في التقدير، يعتبر موقف السلطات الجزائرية من المنجزات التي حققها المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022 نشازا بين الدول العربية والإسلامية. ورغم أن ما يجمع الشعبين المغربي والجزائري أكثر وأكبر مما يفرق بين البلدين على المستوى السياسي، إلا أن تلك السلطات اختارت توجها غريبا بلغ بها حد مُواقَعة الرذيلة الإعلامية في أقبح صورها. في شبه صمت كبير، أغلق الإعلام الرسمي الجزائري كل الأبواب والنوافذ خوفا من أن تتسرب إليه أخبار الانتصار المغربي التاريخي على إسبانيا، وأن تتسرب إليه مظاهر الفرحة التي هزت، ليس فقط الشارع العربي والإسلامي، بل بالخصوص الشارع الجزائري مع آخر ركلة ترجيحية للأسد أشرف حكيمي، أسقط على إثرها "الثور الاسباني" أرضا وهو مثخن بدماء جراح ثلاثة أهداف ترجيحية نظيفة. لقد اختصر الإعلام الرسمي الجزائري 120 دقيقة من النزال المغربي الاسباني الرائع في مثل العبارة التالية: "المنتخب الإسباني يضيع ثلاث ركلات جزاء ويُقصى من ثمن النهائي" ! بمثل هذا التوجه الإعلامي الذي يمعن في عدم ذكر الفريق الذي هَزم الإسبان وكأنهم واجهوا أشباحا، وفي التخفيف من هزيمتهم على اعتبار أنها تمت بالركلات الترجيحية، لم يتبق للسلطات الجزائرية إلا إعلان حدادها على إثر تلك الهزيمة. بهذا الاختيار الغريب والمفضوح، يعري حكام الجزائر عن طبيعتهم التي تعاني فقرا فضيعا في "الروح الرياضية"، جعلهم يمعنون في حرمان الشعب الجزائري من معرفة الحقيقة عبر إعلامه الذي يموله من جيبه بعد أن تابعها مباشرة عبر القنوات الأجنبية، واختاروا بذلك السير في الاتجاه المعاكس لاختيارات الشعب الجزائري ورغباته وطموحاته وأمنيه. فالشعب الجزائري أبان عن تعاطف كبير مع شقيقه المغربي، وصفق بصدق للمنجز الرياضي للمنتخب المغربي، الذي أصبح يمثل ليس المغرب فقط، بل الدول العربية والإفرقية. وعبر بصوته ورقصته وتصفيقاته وصراخه في المقاهي عن فرحه بصعود المغرب لربع النهائي كأول منتخب عربي يصل هذا المستوى في تاريخ المونديال، وهذا يكفي لجعل المغرب أمل جميع الشعوب العربية والإسلامية بما فيها الشعب الجزائري الشقيق. لقد تناقلت أكثر من وسيلة إعلام، بما فيها الإعلام الغربي، وكذا مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، أجواء الفرحة العظيمة التي عبر عنها الجزائريون، وانخرطت فيها شرائح مختلفة من المجتمع الجزائري، وانتشرت الفيديوهات التي توثق لتلك اللحظة التاريخية التي عانق فيها الشعب الجزائري شقيقه المغربي، معبرا له عن اعتزازه به وعن ثقته في منتخبه، وعن أمله في أن يتقدم في مشوار ترقيه في مراتب المونديال. لقد بادر العديد من الصحافيين، والعديد من الفنانين والرياضيين ونشطاء المجتمع المدني الجزائري وغيرهم للتعبير عن اعتزازهم وفرحتهم بالمنجز الرياضي المغربي. كما سجل الجزائريون مؤازرتهم من خلال الحضور الإيجابي القوي ضمن مشجعي المنتخب المغربي في الملعب، ورفعوا علمهم إلى جانب العالم المغربي، مرتدين الأقمصة المغربية، رافعين شعارات الجمهور المغربي، معبرين عن شعورهم القوي والمشجع للمنتخب المغربي في تصريحاتهم لمختلف وسائل الإعلام. لقد ذاب الشعب الجزائري في بوتقة الشعوب العربية والإسلامية الفَرِحة بالانتصار المغربي، وبالتقدم المغربي، وبالاستحقاق الرياضي للمنتخب المغربي، وبالتألق الرياضي للأسود. نعم لا تخلو مواقع التواصل الاجتماعي الجزائرية من مضامين مناهضة للمغرب، ومضامين تبخس انتصاره على غريمه الإسباني، مضامين لا تعبر في شيء عن حقيقة المساندة القوية للشعب الجزائري لشقيقه المغربي. هذان الوجهان المتناقضان في التعبير يوثقان للحظة فارقة من تاريخ الشقيقة الجزائر، لحظة تسير فيها السلطات الجزائرية وإعلامها الرسمي وذبابها الإلكتروني في الاتجاه المعاكس لسير قلب الشعب الجزائري. فحقيقة الشعب الجزائري وثقتها تعبيراته العفوية في المقاهي بمختلف مناطق البلد، فيما التعبيرات المناهضة والمعاكسة لعاطفة الشعوب العربية والإفرقية ليست في التقدير سوى صناعة استخباراتية تريد أن تخفي شمس عاطفة الشعب الجزائري التي ينبض قلبها مع المغرب، بغربال "فيديوهات موجهة" ينبض قلبها مع الإسبان، تروجها آلة الإعلام السلطوية في الجزائر لتوهم الرأي العام الوطني هناك والدولي، بأن الشعب الجزائري والسلطات الجزائرية على قلب رجل واحد في الاستخفاف بانتصارات المغرب، ودخلت بعض وسائل الاعلام الغربية على خط ترويج تلك المضامين لتعزز تلك الصورة الوهمية خدمة لمشروع التمكين للعداوة بين الشعبين الشقيقين. وهذا المستوى من اللعب القذر قد لا ينتبه إليه البعض ليقوم بردود فعل غير مسحوبة تخدم مخططات السلطات الجزائرية التي تريد للشعب الجزائري أن يحزن لفوز المغرب ولتألقه الكروي الذي سجل منتخبه ضمن ثماني أقوى المنتخبات الكروية في العالم بمنطق مونديال قطر 2022. لقد فشلت جهود السلطات الجزائرية في حشر عاطفة الشعب الجزائري خلفها، والأسوأ من ذلك أن تنكشف عورتها أمام شعبها وهي تلعب اللعبة القذرة، بالتعتيم عليه، ومحاولة طمس مظاهر فرحته. لقد أجرت السلطات الجزائرية تمرينها لترويض الشعب الجزائري ضد حبه لشقيقه المغربي، وأكدت الوقائع فشلها الذريع في تحقيق ذلك، بل جاءت النتائج عكس ما تشتهيه وتتمناه. فهل تتعظ وتتدارك الموقف فيما تبقى من عمر المونديال؟ إنه استفتاء من نوع آخر ينبغي على حكام الجزائر التقاط رسائله، وقراءتها بمنطق حسن الجوار، وبمنطق مقابلة اليد المغربية الممدودة بيد جزائرية ممدودة ومؤازرة.