ينتقد القيادي في حزب الاستقلال، امحمد الخليفة، بشدة تصريحات الرئيس الفرنسي حيال الإسلام والمسلمين،واعتبرها مناقضة لكل القيم بما في ذلك القيم التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية. وأعرب الخليفة في حوار مع موقع«عربي 21»، عن أسفه للجوء ماكرون إلى أسلوب مهاجمة الإسلام والمسلمين واستخدام ذلك كورقة سياسية استعداداللانتخابات المقبلة، مؤكدا أن المسلمين الذين يعيشون في فرنسا لم يكونوا عبئا على فرنسا، بل كانوا جزءا من بنائها. كيف تقرأ أولا تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول الإسلام والمسلمين؟ بكل أسف السيد ماكرون في مواقفه الأخيرة يبدو أنه يبتعد تمام الابتعاد عن العقيدة التي تنهجها فرنسا، وهي العقيدةالعلمانية، بكل أبعادها وبكل ما وصلت إليه عبر حقب طويلة من الزمان. السيد ماكرون يخوض اليوم معركة خاسرة الآن، وخاسرة في المستقبل كذلك. وبكل أسف، فإنه بموقفه هذا لا يعبر عمايؤمن به الشعب الفرنسي، الذي هو مثل كل شعوب العالم يؤمن بالعدل والحرية والمساواة. ويكفي أن نعرف أن الشعبالفرنسي قام بثورة شهيرة عام 1789، والقيم التي دافع عنها هذا الشعب بكل أسف لا يمثلها السيد ماكرون اليوم. ويمكنني أن أقول بعبارة أكثر وضوحا إنه بكل أسف إذا كان الشعب الفرنسي على ما وصفت، فإن الحكام الفرنسيين عبرالتاريخ، إلا من استثني، وهم قلة، دائما كانت لهم نزعة استعمارية مغالية، وكانوا حاقدين على الإسلام وعلى قتل الشعوبوإخماد الثورات.. للأسف هذا تاريخ الحكام الفرنسيين. والسيد ماكرون يصنف نفسه ضمن هؤلاء الحكام، وما يقوم بهاليوم من عداء للإسلام في دولة تضم ملايين المسلمين، ينبئ بأن السيد ماكرون لا يؤمن لا بالعدل ولا بالمساواة، ولا بالقيمالتي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية. ولعل السيد ماكرون يريد أن يصنف نفسه، في الخانة التي صنّف فيها أعداء الإسلام من حكام فرنسا، كمثل سان لويعلى سبيل المثال.. ومع كل أسف، فإن ماكرون اليوم، إنما ينفذ جزءا من وصية سان لوي، هذه هي الحقيقة، لأن سان لويعندما انهزم هزيمته الشنعاء بدمياط في مصر وهو في طريقه إلى احتلال القدس، وخسر في هذه المعركة 30 ألفمواطن فرنسي، وعلى رأسهم شقيق الملك سان لوي التاسع نفسه، عندما رجع وهو منهزم ومنكسر وأدى تلك الفدية الكبيرةللخزينة المصرية من أجل إطلاق سراحه جمع كل المتطرفين من المسيحيين، وقال لهم: اليوم، لا يمكن لكم ولا لجيل آخر أنيعتبر بأنه يمكن له احتلال بلاد المسلمين مادام فيه شيء اسمه كتابهم المقدس، الذي هو القرآن، وبالتالي، علينا أن نبتكرأساليب أخرى من أجل احتلال المسلمين، والأمر يطول وهناك ستة مبادئ وضعها وهي للأسف تنفذ على الأرض، وجرىتنفيذ جزء كبير منها بداية من القرن الماضي. إذن، ماكرون ليس استثناءً من هؤلاء الرؤساء الفرنسيين اليوم، وبكل أسف في القرن الوحد والعشرين تجد فرنسا رئيسالها يعادي جزءا من شعبه.. هؤلاء المسلمون الموجودون في فرنسا كيف أتوا إليها؟ لقد جاء المسلمون بداية من أجل تحرير فرنسا، ولولا تضحياتهم بأرواحهم لكانت فرنسا اليوم تتكلم الألمانية، وبفضلالمسلمين الذين أتوا من تشاد ومالي ومن المغرب والجزائر وتونس ومن كل بلاد المسلمين في إفريقيا وغيرها منالمستعمرات الفرنسية، هم الذين حرروا فرنسا، وهذا باعتراف رئيس فرنسي في العصر الحديث لم تكن أخلاقه مثلأخلاق ماكرون هو الجنرال ديغول، الذي اعترف في كثير من المواقع بهذا.. وبالتالي، هؤلاء ليسوا شيئا طارئا علىفرنسا.. والشباب الذي دخل إلى فرنسا بما في ذلك الذين استعملوا قوارب الموت، هؤلاء كلهم إنما تبعوا ما سمعوه عنفرنسا في بلادهم من عدل ومساواة وحرية، والحقيقة التي يجب أن تقال إنهم تبعوا ثرواتهم المسروقة من بلادهم والتي بهااغتنت فرنسا.. هذا هو الجيل الآخر.. والمسلمون الموجودون في فرنسا هم كفاءات وأطر.. الشعب العربي المسلم أدى ثمن الدراسة في كل المراحل التعليمية،وعندما ذهبوا إلى فرنسا احتفظت بهم من أجل أن تدعم مستقبلها العلمي والفكري والصحي والاقتصادي والاجتماعي.. هؤلاء هم المسلمون في فرنسا.. التطرف لا يوجد في الإسلام، التطرف يوجد في فكر المتطرفين، وبكل أسف أستطيع أن أقول بأن ماكرون اليوم يُصنّففي خانة المتطرفين، لأنني لا أعرف في التاريخ الفرنسي أن رئيسا فرنسيا خطب لمدة ساعة وسط شعبه وبكل الوسائلالمتاحة اليوم للهجوم على الإسلام، هذا هو التطرف بعينه. والتطرف موجود في فرنسا اليوم بعد هزيمة ماكرون من طرف السترات الصفر، وهو يريد أن يصرف حقده على فشله،والذي لم تطاوعه فيه حتى عادية الزمان وفي مقدمتها كورونا، يريد أن يصرف حقده على المسلمين، هذا شيء لا يمكنقبوله، ومادام يصر على هذا الموقف، فإنه لم يفهم لا ثقافة الكاريكاتير ولا الثقافة الدينية ولم يفهم شيئا عن الإسلام الذييحاربه ولا سر قوته، ولا يعرف المسيحية التي أتى بها سيدنا عيسى عليه السلام. هل يمثل الشاب الشيشاني الذي قام بجريمة القتل مسلمي فرنسا؟ قبل كل شيء هذا المعلم الذي قُتل، وقيل لنا إنه جرى قطع رأسه هو مات مقتولا غدرا، في الشريعة الإسلامية وفي الإسلاملا يجوز إزهاق النفس ولا إزهاق الروح لأي بشر ولأي شيء ذي روح، فبالأحرى القتل والتمثيل.. هذا شيء مدان منالإسلام، ولكن الركوب على هذه الجريمة الشنعاء التي يستنكرها كل إنسان لا تبيح أبدا للسيد ماكرون أن يركب عليها. والحقيقة أن هذا المعلم الذي قتل غدرا سبب قتله ودمه في عنق ماكرون، لأن هذا الأخير هو الذي جاء لكي يهاجم الإسلاملمدة ساعة في كل أجهزة الإعلام في الدنيا.. بطبيعة الحال سيكون هناك متطرف، لأننا حوالي ملياري مسلم، وإذا كانواحد منا تفكيره وتكوينه وأسلوبه في الحياة لم يعرف كيف يرد على ماكرون وذهب إلى هذه الوحشية، فهذا لا يمثل لا قيمالإسلام ولا أخلاق الإسلام، على الشرطة أن تعتقله وعلى القضاء أن يحاكمه، فإن ثبتت في حقه الجريمة، فليتم إعدامهإذا كانت القوانين الفرنسية تسمح بذلك.. أما أنه يؤاخذ مليارين من البشر بتصرف إنسان تصرف ضد قيم الإسلام، فهذالا يمكن لأي ذي عقل، فبالأحرى إنسان يحكم شعبا مثل الشعب الفرنسي أن ينسبه إليه. إن التطرف في كلمة السيدماكرون هو التطرف الذي صنع الآخر الذي أجهز على ذلك البريء. كيف تفسر قتل المتطرف وعدم إلقاء القبض عليه لمعرفة حقيقته وحقيقة الفكر الذي صنع منه مجرما وحشيا بتلك الطريقة؟ الإسلام أوضح طريقة القصاص، هذا القاتل الذي نفذ جريمة قتل الأستاذ لا يعرف قيم الإسلام، ولكن فرنسا دولة الحقوالقانون لا يمكنها أن تقتل شخصا من دون أن يمر أمام القضاء.. ومن الواجب أن يتم القصاص من هذا الجاني بأقصىما يمكن، حتى يكون عبرة لغيره.. أما قتله، فهو فضلا عن أنه غيّب الحقيقة، فهو أيضا يتناقض كما أشرت مع القيم التيقامت عليها الحضارة الفرنسية. ألم يكن بإمكان التحقيقات الأمنية أن تكشف معلومات تساعد في تجفيف ينابيع التطرف؟ لا أريد أن أتهم النوايا، ولا أن أتهم أحدا، ولكن سؤالك له وجاهته، وبالتالي، العدل لا يمكن أبدا أن يتم إلا عن طريقالقضاء، ولو جرى العدل عن طريق القضاء، كان يمكن أن نخلص إلى أن هذا هو القاتل وأن الإسلام بريء من فعلته، أوأنه غير قاتل، وإنما تم تقديمه كضحية.. صاحب الكلمة وقتها هو القضاء.. جريمة القتل هي أبشع جريمة في الإسلام، لايوجد شيء يشبه القتل في الإسلام إلا الحرابة، قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، هذا من القيم الإسلامية الثابتة، ولايمكن لمسلم أن يقتل نفسا بشرية.. ولكن مع ذلك فإن الواقع هو الذي كان، وكثير من منعرجات التاريخ تسبب فيها إخفاءالحقيقة. كيف تنظر إلى ردود فعل قادة العالم الإسلامي على هجوم ماكرون على الإسلام؟ المس بقدسية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليس شأنا حكوميا أو رئاسيا، بل هو شأن كل مسلم، لأنه في كل تراثناوفي قرآننا علينا أن نعزر رسول الله ونوقره، هذه مهمة كل مسلم، فلهذا علينا أن نأخذ بالجانب الإيجابي، وأن هذا الغضبالعارم الذي يعم كل المسلمين من أقصى إندونيسيا إلى أقصى المغرب، هذا الشعور الإسلامي، هذه المبادراتوالاحتجاجات، هذا الإحساس بالمهانة في ذكرى مولد نبينا عليه الصلاة والسلام يجاهر رئيس دولة مثل فرنسا بكل هذاالعداء للإسلام، هذا هو الأساس، هو ما يقوم به كل مسلم لرد الأمر إلى نصابه. وهناك بوارق أمل، فما يقوم به السيد أردوغان جزاه الله خيرا عن الإسلام، هذا شيء يسجل في صحيفته مثل أي مسلم،وأعتقد بأن ماكرون، جر من ورائه كثيرا من الخيبات، وفي اعتقاده أن الذي جره إلى هذه الخيبات هو السيد أردوغانوخلط بين أردوغان وبين الإسلام. أردوغان لم يترك لماكرون مجالا في شرق المتوسط، ولا في ليبيا ونحن نعرف من قامبتصفية القذافي، ونعرف بأن أردوغان لم يترك لماكرون مجالا في أذربيجان، كما لم يترك له مجالا في لبنان، ولذلك ربماذهب تفكيره إلى أن الهجوم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو هجوم على أردوغان، وبالتالي، حتى مقولةأردوغان يجب أن نأخذها في إطارها السياسي، ورغبة فرنسا في أن تلعب دورا في قضايا عالمية على نحو أكبر منحجمها.. فرنسا لا تريد أن تفهم بأن لبنان اليوم ليس هو لبنان الذي قسمه الفرنسيون والإنجليز في الاتفاقية الشهيرة، هذا لبنانآخر مرت منه الدولة العثمانية وتركت في بيروت آثارها العظمى التي استغلتها فرنسا وجعلت منها بلدية وبرلمانا ومقراللرئاسة.. أعتقد أن على السيد ماكرون أن يتدبر الأمور بشكل أكبر، ويعرف أنه يقود شعبا عظيما مثل الشعب الفرنسي،لا يجب عليه أن يخلط بين الطموحات الشخصية الهوجاء، وبين مقارعة الحق الذي هو واضح. ليس أردوغان وحده من دافع عن رسول الله، فالمغرب، كذلك، أصدر بلاغا مهما جدا، من وزارة الخارجية يستنكر استنكاراكبيرا كل ما يمس بقدسية النبي، وكذلك لاحظنا باكستان اليوم، التي أبلغت السفير الفرنسي لديها احتجاجها الصارم.. وأول الغيث قطرة ثم ينهمر.. لكن نرجو أن تتغلب الحكمة وأن يعود ماكرون إلى رشده وأن يقرأ على الأقل التاريخ الحديثالماثل أمامه، يقرأ صورة تلك السيدة التي ذهب إلى المطار ليستقبلها كمسيحية، فيفاجأ بأنها مسلمة، يقرأ كل ما كتبه إليهذلك الإنسان الذي كان يشوه الإسلام في هولندا والله هداه بعد ذلك.. هناك كتاب عرب يحسبون على أنظمة عربية معروفة يقولون بأن ماكرون لم يهاجم الإسلام، بل هاجم الإسلاموية.. كيفتقرأ هذا الموقف؟ لا يجب أن نأخذ الأمور على ظواهرها، أنا شخصيا ضد قيام حرب دينية، أنا ضد الحروب الدينية، وموقفي مما وقعللإسلام سواء من الشرق عندما هوجم من التتار أو من الغرب عندما جندت أوروبا قواتها من أجل احتلال القدس.. أناأعتبر أن هذا زمن مضى، وأرجو من المفكرين والكتاب المسلمين ومن كل فكر نير في العالم ألا ينحت شيئا من الإسلاميسميه الإسلاموية، ليبحثوا عن شيء آخر لتسمية هؤلاء المتطرفين إذا لم يكن وصف التطرف كافيا.. إن الغرب ودهاةالمسيحية يتصرفون بأسلوبين: عندما يقوم مسيحي بقتل المسلمين لا توصف ديانته، وإنما يقولون بأنه مريض نفسي أومتطرف قتل المسلمين، وانتهى الأمر ولا يتحدثون عن مسحاوية، ولذلك فأنا منزعج من هذا المصطلح الإسلاموية، لأنهمنحوت من الإسلام.. والذي يقوم بأي عمل متطرف ليس بمسلم.. هل تبرر خصومة بعض الأنظمة العربية مع الإسلاميين تحالفهم مع فرنسا في هذه المعركة؟ في الواقع هذا شيء مضحك ومؤلم، فالذي لا يسمح بالأحزاب والتعددية وتيارات فكرية وسياسية، لا يمكنه أن يحاربأحزابا في دول إسلامية عربية تؤمن بالتعددية وقيم العصر.. بالنسبة إلى الذين تعنيهم، أعتقد بأن المطلوب منهم قبل أيشيء أن يدخلوا إلى العصر وأن تدخل أنظمتهم إلى عصر الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة وتكوين الأحزابوالمجتمع المدني والانتخابات النزيهة.. عندما تقوم هذه الأنظمة على هذا الأساس، وقتها يمكنك أن تطرح علي السؤالوسأجيبك.. أما الذي يعيش بعقلية خارج الزمان كيف تريدني أن أقول له: إن هناك شيئا في العالم غير ما تؤمن به؟ الآن، وبكل أسف ترى أن هذه الأنظمة يهمها شيئان: كيف يمكن لها أن تدعم ترامب للفوز بالانتخابات، وكيف يمكن لها أنتقف مع نتنياهو حتى لا يحاكم.. والآن، تنخرط في الجواب عن السؤال كيف يمكنها أن تجد الطريقة الأنسب من أجل أنتتم إعادة انتخاب ماكرون.. هذا صراع قوي وكبير وله أبعاده السياسية والأخلاقية.. إذا كنا بالفعل مسلمين علينا أن نرجع فقط، إلى أصول الحكم في الإسلام، أما أن نقضي على كل تيار يريد أن يعيد لهذهالأمة الوعي بحقيقة دينها تحت شعار أنهم يستخدمون الدين، فلا أعتقد أن هذا الفكر رشيد يمكن أن تقوم عليه أسس دولةحديثة.. ولينظروا في العالم، وفي ألمانيا تحديدا رئيستها هي رئيسة لحزب مسيحي ولم يقل أحد في أوروبا إن هذاالحزب هو حزب ديني.. إن الذي يتخلى عن أشيائه الصغيرة ويتخلى عن كرامة أمته وعن لغة العصر، ولا يؤمن بالقيم الدينية التي جاء بها ديننا، لايمكن أبدا أن نطلب منه أن يعطينا شيئا أكثر مما هو عليه.. وبالتالي، أعتقد أن مثل هذه المواقف ربما ستعطي إشعاعاوقبسا من نور وسط المجتمعات الإسلامية...