خرج مجلس المنافسة عن صمته ليفسر الأسباب الحقيقية للارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الأساسية، كاشفا بأن المغرب لا يشكل استثناء بالنسبة للموجة العالمية لغلاء أسعار المواد الأساسية، لكون أسواقه تنشط في بيئة تتسم بالتحرير الكلي للأسعار، وجل المواد والسلع المعنية بهذه الزيادة، جزء كبير منها يتم استيرادها من الخارج، خاصة منتجات الطاقة والحبوب. وكشف مجلس المنافسة، في رأي له، بسط فيه الخفايا الحقيقية للارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية، وتداعياتها على السير التنافسي للأسواق الوطنية، أن المغرب يعيش على وقع ما يجري في السوق العالمية، حيث أنه يستورد حوالي 90 في المائة من حاجياته الطاقية وما يناهز النصف من الحبوب. وبالتالي، فمن المتوقع أن تتأثر أسواقه جراء تغير الأسعار في السوق العالمية. وأكد المجلس في رأيه حول أسباب ارتفاع أثمنة المواد الأساسية، أنه وفقا لمعطيات المندوبية السامية للتخطيط، سجل الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك، زيادة بنسبة 3,6 في المائة في فبراير من السنة الحالية، وهو أعلى مستوى يسجل منذ بضع سنوات، حيث تأرجح هذا المعدل ما بين 0,2 في المائة في 2018، و1,4 في المائة في 2021. وشدد مجلس المنافسة، على أن أسعار الأصناف الرئيسية للمنتجات الأساسية، المعروفة باسم "السلع"، شهدت من سنة 2020، التي تزامنت مع الشروع في تخفيف القيود الصحية، منحى تصاعديا تكرس طيلة السنة المنصرمة، وازدادت حدته خلال الربع الأول من السنة الحالية، حيث سجل ارتفاع أسعار بعض المنتجات مستويات قياسية. وحسب رأي مجلس المنافسة تعزى أسباب الارتفاع في أسعار المنتجات الأساسية، إلى اختلال التوازن الكبير بين العرض والطلب في الأسواق المعنية، تحت تأثير الانتعاش السريع والمتزامن للطلب العالمي للبلدان المستوردة الرئيسية على الخصوص، من بينها الصين والولايات المتحدةالأمريكية والبلدان الأوربية. وبمقابل ذلك، يضيف المجلس لم يكن العرض في مستوى يمكنه من مواكبة الطلب بسبب ندرة المواد الأولية وتسجيل اختلالات في سلاسل القيمة لمجموعة من الصناعات، والتي تفاقمت بسبب اضطرابات النقل البحري. لايقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشف مجلس المنافسة، بالإضافة إلى هذه الاختلالات، العامل المالي المرتبط بالمضاربة، حيث توجهت صناديق الاستثمار إلى التموضع بشكل متزايد ضمن بورصات المواد الخام. كما أن وفرة السيولة في الأسواق المالية وأسعار الفائدة القريبة من 0 في المائة، ساهمت في تسجيل هذه النسب. وثمة عامل آخر يفسر أسباب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الأساسية، خاصة النفط والقمح، وهو عامل يؤكد مجلس المنافسة، ذو طابع جيو-سياسي متعلق بتداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية المندلعة من بداية السنة الجارية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن روسيا تعد أكبر مصدر للغاز وثاني أكبر مصدر للنفط الخام في العالم. كما أن صادرات روسيا وأكرانيا من القمح شكلت حوالي 35% من الصادرات العالمية لسنة 2020. ومن ثم، تعتبر الزيادات الشديدة في الأسعار المشار إليها أعلاه نتيجة لتقلبات الأسعار، مرتبطة أساسا حسب تفسير مجلس المنافسة، بحالة الغموض المحيطة بظروف الانتعاش الاقتصادي العالمي، المسجل في فترة ما بعد جائحة كوفيد-19، وكذا بفعل التوترات الجيو-سياسية التي تعرفها أوربا على الخصوص.