إشكالية الجدل الدستوري والقانوني لجواز التلقيح في سياق المقاربة العمومية الاحترازية للوقاية من فيروس كورونا في إطار تثمين المجهود العمومي الرامي إلى تحصين نتائج الحملة الوطنية للتلقيح والحيلولة دون تفشي فيروس كورونا بادرت السلطات العمومية إلى إصدار بلاغ للعموم وردت مضامينه في قصاصة إخبارية لوكالة المغرب العربي للأنباء بتاريخ 18 أكتوبر 2021 وتناقلته مواقع وقنوات رسمية وغير رسمية، حيث قررت الحكومة بموجب ذلك اعتماد مقاربة احترازية جديدة تكمن في تعزيز الأهمية التنظيمية لجواز التلقيح، باعتباره الوثيقة الرسمية المعتمدة من لدن السلطات العمومية، التي ستحل محل رخصة التنقل بين الأقاليم والعمالات التي تسلمها السلطات المحلية المختصة في هذا الشأن، كما تمكن حاملها من ولوج المرافق العمومية والمرافق الخاصة المفتوحة للعموم، مع تحديد تاريخ 21 أكتوبر 2021 كموعد لسريان هذا القرار العمومي. وقد أثارت كتابات ومواقف وتساؤلات الرأي العلمي والعمومي، بشأن هذا "الجواز"، إشكالية إثبات أو نفي السند الدستوري والقانوني لحجيته من جهة، وتأكيد أو استبعاد نجاعته المجتمعية والعملية، كمقاربة احترازية جديدة لتثمين التراجع التدريجي في منحى الإصابة بفيروس كورونا وتحفيز أو" إجبار" المواطنات والمواطنين وعموم الأشخاص على التلقيح ضد الفيروس. وبهدف المساهمة في إغناء النقاش القانوني الصرف، الموازي لنازلة "جواز التلقيح"، سنحاول الإحاطة بمضمون إشكالية السند الدستوري والقانوني لفرض الإدلاء بهذه الوثيقة في الحالات المحددة (أولا)، قبل أن نرصد بعض الملاحظات الاقتراحية في سياق التفعيل الإيجابي لتعزيز المقاربة الاحترازية الجديدة (ثانيا). أولا: السند الدستوري والقانوني لجواز التلقيح كما هو معلوم فإن "الحق في الحياة" و"الحق في السلامة الشخصية"، و"حرية التنقل " من الحقوق والحريات الدستورية الأساسية التي وردت في أحكام الدستور المغربي، حيث نجد أن هذا الأخير نص في الفقرة الثانية من الفصل 21 على أن "السلطات العمومية تضمن سلامة السكان وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع ، وفي الفصل 31 على أنه: "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج والعناية الصحية …..". وحيث إنه، بناء على ذلك، يتعذر إفاضة النظر الدستوري، من الناحية الموضوعية، في قرار عمومي يستند على حجية قانون ذي مرجعية دستورية وحصانة مؤكدة من أي إمكانية حاليا للدفع بمخالفته لأحكام الدستور. وحيث إن قرار فرض وثيقة "جواز التلقيح" للتنقل بين العمالات والأقاليم أو للسفر خارج أرض الوطن أو لقضاء الأغراض الإدارية بالمرافق العمومية وكذا للاستفادة من حق الولوج للمؤسسات الفندقية والمطاعم والمقاهي ومختلف المرافق الخاصة المغلقة والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات يجد سنده القانوني المرجعي، بما لا يدع مجالا لأي شك، في المرسوم بقانون رقم 2.20.292 (23 مارس 2020) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، كما تمت المصادقة عليه بموجب القانون رقم 23.20 . ومن باب وضوح البيان القانوني الصريح والضمني، الذي يتعذر إنكار وجاهته، لشرعية قرار "جواز التلقيح"، يتعين الإحالة، في هذا الصدد، على فحوى المادة الثالثة من النص القانوني المرجعي المذكور، حيث ورد في فقرتها الأولى ما يلي: "على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم". كما نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على ما يلي: " لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين". ولئن كان، من زاوية التفاعل القانوني الموضوعي، من المهم إثارة دلالة القيمة الشكلية لمضمون فرض وثيقة "جواز التلقيح" بواسطة بلاغ حكومي، وعلة عدم اعتماد باقي الوسائط القانونية الأخرى الممكنة والواردة كذلك في المادة المشار إليها أعلاه، فإنه يتعذر نفي قانونية تفعيل الاختصاص التنظيمي للحكومة وحق هذه الأخيرة في ترجيح اعتماد المقاربة الاحترازية الجديدة، المبنية على اعتماد الوثيقة المذكورة من قبل السلطات الصحية، ودون حاجة مسبقة إلى موقف السلطة التشريعية التي سبق لها أن شرعنت، بموجب الإطار القانوني لحالة الطوارئ الصحية أحقية إمكانية استبعاد نظرها التشريعي في التدابير الاحترازية التي تقتضيها ضرورة الحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية وحماية الأمن الصحي للمواطنات والمواطنين . ومن جهة أخرى،يتعين الإشارة إلى أهمية مراعاة أن الدلالة التشريعية والتنظيمية لفرض الإدلاء ب"جواز التلقيح"، في حالة ولوج المرافق العمومية أو المرافق الخاصة ذات الاستعمال العمومي، كالمطاعم والمقاهي والمحلات التجارية الكبرى، تثير أهمية الرغبة الضمنية للسلطات العمومية في استبعاد أو تخفيف البعد العقابي الجنائي الذي يمكن أن يقترن بفرض الجواز المعتمد، بمعنى أن النتيجة المنطقية لعدم الإدلاء بهذه الوثيقة في الحالات المذكورة يكمن في بعد وقائي واحترازي مقرون بحرمان مؤقت من خدمات مرفقية، ومحفز على تسريع استفادة غير الملقحين من جرعات التلقيح، وعدم هدر جهد الملقحين الذين يتعين عدم الاستهانة بتفاعلهم الإيجابي مع الحملة الوطنية للتلقيح لحماية الصحة الشخصية والعمومية، مع العلم أنه لا يمكن إنكار وجود فئات مهمة، وفي حالات معينة ، غير مجبرة أصلا على ولوج المرافق العمومية، أو لها حرية تقدير قدرتها ورغبتها في ولوج المرافق الخصوصية المفتوحة للعموم. لنصل إلى الإشارة بأن عدم الإدلاء ب"جواز التلقيح" لولوج المرافق العمومية والخاصة تترتب عنه، من الناحية المبدئية، عقوبة إدارية وخدماتية، وهي، في كل الأحوال، محفزة ومجبرة لمن يهمهم الأمر على الإسراع في تلقي جرعات التلقيح. ودون حاجة إلى أهمية إثارة الانتباه إلى أن فحوى البلاغ المذكور يحيل على إمكانية تفعيل المسؤولية القانونية التقصيرية لمسؤولي ومسؤولات المرافق العمومية والخصوصية الملزمة بمطالبة مرتفقيها بالوثيقة المعلومة، وفي هذا الصدد فإن أي تقصير من جهتهم يمكن تكييفه، من الناحية القانونية، على أنه بمثابة " تدليس" يعرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية، ويترتب عنه في حالة ثبوته عقوبة حبسية من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، وذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة الرابعة من المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية. كما أن فرض الإدلاء بجواز التلقيح في حالة التنقل بين العمالات والأقاليم أو السفر خارج أرض الوطن اقترن بموجب البلاغ الحكومي بإلغاء اعتماد رخصة التنقل التي كانت تسلمها السلطات المحلية، بما يفيد كذلك هاجس السلطات العمومية الرامي إلى تعزيز التطور الإيجابي للحملة الوطنية للتلقيح وتوخي الحذر من أي مقاربة مهددة للأمن الصحي العمومي. ومن زاوية لفت النظر المبين، يتعين الإشارة إلى أن انتقاد إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح للتمتع بحرية التنقل يعد من الناحية القانونية والموضوعية معدوم الأثر، بدليل أنه لا يمكن إنكار أنه، على كل حال، خطوة تقدمية، يستحيل إنكارها، بالمقارنة مع سابق عهد الحرمان شبه الكلي من حرية التنقل بين العمالات والأقاليم، أو اقتران ذلك بتدابير إجرائية أشد تقييدا، حتى بالنسبة لمن يرفض أن يخضع للتلقيح ولو بدون عذر صحي مقبول، تبعا لما تقرره السلطات الصحية المختصة. ثانيا: التفعيل الإيجابي للمقاربة الاحترازية الجديدة إذا كانت حجية السند الدستوري والقانوني لجواز التلقيح مثبتة وأولى في تقدير أحقية السلطات العمومية في ترجيح خيار الاكتفاء بإصدار بلاغ حكومي مجبر للمواطنات والمواطنين بطريقة ضمنية على تلقي جرعات التلقيح لضمان الولوج السلس للمرافق العمومية والخصوصية الحيوية ، دون اعتماد مضمون ذلك وفق شكلية إصداره بنص تنظيمي أو قرار إداري، أو حتى النظر في إمكانية اعتماد تشريع جبري للتلقيح، بطريقة صريحة ، تستثني كل من يعاني عوارض صحية مثبتة وغير منسجمة مع ضرورة اللقاح، فإنه من باب التفاعل الإيجابي الإفادة ببعض الملاحظات لتعزيز المقاربة الاحترازية الجديدة، بما يحقق الملاءمة بين الحق الدستوري في الحياة والسلامة الشخصية، والحرية المكفولة في قبول أو عدم قبول تلقي جرعات التلقيح، لغياب إجبارية تشريعية وتنظيمية صريحة بذلك من جهة، وبين المسؤولية الدستورية للسلطات العمومية في ضمان سلامة السكان وحفظ الأمن الصحي للمواطنات والمواطنين، والإطار التشريعي والتنظيمي المثبت لحقها في تفعيل الإجراءات الضرورية في ظل حالة الطوارئ الصحية لحماية الأمن الصحي العمومي من جهة ثانية . وذلك كما يلي: 1—العمل على مضاعفة التحسيس بأهمية التلقيح وجدواه الصحي، لأنه لا يمكن إنكار وجود فئات لها قناعة مخالفة، بوعي أو بدون وعي، وأخرى قد تكون فقط متهاونة بشأن المبادرة لتلقي جرعات التلقيح في أقرب وقت ممكن؛ 2-الإنخراط الجماعي في تعزيز الوعي الصحي وتثمين المجهود الوطني الكبير لبلوغ المناعة الصحية الجماعية وتوخي الحذر من احتمال عودة الموجة الوبائية، بكل ما تقتضيه المصلحة العامة من يقظة وجدية، بعيدا عن أي معادلة حسابية سياسية أو شعبوية ظرفية، لاسيما أن رهان مواصلة ضمان تجاوب المواطنات والمواطنين هو الكفيل بحماية الأمن الصحي للجميع ؛ 3- النظر في إمكانية استبعاد إجبارية الإدلاء ب"جواز التلقيح" لولوج المرافق العمومية والخصوصية الاستشفائية مؤقتا، بالنسبة للحالات المستعجلة، وكذا بعض المرافق العمومية والخصوصية التي يمكن أن يكون تشديد الولوج إليها، دون سابق إعلام لمدة كافية لذلك، سبب لتعثرات مرتفقيها ولا يمكن تداركها. وفي هذا الشأن قد تثار على سبيل المثال، لا الحصر، إمكانية ظهور صعوبة مرحلية في كيفية تفعيل مراقبة الإدلاء بالجواز بالنسبة لقطاع التربية والتعليم؛ 4-الحرص على توفير الوسائل البشرية والتقنية المساعدة على ضبط التدابير المتعلقة بالإدلاء بجواز التلقيح الحقيقي والتحقق من هوية حامله؛ 5–التفكير في سن تشريع إجبارية التلقيح في حالة احتمال ظهور موجة نكوصية، لا قدر الله، أو في حالة تعذر بلوغ المناعة الجماعية، رغم إقرار إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح، لاسيما إذا علمنا بحقيقة التقصير الذي يمكن أن يصاحب التفعيل العملي لهذا الإجراء والأثر السلبي المحتمل نتيجة وجود فئات واسعة غير ملقحة، وقد لا تحتاج أصلا لما يجبرها على الحصول على جواز التلقيح. وفي كل الأحول، فإنه من الطبيعي أن يثير تفعيل إجبارية الإدلاء بجواز التلقيح عدة إشكالات قانونية وتنظيمية مشروعة، في ظل عدم سن إجبارية التلقيح في حد ذاته، فضلا عن استحالة إنكار الصعوبات العملية التي تصادف تنزيل هذا الإجراء الاحترازي العمومي الجديد وتعزيز فعاليته، مما يفتح آفاق أخرى للتفكير في إمكانية عقلنته واعتماد وسائل أكثر نجاعة لبلوغ المناعة الصحية الجماعية وتحصين البلاد والعباد من كل المخاطر المحتملة لعودة تفشي الوباء. حسن أهويو- باحث في القانون الدستوري والبرلماني