إذا رأيتم امرأةً أو رجلا أو غيرهما، في عالمنا العربي والإسلامي، يُقيمون الدنيا ولا يقعدونها بحديثهم عن مسؤولية الدين أو الفقه الإسلامي عمّا تعيشه النساء من أوضاعٍ سيئة، وفي نفس الوقت، يَسكتون عن الاتجاهات التي تَستعملُ المرأة إيديولوجيا وتجاريا وإشهاريا وجنسيا…؛ فيوظفونها في مشاريعهم الإيديولوجية والتجارية و"الجندرية"! إذا كان هذا مسلكَهم.. فاعلموا أن أغلب هؤلاء لا تهمهم قضية المرأة من حيث هي قضية عادلة، ولا المرأة من حيث هي إنسان، بقدر ما يهمهم توجيه سهام النقد للدين والموروث الفقهي الإسلامي… ولذا نجد أنفسنا في عالمنا العربي والإسلامي أمام بعض "النسويات" اللواتي لا يَجدن أي مشكلة في نموذج المرأة الذي تبشر به وتُسوّقه الشركات المتعددة الجنسيات… وفي المقابل يَجدن مشكلة كبيرة في نموذج المرأة كما يُقدمه الفقه الإسلامي في عمومه. إنَّ نقدَ واقعِ المرأة، في العالم العربي والإسلامي، يجب أن يكون مزدَوَجا: نقد الموروث الفقهي بِرَدِّهِ إلى الأصول الكبرى للإسلام وإلى مكارم الشريعة… ونقد رؤية النموذج الليبرالي والرأسمالية للمرأة؛ تلك الرؤية المبنية على "التشييء" و"التسليع"! ومن ناحية أخرى، هناك نقطة منهجية تتعلق بضرورة إعادة تعريف وفهم الكثير من المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالحديث عن المرأة وحقوقها، وعدمُ الاقتصارِ على تعريفها معجميًّا (كما تُعرّفها المعاجم)، وإنما يجب تعريفُها أيضا كما تَحقّقت على أرض الواقع.وهذا شأن مصطلحات ومفاهيم من قبيل: تحرير المرأة، النَّسَوية… إذا أخذنا على سبيل المثال مصطلح النَّسوية نجد أن هناك من يعتمد في مقاربته على التعريفات التي صاحبت ظهور حركة "تحرير المرأة" باعتبارها حركة تدافع عن المرأة وتنتصر لحقوقها… لكن إذا أَعْمَلْنَا النظرَ في أطروحات بعض الرائدات النسويات سنجد أن مطالبهن لا تقتصر على المطالبة بحقوق النساء في إطار مؤسسة الأسرة المكوّنة من رجل وامرأة و…. بل تتعدّى مطالبهن لتشمل تغيير اللغة والتاريخ والقيم الأسرية والاجتماعية…؛ حيث يعتقدن أن كل هذه المجالات متحيزة ضد الأنثى (هذا ما يسميه عبد الوهاب المسيري رحمه الله حركة "التمركز حول الأنثى" التي يُميزها عن حركة "تحرير المرأة"…). ومنطلق هذا التوجه هو الدخول في صراع مع الرجل! فالتمييز بين التعريفات المعجمية النظرية والتعريفات التي تُبنى من خلال ما تحقّق على أرض الواقع أساسي لفهم ومقاربة المفاهيم والمصطلحات المختلفة… وأعتقد أنه لو سَلَكْنَا هذا المسلك، وأَعَدْنَا تعريفَ المصطلحات والمفاهيم باستحضار صيرورتها الواقعية والتاريخية… لخفّت حدّة المعارك الفكرية في العالم العربي…والله أعلم.