مرة أخرى، عادت تفاصيل التفجيرات الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ المغرب، المتعلقة ب16 ماي 2003، للظهور أمام غرفة الجنايات الاستئنافية لدى محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، إثر محاكمة أحد العقول المدبرة للهجمات الإرهابية في الدارالبيضاء المنتمي لتنظيم "القاعدة"، الذي ظل مختفيا عن الأنظار طيلة 17 سنة، حيث يقيم في الدانمارك لثلاثة عقود، قبل اعتقاله وتسليمه للمغرب لوجود مذكرة بحث دولية في حقه، في إطار التعاون القضائي الدولي. وانطلقت محاكمة أحد أكبر المؤثرين والمخططين للتفجيرات الإرهابية التي شهدتها الدارالبيضاء في شقها الاستئنافي، بعدما سبق لغرفة الجنايات الابتدائية برئاسة القاضي حسن عجمي أن حكمت عليه بالإعدام، لتورطه في جرائم ثقيلة جدا، أهمها تفجيرات 16 ماي التي أوقعت 45 قتيلا في مواقع مختلفة، ضمنهم 12 انتحاريا في أقوى هجمة إرهابية تعرض لها المغرب، وكانت سببا في إصدار قانون مكافحة الإرهاب، وإنشاء محكمة جرائم الإرهاب بملحقة سلا التابعة لمحكمة الاستئناف بالرباط، التي اختصت في جرائم الإرهاب، حيث أدرجت فيها عشرات الملفات ذات الطابع الإرهابي بمختلف الدرجات. وأصدرت السلطات المغربية مذكرة بحث دولية في حق العقل المدبر لتفجيرات 16 ماي 2002، أي قبل الأحداث الإرهابية التاريخية، لتورطه في قضايا إجرامية ذات طابع إرهابي كذلك، وملفات كانت أرضية خصبة نشأت عنها التفجيرات الإرهابية، كخلية "أمير الدم"، وغيرها التي قامت خلالها خلايا متطرفة تنتمي إلى جماعات سلفية جهادية تكفيرية بعمليات قتل وترهيب، جرى اعتقال بعض منها ومحاكمتها، حيث صدرت عقوبات الإعدام في حق أغلب المنتمين إليها بالنظر لخطورة الأعمال التي كانوا يقومون بها، والأفكار المتطرفة المتشبعين بها. وحسب مجريات القضية، فإن المتهم البالغ حاليا 60 سنة، كان على صلة دائمة بالمجموعات المتطرفة، وكان يمدها بمجلات وكتب ذات أفكار عدوانية، كما كان يقدم لهم دعما لوجيستيكيا، انطلاقا من كونه بائع كتب بضواحي العاصمة الدانماركية كوبنهاجن، إذ استمر في نسقه رغم سقوط الشبكات الكبرى واعتقال أغلب عناصرها، وأخطرها شبكة "أمير الدم"، الذي كان يصدر أحكاما بالإعدام في حق بعض المواطنين ضمنهم أقرباؤه، وينفذها بكل وحشية. وحسب مصادر "أخبار اليوم"، فإن المتهم كان دائم التواصل مع منفذي هجمات 16 ماي بالدارالبيضاء في المواقع المختلفة بالعاصمة الاقتصادية في أكثر المشاهد دموية في تاريخ المغرب، وبينت التحقيقات ضلوعه في الهجمات المذكورة، حيث كان يخطط للأعمال الإرهابية انطلاقا من تواجده بالأراضي الدانماركية، وظل مبحوثا عنه خصوصا بعد ورود اسمه في مجموعة من التحقيقات التي أشرفت عليها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. وبعد اعتقاله من طرف السلطات الدانماركية، التي جردته من جنسيتها، وتسليمه للمغرب، إثر مفاوضات بين الطرفين بخصوص الرعايا المتشبعين بالأفكار المتطرفة، قرر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف في الرباط إعادة الملف إلى عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي عمقت البحث معه، قبل أن يحال على الوكيل العام باستئنافية الدارالبيضاء، وتنطلق فصول محاكمة مؤجلة منذ أزيد من 17 سنة، بعد حصول أغلب المتورطين معه في الأعمال الإرهابية على أحكام بالإعدام، وهو الحكم الذي تحصل عليه بدوره في الملف الذي انطلقت أطوار شقه الاستئنافي، لتعيد فتح الجراح التي لم تندمل في قلوب المغاربة منذ أحداث 16 ماي 2003.