يعيش المهندس الصيني تيري في النصف الشرقي من شنغهاي الخاضع منذ الاثنين لتدابير إغلاق لمواجهة أسوأ موجة تفش لوباء كوفيد-19، ويمارس ألعابا إلكترونية لتمضية الوقت… أما عبر نهر هوانغبو الذي يقسم المدينة، فتستفيد ماريا من حريتها بتناول العشاء في الخارج، قبل إغلاق النصف الغربي الذي تعيش فيه بدءا من الجمعة. قسمت شنغهاي، المحرك الاقتصادي للصين وكبرى مدنها مع عدد سكان يبلغ 25 مليون نسمة، إلى نصفين فيما تحاول السلطات سبلا جديدة للسيطرة على فيروس يشكل تحديا لم يسبق له مثيل للبلاد. فالمدينة هي الآن أسوأ بؤرة لكوفيد-19 منذ عامين، وقد سجلت الأربعاء حوالى ستة آلاف إصابة بالوباء مع تقدم المتحورة "أوميكرون"، ما هز استراتيجية "صفر كوفيد" التي تتبناها الصين للقضاء على البؤر حيثما تظهر. من نيويورك ولندن إلى بانكوك وطوكيو، بدأت العديد من المدن الكبرى رفع القيود الصحية وهي تتعلم التعايش مع الفيروس. لكن بخلافها، فرضت شنغهاي إغلاقا، وإن كان على مرحلتين، مع إجراء السلطات اختبارات لجميع السكان وإصدار أوامر لهم بعدم الخروج من منازلهم. وقال تيري الذي يعمل في شركة تابعة للدولة لوكالة فرانس برس مستخدما اسمه الإنكليزي من شقته في بودونغ "لا يمكنني مغادرة المنزل ولا شراء البقالة ولا الخروج مع الأصدقاء". دخلت تدابير الإغلاق حيز التنفيذ في بودونغ الاثنين بعد أسابيع من عمليات إغلاق محلية ظهرت فيها إصابات بالفيروس. لكن حتى لو أعيد فتح بودونغ كما هو مخطط الجمعة، فإن المدينة تبدو بعيدة عن التغلب على الفيروس. وقال تيري إن حالة عدم اليقين تؤثر سلبا موضحا "أشعر بالملل ومعنوياتي متدنية. أمضيت وقتا طويلا في الداخل ولا يمكنني سوى مشاهدة التلفزيون وقراءة الكتب وممارسة ألعاب الفيديو". في بوكسي، المركز التاريخي الأكثر اكتظاظا بالسكان في المدينة، اجتمع محبو السهر هذا الأسبوع وشربوا الجعة في الهواء الطلق قبل الإغلاق المقرر الجمعة. وقالت ماريا، وهي أمريكية تسكن في المدينة لوكالة فرانس برس "خرجت لتناول العشاء أمس". وأضافت "أحاول القيام بأمور مختلفة للحفاظ على صحتي الذهنية قبل الإغلاق الذي سيستمر خمسة أيام على الأقل، ولن يكون باستطاعتي مغادرة المجمع الذي أعيش فيه". وحاولت سلطات شنغهاي الحد من التأثير الاقتصادي الناجم عن عمليات الإغلاق المتكررة، وقدمت إعفاءات ضريبية وإعفاءات للشركات الصغيرة. لكن الشركات المالية قررت الإمساك بزمام الأمور في كل أنحاء المدينة، مع تقارير عن موظفين يعيشون في المكاتب خلال فترة الإغلاق. وقال المحلل شيان شيمين من مجموعة "شينوان هونغيوان غروب" للسمسرة "جلبت أغطية وملابس إلى المكتب". يشعر العديد من السكان بالتفاؤل في مواجهة عملية الإغلاق الجديدة معتبرين أنها شر لا بد منه بعد أسابيع من الإجراءات المستهدفة مع نجاح محدود. وصرح تاجر النبيذ في منطقة بودونغ فرانك هوانغ لوكالة فرانس برس أن "عدد الإصابات يتزايد بشكل مستمر". وأضاف "أعتقد أن هذه السياسة (الجديدة) ستحقق نتائج جيدة جدا وستسمح بعودة حياتنا إلى طبيعتها". لكن في أماكن أخرى، ينتشر الإحباط من نهج الصين المتشدد لمكافحة الفيروس، فيما تظهر الأرفف الفارغة في المتاجر قلق السكان الذين يتدافعون للحصول على طعام طازج، بينما تتزايد التعليقات اللاذعة على وسائل التواصل الاجتماعي. وكتب أحد مستخدمي "ويبو" هذا الأسبوع "العالم كله يعود إلى المسار الصحيح. (نحن) البلد الوحيد الذي ما زال يترقب شبح العام 2019 وما زال يعيش معه". وفي الوقت الذي تجري شنغهاي تجارب لتدابير غير تقليدية لمواجهة الوباء، يواجه جمهور سئم من القيود الصحية مجددا جائحة تشكل حياتهم اليومية منذ أكثر من عامين. وقال ميكي شيانغ (31 عاما) وهو مصمم مستقل لوكالة فرانس برس "اعتقدنا أن الأمر انتهى. لمَ بدأنا من جديد؟".