على الدولة المغربية أن تكون حاسمة في سياستها الخارجية، وفي اختياراتها الدبلوماسية مع محيطها الدولي، أخذا بعين الاعتبار مصالح أمنها القومي بمفهومه الواسع. في عالم اليوم، لم يعد مقبولا بناء سياسات خارجية هجينة، أو قائمة على أساس الترضيات الدولية، تحت أي وازع كان لأن الأصل في العلاقات الدولية هو تحقيق المصالح العليا للبلد. نحن في أمس الحاجة كدولة مغربية، إلى سياسة خارجية واقعية، تخدم مصالح البلد العليا، ومصالح المجتمع أيضا، بعيدا عن الصراعات الإيديولوجية، والدينية، والعرقية. العواطف في مجال السياسة الدولية، لا تصنع أي مستقبل، بالنظر إلى عدد من المتغيرات الدولية، التي شهدها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. هناك تحولات متسارعة على المستوى الوطني، والإقليمي، والدولي، أصبحت تفرض نفسها، وتدفع صانع القرار السياسي في المغرب، إلى صنع سياسة خارجية تخدم مستقبل الأجيال القادمة، وتخرج الدولة من بوتقة الماضي. التاريخ كما قال هيغل، متحرك، والسياسة الخارجية للدولة، ينبغي أن تكون بدورها متحركة، وتراعي أهداف الأمن القومي للبلد، في كل أبعاده الأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، عوض أن تظل رهينة عوامل أخرى. يتعين على الدولة المغربية في خضم التحولات الكبيرة التي تقع في محيطها الدولي والإقليمي، أن تحمي مصالحها ومصالح شعبها، قبل أن تفكر في حماية مصالح دول وشعوب أخرى. لهذا، فإن السلطة السياسية المؤتمنة على حماية المصالح العليا للبلد، وعلى صيانة حقوق المواطنين، أصبحت مطالبة بالقطع مع السياسات القائمة على منطق الترضيات، والتي لا يجني منها المغرب، أي مصلحة تعود بالنفع على أمنه القومي، وعلى شعبه الذي أصبح عرضة لتأثيرات القوى الخارجية للأسف الشديد! وفي إطار التكاملية بين سياسة الدولة على المستوى الخارجي، وحاجيات المجتمع الداخلية، فقد أصبح هذا الأخير، بكل مكوناته، مطالبا اليوم أكثر من أي وقت مضى، بضرورة تغيير نظاراته التي ينظر بها للواقع، وعليه أن يستوعب بأن مصالح المغرب هي الأولى، وبأن الحماسة والعاطفة، لا تبني مستقبل الأجيال القادمة بهذا الوطن. تحليلي لعدد من المؤشرات التي طفت على سطح العلاقات الدولية مؤخرا، يقول بأن حسم مستقبل العلاقات المغربية الإسرائيلية (حتى لا أقول تطبيع لأن العلاقات قائمة وتتخذ عدة أشكال مند زمان)، يبقى مسألة وقت فقط، رغم ما قيل من تصريحات، وأن الأمر مرتبط بأمرين لا ثالث لهما: نتائج الانتخابات الرئاسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية من جهة، ونتائج الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في المغرب، من جهة أخرى. مجال السياسة الخارجية مجال محفوظ لرئيس الدولة، وأهداف السياسة الخارجية لأي بلد لها محددات خاصة، تضع على رأس أولوياتها، مسألة الأمن القومي للبلد! العلاقات الدولية تقوم على أساس المصالح بالدرجة الأولى، وعلى أساس موازين القوى في المقام الثاني. ومن هذا المنطلق فلا مجال للعواطف في تدبير السياسة الخارجية للدولة المغربية، في علاقتها بمحيطها الدولي. أمريكا من أكبر الدول الداعمة لإسرائيل، وأغلب الدول تربطها علاقات دبلوماسية معها، وهذا الأمر في حد ذاته، يطرح تناقض كبير لدى الدول التي ترفض التطبيع مع إسرائيل، بحجة أنها كيان محتل للأرض الفلسطينية، وتقبل في نفس الوقت بنسج علاقات مع الراعي الأول لها على المستوى الأممي والدولي؟ "اللي بغا سيدي علي يبغيه بقلالشو"، هذا هو منطق الإدارة الأمريكية حاليا. من يريد أمريكا عليه أن يقبل بإسرائيل، ومن يرفض هذه الأخيرة، فلا مستقبل له مع أمريكا. لا أقول هذا الكلام، من باب الاستعداد النفسي لما يمكن أن يأتي في المستقبل من قرارات قد تكون مفاجئة للبعض، ولكن من موقع الباحث في العلاقات الدولية، دائما ما أنطلق في تحليلي للشأن الدولي، من واقع السياسة الدولية في ظل عدد من المتغيرات المتسارعة، وأتعامل مع الوضع الدولي وفق ما هو كائن، وليس وفق ما ينبغي أن يكون. موقفي بخصوص القضية الفلسطينية ثابت، وهو أن الحل ينبغي أن يكون فلسطينيا إسرائيليا، وفي إطار أممي، ووفق قواعد القانون الدولي، ومبدأ السيادة، يفرض على الجميع احترام قرارات الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة السابعة من ميثاق الأممالمتحدة. أما أطروحة الصراع العربي الإسرائيلي، فلم يعد لها أي معنى حاليا، وواقع جامعة الدول العربية، يثبت بشكل ملموس، حالة التشرذم، التي أصبحت تشكل السمة البارزة لهذا الكيان الوحدوي، الذي تحول إلى جسد بدون روح! أعتقد بأن عوامل القومية، والعروبة، والإسلام، لم تعد محددات رئيسة في صناعة السياسة الخارجية لعدد مهم من الدول في الظرف الراهن، ويكفي فقط، تأمل علاقة تركيا بإسرائيل، لأخذ الكثير من الدروس والعبر، حول كيف تحمي هذه الدولة أمنها القومي؟ وكيف تخدم مصالح شعبها من أجل غد أفضل للأجيال القادمة؟