بعد خمسة أيام طوال من الإثارة والتشويق والكثير من الضجيج، حُسمت معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، زوال يوم أول أمس السبت، لصالح المرشح الديمقراطي، جو بايدن (77 عاما)، على حساب الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب (74 عاما)، معلنة بذلك نهاية أربع سنوات من الفوضى بسبب السياسات الداخلية والخارجية لترامب، والتي كان لها وقع سلبي وكارثي ليس فقط، على أمريكا، بل العالم برمته. لكن خسارة ترامب للمعركة الرئاسية لا تعني خسارته للحرب التي أعلنها على الديمقراطية منذ أربع سنوات، بحيث أن الرجل يرفض الاعتراف بفوز بادين، ويصر على الحسم القضائي، وهو الشيء الذي أضر بالديمقراطية الأمريكية، خاصة وأن الحزب الجمهوري في صيغته الحالية أصبح أكثر تشددا. هذا الخوف هو الذي عبر عنه بول كرومان، الباحث الأمريكي المرموق في مقال له في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، يوم الجمعة المنصرم، قائلا: "رغم الانتصار الواضح للمرشح الديمقراطي، لازالت الجمهورية الأمريكية في خطر كبير". مع ذلك، فإن ارتياح جل المغاربة لفوز جون بايدن، الرئيس المنتخب ال46 في تاريخ أمريكا، على ترامب، أول رئيس أمريكي يخسر الولاية الثانية منذ ربع قرن، لا يعني أنه الخيار الأفضل والأفيد للمصالح الجيو استراتيجية والاقتصادية والدبلوماسية للمغرب، بحكم أن التجربة علمتنا أن المغرب يواجه عراقيل في فترات حكم الديمقراطيين بسبب طرح بعض المقربين منهم ملف حقوق الإنسان، ولو أن التجربة تؤكد، أيضا، أن المغرب لديه أصدقاء كثيرون في الحزب الديمقراطي، وعلى رأسهم هيلاري كلينتون، وربما قد يكون المغرب يعول بشكل كبير على التحاق مقربين من كلينتون بالفريق الذي سيشتغل مع بايدن. في المقابل، فإن العلاقات الجيدة التي طبعت على العموم العلاقات المغربية الأمريكية خلال فترة ولاية ترامب، لا تعني أنها كانت ستتواصل لو بقي في الحكم، خاصة وأن بعض الخبراء كانوا يتخوفون من أن يضغط ترامب في حالة فوزه على المغرب للتطبيع مع إسرائيل، مقابل الاعتراف بمغربية الصحراء. ومهما يكون موقف إدارة بايدن من المغرب في السنوات الأربع المقبلة، إلا أن فوزه ولد ارتياحا لديه. انتخابات تاريخية يجمع المراقبون والمتتبعون للانتخابات الأمريكية المنعقدة يوم الثلاثاء الماضي أنها كانت "استثنائية بامتياز"، حيث ساد فيها التقاطب والمواجهة والتوتر والتشكيك في نزاهة الانتخابات من قبل الرئيس المنتهية ولايته. وفي النهاية خسر مرشح "التشكيك والتهديد" وانتصر مرشح "الوحدة والمصالحة". وإذا كان الأمريكيون ربحوا رئيسا منتخبا مخضرما ومتمرسا ومعتدلا، فإنهم ربحوا كذلك معركة التعددية والمساواة، بحيث أنه لأول تصل امرأة إلى منصب "نائب الرئيس" في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي كامالا هاريس ( 56 عاما)، العضو في مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي بولاية كاليفورنيا. ومما زاد هذه الانتخابات استثنائية هي أن نائبة الرئيس تنحدر من المهاجرين الذين ساهموا بشكل كبير في فوز بايدن. فالوالد كامالا ينحدر من دولة جمايكا، بينما والدتها تنحدر من الهند. وربما قد تكون هذه المحامية والسياسية المحنكة المرشح المقبلة للحزب الديمقراطي للرآسيات سنة 2024، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار السن المتقدمة لبايدن، والفئات الاجتماعية التي حسمت الانتخابات لصالح بايدن وكامالا: النساء، والشباب، والمهاجرون والأقليات، وحتى الجمهوريون المهمشون والمعارضون لسياسات ترامب القائمة على الفوضى. وعلى غرار طعن ترامب في نتائج الانتخابات، لن تكون المهمة الجديدة للساكن الجديد للبيت الأبيض ابتداء من 20 يناير المقبل مفروشة بالورود، بحيث أنه مطالب في سن ال78 عاما بأن يؤكد للأمريكيين والعالم أنه قادر على الحكم، لا سيما أنه شيخ رؤساء أمريكا؛ وبأن يعمل على لم شمل وتوحيد الأمريكيين الذين قسمهم ترامب المتشبع بسياسة فرق تسد؛ وبأن ينعش الاقتصاد الأمريكي الذي تضرر كثيرا بسبب التداعيات القاسية لفيروس كورونا المستجد والسياسة الحمائية الترامبية؛ وبأن يواجه الخطر البيئي في أمريكا والعالم؛ وبأن يعيد بلاد العم سام إلى واجهة الساحة الدولية بعدما توارت إلى الخلف في عهد ترامب الذي كان يركز كثيرا على المال والأرباح والبنزنس، متجاهلا مكانة أمريكا، بل أكثر من ذلك هاجم بعض حلفائه التقليديين مثل الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا، في المقابل تقرب من رؤساء وبلدان مثيرة للجدل مثل روسيا وكوريا الجنوبية والسعودية. هذه التحديات التي تواجه بايدن وكامالا لخصها بول كرومان قائلا: "لازلنا نواجه مشكلا جديا. فهزيمة (ترامب) قد تعني، في الوقت الراهن، أننا قد تجنبنا السقوط في الاستبداد؛ نعم، فالأخطار مهولة فعلا، ليس لأن الأمر يتعلق بترامب، بل، أيضا، لأن الحزب الجمهوري الحديث أصبح متشددا ومعاديا للديمقراطية". وتابع أن حزب ترامب، بفضل النظام الانتخابي الأمريكي في صيغته الحالية، "لازال في وضع يسمح له بتقييد أو ربما شل قدرات الرئيس المقبل في مواجهة المشاكل الوبائية والاقتصادية والبيئية الهائلة التي نواجهها". وردا على تخوف البعض من سقوط أمريكا في الفوضى في ظل الانقسام الحاصل في المجتمع، توعد بايدن في خطابه فجر أمس الأحد بعد ضمانه الفوز ببدء مرحلة جديدة، قائلا: "دقت ساعة خفض درجة الحرارة واندمال الجروح. لن ننظر إلى معارضينا كخصوم. هم ليسوا خصومنا، بل أمريكيون". واستطرد قائلا: "لن أكون رئيسا يقسم، بل يوحد الأمريكيين.. سأعمل بكل جهد من أجل الذين لم يصوتوا علي كما الذين صوتوا علي". في المقابل، رفض ترامب نتائج الانتخابات، وتوعد بمواصلة المعركة قضائيا، قائلا: "الأصوات القانونية هي من تقرر الفائز، وليس وسائل الإعلام". ولازال ترامب يردد قائلا: "لقد فزت بفارق كبير في هذه الانتخابات". وكان ترامب قبل وبعد الانتخابات يرفض التصويت عبر البريد الإلكتروني ويعتقد أنه يصب في صالح الديمقراطيين، لهذا يعتبر كل الأصوات المعبر عنها إلكترونيا أصواتا "غير قانونية"، وعلى ما يبدو فإن التصويت الإلكتروني كان حاسما في ترجيح كافة بايدن في بعض "ولايات الموت" مثل بنسيلفانيا التي منحت بايدن 20 مقعدا. وإلى حدود ظهيرة يوم أمس تأكد حصول بايدن على 279 مقعدا نيابيا في مجلس الشيوخ من أصل 438 مقعدا في المجمع الانتخابي، أي أنه تجاوز العدد (270) المطلوب للحصول على الأغلبية، بحكم أن الفائز يحتاج إلى 270 مقعدا (مندوبا) من أصل 538 مقعدا. فيما حصل ترامب مؤقتا على 214 مقعدا. وقد حصل بايدن على 50.6 في المائة من أصوات الناخبين (أي 75 مليون صوت)، بينما حصل ترامب على 47.7 في المائة من الأصوات، أي 70.8 مليون صوت. وحتى في حالة فوز بايدن، فإن فرص الديمقراطيين في الفوز بأغلبية في مجلس الشيوخ تراجعت بشكل كبير بعد انتخاب اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين الذين أظهرت استطلاعات الرأي أنهم قد يواجهون صعوبة في الفوز، وفق وكالة الأنباء الفرنسية. وعلى مستوى "ولايات الموت"، يلاحظ أن ترامب فاز بأربع ولايات (فلوريدا وأيوا وأوهايو وتيكساس، ويتجه للفوز في كارولينا الشمالية)، في حين فاز بايدن في ميشيغن ونيبادا وبنسيلفانيا وويسكونسن). المغرب وبايدن من المؤكد أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة مع بايدن وكامالا ستكون مختلفة عن تلك التي تبناها ترامب، لكن من المرجح أن لا تتغير كثيرا مع المغرب، باستثناء بعض "الإزعاج" الذي قد يتسبب فيه الجناح الديمقراطي اليساري والمقرب من مؤسسة "روبرت كينيدي لحقوق الإنسان"، والتي تعتبر أكبر لوبي يدافع عن أطروحة جبهة البوليساريو في الكونغرس الأمريكي. هذه المؤسسة التي لا تكن ودا للمغرب، تواصل الضغط على الكونغرس الأمريكي لدفعه إلى الضغط، بدوره، على الإدارة الأمريكية لتوسيع مهام بعثة "المينورسو" لتشمل حقوق الإنسان في الصحراء المغربية، رغم أن تقارير الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن كانت واضحة بهذا الخصوص بالتأكيد على أن مهمة البعثة تقتصر فقط، على السهر على احترام أطراف النزاع لاتفاق وقف إطلاق النار والاتفاق العسكري رقم واحد وعدم تغيير الوضع القائم في المنطقة العازلة وعدم عرقلة حركة السير المدنية والتجارية في معبر الكركرات الدولي الحدودي بين المغرب وموريتانيا. ويبقى التعاون والتنسيق الأمني والعسكري هو الأبرز في العلاقات الثنائية بين البلدين، والذي يبقى ثابتا رغم تغير الحكومات. عبدالرحمان المكاوي، الخبير المغربي في الشؤون العسكرية والأمنية، أوضح ل"أخبار اليوم" أن "المغرب بلد حليف استراتيجي للولايات المتحدةالأمريكية والحلف الأطلسي (الناتو)، ولديه علاقات مع المؤسسات الأمريكية المرتبطة بالدفاع والأمن، لهذا فالعلاقات الأمنية والعسكرية لن تتغير، فالاتفاقيات المبرمة سابقا أو المبرمجة في المستقبل لن يقع عليها أي تغيير، لأن المغرب يبقى دائما تلك الدولة الحليفة والصديقة لواشنطن". ويرى المكاوي أن بايدن "قد تصادفه بعض العقبات من الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي، إلا أنه رجل براغماتي وكثير من عناصر أوباما أو كلينتون سوف يلتحقون بالبيت الأبيض، وبالتالي لن يطرأ على العلاقات المغربية الأمريكية أي جديد، اللهم بعض الإزعاجات التي قد تحدثها العناصر اليسارية في الحزب الديمقراطي، ولكن أعتقد أن المغرب بسياسته المحافظة على حقوق الإنسان قد أغلق هذا الباب بصفة نهائية". كما أن المغرب قد يواجه متاعب مع الإعلام الأمريكي بخصوص ملف حقوق الإنسان الذي كان مهمشا من قبل إدارة ترامب، إذ إن 70 في المائة من الإعلام الأمريكي هو ليبرالي وقريب من الديمقراطيين. ومع ذلك لا يعطي المكاوي أهمية كبيرة لهذا المعطى، قائلا: "لا أعتقد أن هذا المعطى الإعلامي سيكون له دور في العلاقات المغربية الأمريكية". الصحافي الفرنسي، برتراند دي لا جرانج، أوضح ل"أخبار اليوم" قائلا: "يلاحظ أن هناك إرادة أمريكية لنسج علاقات جيدة مع المغرب، ويمكنني القول إن هذا العلاقة لا علاقة لها بالحزب السياسي الحاكم، بل بالرؤية الحزبية الأمريكية إلى الخارج، والتي لا تتغير بتغير الحزب الحاكم". وتابع أنه يمكن أن تكون هناك تفاصيل صغيرة، لكن بشكل عام، إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر المغرب بلدا مهما، لأنه مستقر ولديه موقع جيوسياسي موات ومهم جدا لأمريكا في ظل ما يجري المحيط الإفريقي، فإنه سواء فإن السياسة الأمريكية مع بايدن ستكون متشابهة إلى حد ما مع سياسة ترامب. تاج الدين الحسيني، باحث مغربي في العلاقات الدولية، قال للجريدة إن المغرب يعتبر حليفا استراتيجيا خارج الحلف الأطلسي، يجري مناورات عسكرية قوية في البحر المتوسط وفي إطار "أفريكوم"، حيث يعتبر المغرب طرفا أساسيا، ويرى أن العلاقات بين البلدين متغيرة وثابتة في آن واحد بغض النظر عن الحزب الحاكم.