تعتبر رواية «مجنون الحكم» للكاتب والروائي بنسالم حميش أحد أهم المتون الروائية المغربية، خاصة تلك التي تسلط الضوء على التاريخ العربي القديم. كما اعتُبرت أول رواية مغربية تكتمل فيها سمات الرواية التاريخية. فهذه الرواية، التي صدرت أول مرة سنة 1990 عن دار الشروق المصرية، ترصد فترة حكم الفاطميين بمصر، ومرحلة الحاكم بأمر الله على وجه الخصوص. ونظرا لأهميتها الأدبية والتاريخية، فقد أدرجها اتحاد الكتاب العرب ضمن أهم 105 رواية خلال القرن العشرين. كما توجت بجائزة مجلة «الناقد» خلال سنة صدورها. ومنذ صدورها، ظلت هذه الرواية تنتشر بين القراء، خاصة في مصر، حيث يمكن اعتبارها أهم رواية مغربية حققت رواجا واسعا بين القراء المصريين، خاصة أنها تتناول تاريخهم وشخصيات بلادهم التاريخية. إذ صدرت الرواية في طبعات متعددة عن دار الشروق، كان آخرها تلك التي صدرت في أكتوبر من العام الماضي في طبعة منقحة ومزيدة، فضلا عن الطبعات التي صدرت خارج الدار المصرية الشهيرة، خاصة تلك التي صدرت سنة 1998 ضمن سلسلة «آفاق الكتابة» في عددها الثامن عشر. يقول الروائي الإسباني «خوان غويتصولو»، الذي كتب مقدمة الترجمة الإسبانية، إن «هذه الرواية ك»الزيني بركات» أو تحف فوينتس ورووا باسطوس، بعيدة حقا عن أن تكون رواية تاريخية عادية، ولو أنها مبنية على شخصية تاريخية، وهو أبو علي منصور «ولقبه الحاكم بأمر الله»، أحد خلفاء الدولة الفاطمية التي حكمت مصر من سنة 973 إلى 1171م، ويرجع إليها عمل تشييد القاهرة الفاتنة، المخترقة حتى هذا العهد بزقاق المعز لدين الله، المتآكلة المنهدمة البئيسة الجميلة.» ويتابع هذا الموقف بالقول إن الرواية «دفاع تنويهي عن حقيقة الخيال ضد ثغرات وافتراءات وبياضات مصنفات التاريخ المسخرة من طرف أقطاب الدوغمائية الرسمية ومحرري برامجهم المذهبية، وفي فصول الرواية تتناوب الإخبارية والباروديا عبر سرود تخيلية، ولكنها متأصلة في التراث الأدبي والشعبي العربي.» في حين، قالت فيها لجنة التحكيم التي منحتها جائزة مجلة «الناقد» اللندنية للرواية للعام 1990: «مجهود واضح في استيعاب فترة حكم الحاكم بأمر الله، وإسقاط الحاضر عليه، وهو استيعاب للموضوع كما هو للأسلوب، وهو لا يلتزم الغالب التقليدي للرواية التاريخية، إذ يتراوح الشد الروائي بين اللوحات القصصية حينا والتسلسل الروائي حينا آخر، تتخللها مقاطع بأقلام مؤرخي تلك الفترة مما يضفي على العمل الروائي عبق التاريخ، فيتضافر الموضوع والأسلوب والشكل في تقديم عمل فني متكامل.» ولعل أهم ما قيل عن رواية بنسالم حميش ما جاء في شهادة المترجم الأمريكي «روجر آلن»، أستاذ الأدب العربي والأدب المقارن بجامعة بنسلفانيا. إذ يقول إنها رواية تنم عن ثقافة عالية ودراية بتقنيات الكتابة والروائية الفائقة، دفعته إلى ترجمتها للغة الإنجليزية، موضحا أن هذه الطبعة الجديدة المنقحة والمزيدة تأتي في وقت جد مناسب لتصل الماضي بالحاضر، من حيث أن طاقة الرواية التشريحية لجينيالوجيا الاستبداد «الحاكم بأمر الله الفاطمي، أو بالأحرى بأمره» نموذجا يسري، مع فروق وتلوينات لا تغير في الجوهر شيئا، على كل الحكام الطغاة الذين عج بهم التاريخ العربي سالفا وحاضرا. كما يعتبر «روجر آلن» رواية «مجنون الحكم» من الروايات العربية الوازنة التي أسهمت في نشر الوعي بوجوب إسقاط الأنظمة الطغيانية، كما حدث خلال سنة واحدة في 2011، ومن هذا المنحى تكتسي «مجنون الحكم» راهنية مثيرة مُثلى.