تبرأ القصر الإسباني من التدخل للعفو عن مغتصب الأطفال فيما التزم الطرف المغربي بالصمت، باستثناء وصف وزير العدل والحريات مصطفى الرميد للقرار بأنه سيادي للملك ولا يمكنه التدخل فيه، غير أنه أكد على أن الإسباني وإن تم ترحيله فهو ممنوع نهائيا من العودة إلى المغرب. غطى خبر تمتيع الإسباني دانيال كالفان، الذي اغتصب 11 طفلا مغربيا في فترات متقاربة من سنتي 2010 و2011 بالعفو الملكي رفقة 47 معتقلا إسبانيا بالسجون المغربية، على كل الأحداث السياسية والاجتماعية بالبلاد خلال اليومين السابقين. وسادت موجة من الغضب على ما سماه مجموعة من المراقبين ب»الفضيحة» التي تبرأ منها القصر الإسباني، فيما لم يصدر أي موقف رسمي عن الطرف المغربي لتوضيح ملابسات تمتيع مجرم أدانته المحكمة ب30 سنة نافذا، لم يقض منها سوى سنة ونصف.
تدخل ملكي إسباني تمتيع دانيال كالفان بالعفو، جاء بعد توجيه الملك الإسباني خوان كارلوس طلبا لنظيره المغربي من أجل تمتيع مجموعة من المعتقلين الإسبان في السجون المغربية بالعفو. واستجاب القصر المغربي لطلب الملك الإسباني خوان كارلوس، في أول مناسبة تلت زيارته للمغرب، وهي الذكرى 14 لجلوس الملك محمد السادس على العرش. وتضم لائحة المعتقلين الإسبان الذين تم تمتيعهم بالعفو الملكي 48 شخصا، ضمنهم دانيال كالفان، الإسباني ذي الأصل العراقي، والذي كان في آخر اللائحة التي قدمها القصر لوزارة العدل. وعلى الرغم من أن العادة جرت باستثناء تجار المخدارت من العفو، حيث لم يسبق أن نال أي معتقل في قضايا المخدرات عفوا ملكيا، إلا أن عددا كبيرا من المعتقلين الإسبان الذين نالوا العفو، هم تجار مخدرات. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن 13 معتقلا إسبانيا الذين تم الإفراج عنهم من سجن طنجة، تورطوا كلهم في قضايا التهريب الدولي للمخدرات، ضمنهم امرأة واحدة. و5 معتقلين أفرج عنهم من سجن تطوان هم أيضا متابعون في قضايا التهريب الدولي للمخدرات.
تنديد بالقرار ومنذ ذيوع خبر الإفراج عن دانيال، خاض رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملة كبيرة للتنديد بهذا القرار، وتحولت التنديدات إلى مطالبة بتنظيم وقفات احتجاجية بمختلف أقاليم المملكة تعبيرا على رفض «الإهانة». أكثر من ذلك، ذهبت بعض التحليلات إلى حد المطالبة بالإفراج «عن سفّاح تارودانت الذي كان يغتصب الأطفال ويقتلهم، مثلما حصل مع الإسباني مغتصب الأطفال». حاولت «أخبار اليوم» نقل تعليق عائلات بعض الأطفال ضحايا الإسباني دانيال على تمتيعه بالعفو، لكن أغلبهم فضل الصمت. وصارت والدة أصغر طفل اغتصبه دانيال، وكان عمره آنذاك أربع سنوات تبكي بحرقة، وهي تقول «اغتصبنا مرتين». وأضافت «لله الأمر من بعد ومن قبل». والد إحدى الطفلات التي تم اغتصابها أيضا، قال «لم نصدق بعد أنه أطلق سراحه، هذه مجرد إشاعات، لا يمكن أن يفعل بنا الملك ذلك».
صمت حقوقي وفي الوقت الذي عبر فيه العديد من المواطنين عن رفضهم تمتيع الإسباني دانيال بالعفو، ركنت الجمعيات التي تنصِّب نفسها مدافعة عن الأطفال ضحايا الاغتصاب إلى صمت رهيب. واكتفت جمعية ما تقيش ولدي، التي تابعت القضية منذ بدايتها ببيان باهت، أكدت من خلاله أن «العفو بيد الملك، وبالتالي لا يمكن التعليق عليه». وقالت نجاة أنور، رئيسة الجمعية في اتصال مع «أخبار اليوم» «نحن قمنا بدورنا، ووحده الملك له حق تقدير المستفيدين من العفو». وصدر أول رد فعل من هيآت حقوقية من مرصد الشمال لحقوق الإنسان، الذي عبر عن تلقيه «باستياء كبير خبر الإعلان عن منح العفو الملكي لشخص يحمل الجنسية الإسبانية الملقب ب»دانيال فينو غالفان»». وعبّر المرصد عن «امتعاضه الشديد من العفو عن شخص متابع في قضية اغتصاب للطفولة المغربية، خصوصا لما لذلك من انعكاسات آنية ومستقبلية تتمثل أساسا في الآثار النفسية على الأطفال الضحايا وأسرهم، وتحول المغرب إلى ملاذ آمن دوليا للمعتدين جنسيا على الأطفال، وتوجيه لسلطة للقضاء وتأثير مباشر فيها، وهو ما تزامن مع وجود بعض الحالات لأشخاص أجانب متابعين أمام المحاكم المغربية المختلفة. من بينها متابعة شخص يحمل الجنسية البريطانية أمام محكمة الاستئناف بتطوان». ورغم الجدل الصاخب الذي أثارته مغادرة الإسباني دانيال لأسوار سجن القنيطرة، الذي قضى فيه سنة ونصف، فإنه وإلى حدود الآن لم يصدر أي رد فعل رسمي لتوقيف موجة الاحتجاج السائدة. ومقابل ذلك، أكد القسم الإعلامي في القصر الملكي الإسباني لألف بوست، أمسا، أن الملك خوان كارلوس طلب من نظيره المغربي الملك محمد السادس العفو لصالح مجموعة من الإسبان، غير أنه يجهل هل اسم الإسباني دانييل فينو غالفان الذي اغتصب 11 طفلا مغربيا والمحكوم ب 30 سنة سجنا مدرج ضمن لائحة المستفيدين، مؤكدا في الوقت نفسه أن القرار بيد وزارة الخارجية الإسبانية في مدريد وليس من مسؤولية السفارة الإسبانية. وفي اتصال لألف بوست بالسفارة الإسبانية في الرباط، كان الجواب بأن «هذا الموضوع هو من اختصاص وزارة الخارجية الإسبانية في مدريد، التي تتولى الملف»، والذي لم يتوصل بشأنه بوست بأي بتوضيحات من الخارجية. وفي هذا السياق، قال المحامي عبد العزيز النويضي إن «أمثال الإسباني دانيال هم من يجب استثناؤهم من العفو»، مضيفا «أنا ضد استثناء بعض الفئات من العفو الملكي، خصوصا تجار المخدرات، لكن عندما يتعلق الأمر بالاغتصاب والمتاجرة بالأطفال فهذا خط أحمر».
إنكار وأدلة دامغة هذا، وتفجّرت قضية الإسباني دانيال، بعدما حصل أحد جيرانه بمدينة القنيطرة على أشرطة مصورة بالصوت والصورة لأطفال صغار من أبناء الحي، وآخرين غير معروفين يمارس عليهم الكهل الإسباني كبته المرضي. وعند تسليم الشريط إلى الشرطة، توجهت الأخيرة إلى منزل الإسباني حيث اعتقلته بمعية شابة في الثلاثينات من العمر كانت تعيش معه في الشقة. المعني بالأمر، حاول التهرب وإنكار فعلته، غير أن كل الأدلة كانت تحاصره من كل جانب، وهو ما تأكد بالملموس من خلال الشريط، إذ كان يقوم باستدراج الأطفال الصغار من أحياء مختلفة إلى شقته ليقوم بعد ذلك باغتصابهم. ويوجد من بين الأطفال المغتصبين ذكورا وإناثا لم يتجاوز بعضهم الرابعة من العمر. وحسب بعض شهود عيان، فقد كان الإسباني يستدرج ضحاياه من أمام المدارس وفي الأزقة إلى شقته ليمارس عليهم الجنس، ويهددهم إنهم أخبروا أحدا بذلك، كما كان يقوم بمنحهم بعض النقود مقابل صمتهم.
الرميد: العفو قرار سيادي للملك والإسباني ممنوع نهائيا من دخول المغرب في تعليقه على العفو الملكي عن مغتصب 11 طفلا مغربيا، قال وزير العدل والحريات مصطفى الرميد، ل»أخبار اليوم» في اتصال هاتفي أمس، «قرار العفو عن دانيال كالفان قرار ملكي والإدارة نفذت القرار. وبلا شك فإن لجلالة الملك المبررات والاعتبارات التي تجعله يتخذ قرار العفو هذا. وما يمكن أن أقوله إنه جرى ترحيل الإسباني أول أمس وجرى منعه من دخول التراب الوطني نهائيا». وحول ما إذا كانت هناك إمكانية اعتقاله مرة أخرى، رفض الرميد التعليق وقال «قرار العفو قرار سيادي للملك بموجب الدستور، وأنا لا أتدخل في هذا القرار».
دانيال : لا يمكن أن يأتي الملك خوان كارلوس إلى المغرب ويبقى دانيال في السجن !! في أول تعليق له على تمتيعه بالعفو الملكي، قال الإسباني دانيال كالفان مخاطبا محاميه محمد بنجدو «لا يمكن أن يأتي الملك خوان كارلوس إلى المغرب ويبقى دانيال في السجن !!». بدا دانيال، حسب ما أسره محاميه ل»أخبار اليوم» «مختلا فخورا بإطلاق سراحه». ومباشرة بعد إطلاق سراحه، اتصلت إدارة السجن ببعض معارفه، الذين حضروا لتسلمه، ومن تم انتقل إلى أحد فنادق مدينة القنيطرة حيث قضى الليلة هناك. واستنادا إلى تصريحات المحامي محمد بنجدو، فإن دانيال «غادر المغرب صباح أمس الخميس متجها صوب إسباني». وقال بنجدو «رافقته إلى المحكمة من أجل تسلم جواز سفره، والذي كان منتهي الصلاحية، ومن تم توجه صوب مقر القنصلية الإسبانية بالرباط التي تولت مهمة تسفيره». وأضاف «لقد نال دانيال العفو بسرعة قياسية، بل وحتى قبل أن ينال الضحايا تعويضاتهم التي حددتها المحكمة في 30 مليون سنتيم للأطفال الأحد عشرة». وأوضح دفاعه «لقد قامت المحكمة ببيع شقة في ملكيته، وفق حجز عقاري تنفيذي 40/2013 بمبلغ 35 مليونا ونصف، حجزت منها المحكمة مبلغ 30 مليونا لتعويض الضحايا، والباقي تم الاحتفاظ به من أجله». وزاد المحامي الذي فاجأه قرار العفو «لقد عبث بالأطفال، وكل الأدلة تؤكد ذلك، ومازال يحتج، لكنه الآن فرح جدا».