رغم أن المحكمة الجنائية الدولية هي المحكمة الدولية الوحيدة التي يمكن أن تحمّل أفراداً، بمن فيهم فلاديمير بوتين، المسؤولية الجنائية، إلا أن أوكرانيا رفعت قضايا ضد الدولة الرّوسية في كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان. ويعتقد خبير القانون الجنائي الدولي الروسي-الهولندي في جامعة أمستردام، سيرغي فاسيليف، أن أوكرانيا اتخذت خطوات سريعة ومثيرة للإعجاب بصورة ملحوظة في "حربها القانونية" إثر الغزو الروسي. وتستغرق الإجراءات المتعلقة بالمحكمة بعض الوقت. واستمعت محكمة العدل الدولية يوم الاثنين 7 مارس الجاري، إلى القضية المقدمة من طرف أوكرانيا، والتي تدّعي بموجبها أن روسيا قامت عن عمد بانتهاك اتفاقية الأممالمتحدة المقرّرة في عام 1948 بشأن ارتكاب الإبادة الجماعية. وتعتبر حكومة أوكرانيا أن روسيا قامت زورا باتهام أوكرانيا بارتكاب إبادة جماعية ضد المتحدثين بالروسية في منطقة دونباس الانفصالية، متذرعة بذلك لغزوها. وكان من المقرر أن تستمع المحكمة ذاتها للرد الروسي في اليوم الموالي على ادعاءات الجانب الأوكراني، لكن الجانب الروسي لم يحضر. وفي الوقت الذي قد يستغرق إصدار الحكم النهائي في هذه القضية سنوات، تعتبر الخبيرة في محكمة العدل الدولية بجامعة ليدن بهولندا، سيسيلي روز، أنه بإمكان المحكمة أن تُصدر خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين قرارا باتخاذ "تدابير مؤقتة"، مفادها إصدار أمر لروسيا بالتوقف عن غزوها لأوكرانيا، وهو ما حدث بالفعل يوم 16 مارس. لكن روسيا لم تعد تبالي بالقانون الدولي فيما يبدو، حسب تعبير أستاذ القانون الدولي بجامعة جنيف، ماركو ساسّولي، لكنه -مع ذلك- يعتقد أن توثيق موقف روسيا إزاء القوانين الدولية لا يزال مهما للتاريخ، لأن "المراجعين للأحداث لاحقاً قد يعتبرون أن بوتين كان على حق". ومن جهتها، لم تخف الخبيرة روز تشاؤمها من إمكانية إيقاف الأمر الصادر عن المحكمة، للآلة العسكرية الروسية على الفور، غير مستبعدة أنه قد يلعب دورا ما في وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام. وكانت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، أصدرت كذلك قرارات باتخاذ إجراءات مؤقتة تدعو بموجبها روسيا إلى "الامتناع عن الهجمات العسكرية ضد المدنيين واستهداف المنشآت المدنية"، وعدم القيام بانتهاكات أخرى للقانون الإنساني الدولي. ورغم أن أستاذ القانون الدولي ساسولي، يعتقد أن بوتين مُذنب لأنه قام بالعدوان، لكن يعتبر أن عملية إثبات ارتكاب جرائم الحرب من قبل طرف ما من أطراف النزاع ليست بهذه السهولة، حيث يتعين إثبات وجود صلة مباشرة بين الفرد المرتكب واستهدافه المتعمد للمدنيين. وهو الأمر الذي يعتبره الأستاذ معقدا أكثر في هذه الحرب، لأن حكومة أوكرانيا شجعت المدنيين على صنع متفجرات محلية الصنع للتصدي للعدوان الروسي. قائلا " إذا قام الأوكرانيون المدنيون بإلقاء هذه المتفجرات على الجنود الروس، فسيصبحون حكما أهدافا مشروعة للهجوم المضاد من قبل الطرف الآخر بموجب القانون الدولي الإنساني. ونبه ساسولي إلى أن أوكرانيا هي الأخرى، تنتهك أيضا القانون الدولي الإنساني من خلال استعراض مواكب أسرى الحرب الروس عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكن هناك تقارير تفيد استهداف روسيا للمباني السكنية، واستخدام أسلحة محظورة وشن هجمات في محيط تواجد المنشآت النووية، الأمر الذي قد يتسبّب بحدوث كارثة إنسانية أكبر. وردا على سؤال حول جرأة المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقول ساسولي، إن المحكمة أبدت من خلال أدائها في الماضي شجاعة كبيرة: فالتحقيق الذي قامت به في أفغانستان على سبيل المثال، يتضمن جرائم مزعومة طالت القوات الأمريكية والقوات المتحالفة في ذلك البلد. ويعتقد ساسولي، أنه من الأرجح أن تكون جرائم الحرب التي من الأسهل إثباتها، هي الجرائم التي ارتكبت من قبل "المجندين الروس البائسين" الذين صدّقوا الدعاية الروسية التي روّجت بأنهم قادمون لتحرير أوكرانيا من الإبادة الجماعية. ومن جانبه، يرى خبير القانون الجنائي الدولي الروسي-الهولندي، سيرغي فاسيليف، إمكانية أن تصدر يوما ما مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحق بوتين، وربما تكون هذه المذكرة قد صدرت سرا، ولم يفصح عنها خوفا من تفاقم الوضع على الأرض. لكن عدم عضوية روسيا في المحكمة الجنائية الدولية، تجعل بوتين يتمتع بحصانة دبلوماسية تضمن له عدم الملاحقة والاعتقال، لذلك ترى المحكمة الجنائية الدولية نفسها عاجزة عن إصدار طلب للدول الأعضاء بالقبض عليه. أضف إلى ذلك أن المحكمة الجنائية الدولية ليس لديها قوة عسكرية من رجال شرطة وتعتمد في تنفيذ الاعتقالات ضد سلطة الدول الأعضاء. عن موقع موقع "سويس أنفو" بتصرف