلاقية والاقتصادية، لقد كان الاتجار في المعلومات الشخصية، وإلى عهد قريب، شيئاً يمجّه الذوق، بل كان يعتبر عدواناً على الحياة الخاصة. أما اليوم فقد أصبح وسيلة للتكسب من دون أن يجازف أحد باعتبارها نوعاً من "الدعارة الرقمية"، وكان النظام البنكي لا يقرض إلا الذين بإمكانهم أن يرجعوا ديونهم، لكنه، اليوم، يمكن أن يقرض الفقراء متى ما تمكن من معرفة شخصياتهم وميولاتهم وأحلامهم، من خلال نشاطهم في الشبكات الاجتماعية، وعبر منجم المعلومات المتاحة عنهم في "شبكة الأشياء". أما إذا كنت ممن تقشعر أبدانهم لهذا التحول المريع الذي يجعل وجودك افتراضياً ومعلوماتك سلعة، فاعلم أنك ما تزال تنتمي لعصر ما قبل الأيفون، وأنك ضد الحداثة والتقدم، وهذه، أيضاً، معلومة ستفيد في تحويلك إلى بضاعةٍ لا بأس بها.