ترقب وانتظار. رعب وتوجس لأسوأ الأقدار الممكنة. جميعها مشاعر امتزجت أمام المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد في الدارالبيضاء، الذي يستقبل يوميا العشرات من المواطنين، ممن ينتظرون تلقف بصيص أخبار تطمئنهم عن أحوال ذويهم المصابين بفيروس "كورونا" المستجد، الذين يتلقون العلاج في قلب هذا المشفى الضخم. الساعة الثانية عشرة تماما، تقف سميرة أمام الباب الحديدي في انتظار سماع خبر يطفئ جمرة اليأس التي سكنت قلبها منذ ثلاثة أيام، ارتأى خلالها الأطباء إدخال زوجها محمد المصاب بفيروس كورونا إلى قسم الإنعاش لتلقي العلاج بعدما اشتد عليه المرض. كل يوم وفي نفس الساعة تأتي إلى أمام المستشفى منذ أن فشل علاجه المنزلي وساءت حالته، ليصبح رقما ضمن تعداد الحالات الخطيرة في بلدنا. تدخلات ليحظى المريض بسرير تقول سميرة إن آخر مرة لمحت فيها زوجها كانت قبل خمسة أيام؛ إذ "ضاق فيها صدره وارتفعت حرارته ولم يكن في وسعه سحب الأوكسجين، فاضطر إلى الانتقال إلى المشفى القريب، أخبرهم أنه مصاب بفيروس كورونا وأحضر معه أدويته وأشياءه، غير أنهم رفضوا استقباله وطالبوه بالعودة إلى المنزل، وهذا ما فعله"، تقول المتحدثة مشيرة إلى أن "هذا المشوار قام به وحيدا على متن سيارة أجرة، بعد أن فشلت جميع محاولاته للاتصال بالسلطات الصحية من أجل التكفل بنقله أو إخباره بما يفعله، وهو في هذه الحالة الصحية المتردية تجنبا لأن يعدي باقي المواطنين". تشرح لنا المتحدثة أن زوجها يشكو من مرض السكري، ولم تكن أعراض كورونا بادية عليه سلفا، قبل أن يخضع للتحاليل المخبرية التي كشفت إصابته بالفيروس اللعين، فحاول مرارا أن يشرح للأطباء بأنه مصاب بمرض مزمن، وهو أيضا ما أظهرته الفحوصات التي أجراها، "غير أنهم طمأنوه أن حالته مستقرة وليس في حاجة إلى التكفل بحالته سريريا، وطالبوه بالبقاء وأخذ الأدوية التي اقتناها، وهي عبارة عن فيتامينات لمدة سبعة أيام، إلى أن ساءت حالته بالبيت في اليوم الثالث، واضطر إلى التنقل بين المشافي لعل وعسى أن يستقبله أحدها، لكن دون جدوى". وانتهى الحال بمحمد ليضمن سريرا في المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد بعد تدخلات عديدة، بحسب زوجته التي أكدت أنها "اضطرت إلى التواصل مع معارفها ومعارف أسرتها من أجل أن يضمن زوجها مكانا ليتلقى العلاج في المشفى أسوة بباقي المرضى"، تقول المتحدثة بأسى كبير وعيون دامعة وهي تصف محنة أسرتها: "نتفهم أن الجميع تعب، الأطباء، الوزارة، الإدارة، الجميع أتعبته هذه الجائحة، لكن هل يعقل أن يعاني المواطن الأمرين ليجد سريرا في المشفى من أجل تلقي العلاج؟ ألا يعد هذا حقا من حقوقه؟ هل كنت سأتركه ليموت في البيت؟" تتساءل الزوجة الأربعينية. أسماء القتلى والناجين تتلى ببرود بعد دقائق، يتقدم أحد العاملين في قسم "كوفيد-19" بالمشفى لينادي بالاسم العائلي لبعض المرضى، لكي يتقدم أهاليهم من أجل أخذ توضيحات من الطبيب، ثم يتلو أسماء الذين توفاهم الأجل هذا اليوم بطريقة فجة باردة توقف عقارب الساعة ويسود الصمت لدقائق على وقعها، قبل أن يرتفع الصراخ وتتعالى مشاعر الألم وصخب التضرع إلى البارئ تعالى. دخلت حليمة وحيدة لتطمئن على والدتها، بعد أن ناداها العامل في المشفى وسمح لها بولوج مكتب رئيس قسم الإنعاش من أجل تقديم توضيحات بخصوص حالة والدتها المسنة والبالغة من العمر 81 سنة، ثم عادت بملامح جافة مصدومة بعد دقيقتين، لتخبر أشقاءها أن الأطباء قرروا إخضاع الوالدة المسنة للتنفس الاختراقي، بعد أن تعذر علاجها في غرفة الإنعاش العادية، وطلبوا منها أن تكون مستعدة لأسوأ خبر. حليمة وهي تذرف دمعها المتواري خلف الكمامة تقول: "الطبيب لم يكلف نفسه للشرح، يقول ليس هناك تحسن، دعيو معها"، مضيفة: "هذا فقط ما قاله. أنا لم أفهم ما هو التنفس الاختراقي وما هي ضرورته، ولم تتضح لي الصورة عن حالة والدتي، أتفهم أنها في حالة حرجة، لكن الطبيب يأخذ فقط أقل من دقيقة ليصفعنا بهذا الخبر دون تقديم أية توضيحات بهذا الخصوص". غير بعيد عن حليمة وأشقائها الثلاثة الذين يهمون بمغادرة هذا المكان المرعب وهم يجرون أذيال الخيبة، أفزعنا صراخ إحداهن تلقت خبر وفاة زوجها، بعد أن فشل التنفس الاختراقي في إنقاذ حياته من سطوة الفيروس اللعين، الذي تفشى في رئته وجثم على آخر أنفاسه قبل ترديد الشهادة. من خلف الباب الحديدي، نادى الوسيط بين الأهالي والأطر الطبية بالاسم العائلي للمريض، تقدمت زوجته وشقيقته بخطى سريعة، وأكدتا هويتاهما. أدخل الزوجة فقط فورا إلى الممر الذي سيأخذها إلى الطبيب ومنه إلى قسم الأموات، بعد أن أبلغها بخبر وفاة زوجها في الساعات الأولى من صبيحة ذات اليوم، بعدما تعسرت مقاومته للفيروس وفشل إجراء التنفس الاختراقي الذي تزود به الحالات الحرجة، من أجل إمداد رئتها بالأكسجين اللازم للحفاظ على حياتها، فيما بقيت الشقيقة مغمى عليها بالخارج من وقع الصدمة. الأطر الطبية والتمريضية: لقد تعبنا وقست قلوبنا "هذه المشاهد المؤلمة تحدث وتتكرر بصفة يومية هنا"، تقول ليلى وهي إحدى الممرضات في قسم "كوفيد-19" بالمستشفى المذكور ل"أخبار اليوم"، معتبرة هذا البرود الذي تتلى به أسماء القتلى وحالة المرضى الصحية "جد طبيعي. لقد ألفنا هذا الوضع الذي بات كارثيا ولا يبشر بالخير. الحالات الخطيرة والحرجة في تزايد مطرد، وهذا يفوق الطاقة الاستيعابية للمستشفى، وأيضا طاقتنا نحن كأطقم طبية وتمريضية. نعم قست قلوبنا مع توالي المآسي". وأشارت المتحدثة إلى أن المستشفى أصبح يسجل تكاثرا على مستوى الحالات الحرجة التي تحتاج إلى رعاية صحية في الإنعاش، إلى جانب حالات الإماتة التي هي في ارتفاع مستمر، والتي باتت تبلغ ما بين 5 أو 10 حالات في اليوم نفسه، وهو ما يفسر تطبيع الأطقم الطبية والتمريضية والعاملين في المستشفى مع الموت، وتخوفهم الكبير من خطر الإصابة، خاصة وأن الفيروس أزهق أرواحا عديدة في صفوف أصحاب الوزر البيضاء. وتابعت ليلى قائلة: "في اليوم الواحد نرى دموع ومآسي أكثر من أسرة واحدة، لكن ليس في اليد من حيلة. فنحن نقوم بكل ما أوتينا من قوة وإمكانيات بمحاولة إنقاذ المواطنين وإنقاذ أرواحهم من قبضة الفيروس، لكنه للأسف ينتصر في كثير من الأحيان"، مضيفة: "نحن في قلب حرب على واجهتين؛ نحاول إنقاذ المريض وحماية أنفسنا، علما أن التعب أنهكنا جدا وبعضنا شفي من المرض وعاد إلى عمله، والبعض الآخر توفته الجائحة، وكلها ضغوط نمر منها مع استمرار استنزافنا ماديا ومعنويا أيضا دون تعويض، فحتى العطل حرمنا منها". وفي ذات السياق، تفسر المتحدثة هذا الارتفاع المتزايد على مستوى عدد الحالات الخطيرة، والتي في غالب الأحيان يتم تصنيفها حرجة، ويتم تزويدها بالتنفس الاختراقي بعدها، قبل أن تنجو نادرا أو تتوفى بعد ساعات أو في حدود الخمسة أيام إذا تعسر التجاوب (تفسره) ب"تأخر المرضى في القدوم إلى المستشفى خاصة أصحاب الأمراض المزمنة"، مشيرة إلى أن "كل تأخير يكلفنا ويكلف المريض جهدا مضاعفا". يرجع البروفسور المصطفى الناجي سبب ارتفاع الوفيات في الأسابيع الأخيرة، وتحطيم المغرب رقما قياسيا جديدا في تسجله 60 حالة وفاة في يوم واحد، إلى أن المرضى المصابين بالفيروس يصلون إلى المستشفيات في حالات صحية حرجة وخطيرة وجد متأخرة من مراحل الإصابة، بمن فيهم الحالات المصابة بأمراض مزمنة. وأشار المتحدث ذاته إلى أن "أزيد من 20 في المائة من المصابين، الذين يصلون في حالة صحية خطيرة ومتقدمة ومتأخرة، يموتون بمجرد وصولهم إلى المستشفى، بما يعادل موت مريض من بين كل خمسة مرضى في حالة صحية خطيرة أو حرجة، والسبب هو تأخر وصولهم إلى المستشفى والتكفل بهم وعلاجهم، وبذلك يموتون بالرغم من الجهود المبذولة من طرف الأطقم الطبية". عدد الموتى سيتضاعف من جهته، يرى البروفيسور الحسين بارو، رئيس قسم الإنعاش والعناية المركزة بمستشفى ابن رشد في الدارالبيضاء، أن المغرب لا يسجل حاليا ارتفاعا كبيرا على مستوى الحالات الحرجة التي تكون في حاجة إلى الإنعاش السريري، مشيرا إلى أنه وعلى مستوى المستشفى حيث يعمل، يصل المعدل إلى ما بين 10 و12 حالة حرجة في اليوم الواحد فقط، فيما الوفيات تبقى في حدود المعقول. واعتبر البروفسور، في تصريحه ل"أخبار اليوم"، أن الوضعية الوبائية ببلدنا "مرتبكة قليلا"، غير أن التخوف الأكبر الذي يساور الأطقم الطبية هو تزامن الأنفلونزا الموسمية هذه السنة مع الجائحة، ما ينذر بإنهاك حتمي للمنظومة الصحية في القادم من الأسابيع، إذ سيختلط الأمر ونكاد لا نفرق بين أعراض الأولى والثانية، ما سيسهم في تفشي الفيروس أيضا من ناحية أخرى. هذا هو تخوفنا الأكبر حاليا، ووقتها أكاد أجزم بأن الحالات الحرجة ستتكاثر والوفيات أيضا ربما. وبخصوص مدى احتمالية نجاة المريض الموصول بالتنفس الاختراقي بغرفة الإنعاش من الموت، يقول رئيس قسم الإنعاش والعناية المركزة: "لأكون واضحا، احتمال النجاة ضعيف جدا، لأن 75 في المائة من المرضى في وضعية حرجة يفارقون الحياة، فيما عدد محدود يبقون متمسكين بالحياة"، مضيفا: "طبعا توجد عوامل أخرى تمهد الطريق نحو الموت؛ ومن بينها الإصابة بأمراض مزمنة، كالسرطان وأمراض الدم والقلب وتجلط الدماغ ونوبة قلبية وغيرها، وبالتالي عادة هذه الحالات التي يتم إسعافها في المستشفى في الحالة الطبيعية، يجثم على صدورها "كوفيد" أيضا ويضيق عليها الخناق ليسرع وفاتها". وبالنسبة للأعمار، يقول البروفسور بارو: "لدينا 80 في المائة من الوفيات تكون أعمارها فوق 65 سنة، ولكن أيضا 20 في المائة للأسف نفقد فيها أرواح شباب في عمر الزهور". حرية تجول الملفت للانتباه والمرعب في الآن ذاته أمام المستشفى أيضا، هو قدوم مرضى مصابين بفيروس كورونا من أجل الاطمئنان على ذويهم، ممن يعانون انتكاسات صحية في قلب حجرات الإنعاش، على غرار كريمة التي التقيناها أمام المستشفى، حيث أخبرت بوفاة زوجها هذا الصباح بعد خمسة أيام قضاها في غرفة الإنعاش. كريمة الشابة الثلاثينية علمت إصابتها بفيروس كورونا قبل خمسة أيام، عندما رافقت زوجها الراحل إلى قسم الإنعاش، حيث أخبرت الطبيب أنها من المخالطين ولكن لم تخضع لأي فحص مخبري، ولم تطلب منها السلطات الصحية أيضا ذلك، كما جرت به العادة في بروتوكول حصر المخالطين لتطويق الوباء منذ شهر مارس الماضي، قبل أن يوجهها لإجرائه مستغربا وتتبين إيجابية الفحص بعد يومين. هذا التغير اللافت أيضا على مستوى إجراء حصر مخالطي الحالات المصابة، نبهتنا إليه العشرات من أسر ومخالطي الحالات المؤكدة إصابتها ممن أكدوا، في تصريحات مختلفة ل"أخبار اليوم"، أن السلطات الصحية لم تتواصل معهم باعتبارهم مخالطين، وبعضهم من الميسورين أجرى الفحص المخبري للاطمئنان مقابل 600 درهم، فيما البعض الآخر اختار أو أجبر على تجاهل الأمر لتكلفته المادية أو تجنبا لسماع نتيجة لا ترضيه. كريمة وبعدما أجرت الفحص، تبين أنها مصابة بالفيروس اللعين، غير أنها تجول في المدينة مستقلة النقل العمومي وهي ترتدي قفازين بلاستيكيين وكمامة، والأكثر من هذا لا زالت تشتغل في مجال الحلويات وترفض إخبار مشغلها بمرضها، وتقول المتحدثة التي اتصلنا بها بعد يومين من وفاة زوجها: "أحاول ألا أؤذي الآخرين، أخذت جميع الاحتياطات لكن لا يسعني إخبار المشغل أنني مريضة بكورونا، أو أن زوجي توفي بسبب هذا الوباء، فمصيري سيكون الطرد وسأجد نفسي في الشارع"، مضيفة: "أخبرتهم أنه تعرض لحادثة سير فقط، فقد رحل ولم أعد أملك غير عملي. لا أريد أن أفقده هو الآخر، إذ لا معيل لي". وزادت المتحدثة: "لا تظهر علي أعراض، كما أنني لست مصابة بأي مرض مزمن. حالتي الصحية جيدة، وكنت أنتبه جيدا كي لا أمرر العدوى لأحد في الشارع أو في العمل طيلة الفترة السابقة أيضا". تخل عن تتبع المخالطين تصريح كريمة وعدد من ذوي المصابين، بخصوص تتبع سلسلة مخالطي الحالات المؤكدة، دفعنا إلى التواصل مع وزارة الصحة لاستفسارها حول موضوع حصر المخالطين، غير أن "الصمت ورفض تقديم توضيحات ظل سيد الموقف، بالرغم من توالي تحذيرات الخبراء والدراسات الرسمية وغير الرسمية، بشأن التخبط والارتباك الذي يعانيه القطاع الصحي منذ فترة، والذي ينذر بخطر وانفجار وبائي وشيك، خاصة مع التزامن المنتظر للجائحة مع الأنفلونزا الموسمية في الأسابيع القليلة المقبلة". من جانبه، اعتبر أحد أطباء قسم الإنعاش بالمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، أبى الكشف عن هويته، أن تدبير الأزمة الوبائية ببلدنا دخل منذ فترة مرحلة "العبث"، مشيرا إلى أن "الوزارة الوصية تتحمل بدورها جزءا كبيرا من المسؤولية في ارتفاع الحالات الحرجة والخطيرة، بعد تخليها عن إجراء متابعة المخالطين وتحقيق الكشف المبكر وتطويق الوباء، فمع كل تأخير في الكشف نعطي الفيروس فرصة ثمينة في الانتشار، وبالتالي يرتفع تلقائيا عدد الحالات الحرجة والخطيرة، وأيضا الوفيات". وزاد المتحدث موضحا في حديثه ل"أخبار اليوم": "من جهة، فإن المنظومة الصحية أرهقت؛ ومن جهة أخرى، فإن المواطن تعب وتراخى؛ ثم من جهة ثالثة، السلطات الصحية تخلت عن إجراء التتبع للمخالطين من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، أي مخالطي المخالطين، كما أن رفع عدد المختبرات وإمداد المختبرات الخاصة بتراخيص، لا يكفيان أيضا إذا كنا لن نحقق شرط التتبع"، مضيفا: "كأطباء نصادف كثيرا ذوي المرضى العزل هنا، ممن لم تتواصل معهم السلطات الصحية من أجل إجراء الفحوصات، وفي كل مرة نضطر إلى التدخل كي لا يصل الوضع إلى حالة لا نرجوها. الحرب ضد الوباء غير متكافئة إذا لم نحقق الكشف المبكر". وتأسف الطبيب على واقع ربط المسؤولية بالمحاسبة ببلدنا، مستحضرا النموذج الفرنسي عندما داهمت السلطات مكتب ومنزل وزير الصحة أوليفييه فيران، ورئيس الوزراء السابق إدوار فيليب، وعدد من الشخصيات الحكومية، في إطار تحقيق حول إدارتهم لأزمة كورونا. نفس الشعور كان لدى البروفسور جمال الدين البوزيدي، الطبيب الاختصاصي في الأمراض التنفسية، وهو يقارن بين النتائج المهمة التي حققها المغرب في المرحلة الأولى، بفضل القرارات التي اتخذتها السلطات المغربية بتوجيهات من الملك، وبين إهدارها لسببين يراهما الطبيب "منسلخين عن حس المسؤولية". وأوضح البوزيدي، في تصريحه ل"أخبار اليوم"، أن بلدنا يعيش حاليا انتكاسة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ يتلخص السبب الأول في "بعض المواطنين الذين لم يمتثلوا للإجراءات الاحترازية الموصى بها"، وذلك، بحسب الطبيب، "لقلة التجربة والاستفادة من الدروس على عكس كوريا الجنوبية مثلا، التي أخذت التجربة سلفا من مرض متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس"، وبالتالي الشعب امتثل تلقائيا لهذه التوصيات؛ كالكمامة والتباعد وغيرها، ولم يحدث أي ارتخاء حتى تم الانتصار على "كوفيد"، غير أن المغرب للأسف لم يستفد من كل تلك الدروس". السبب الثاني، والذي وقف عنده البروفسور البوزيدي شخصيا، "وأتحمل مسؤوليتي فيما أقول، هو أن هناك نوعا من التراخي أو عدم الوعي التام والكبير جدا لدى السلطات الصحية، مثلا على مستوى الرباط، نجد مواطنين أيضا خضعوا للفحوصات وظهرت إيجابية، لكن لم يتوصلوا بأي مكالمة ولم يتواصل معهم أحد بالرغم من مرور أسبوع"، يقول الطبيب مضيفا: "فبالأحرى كيف سيصلون إلى المخالطين، ثم بعض المواطنين المؤكدة إصابتهم يأخذون المبادرة ويحاولون أخد الهيدروكسي كلوروكين الذي يعد العمود الفقري للدواء، ويكون فعالا جدا في المرحلة الأولى، وهي مرحلة الأنفلونزا التي تكون أعراضها تتطابق مع الأنفلونزا الموسمية، وهي المرحلة التي ينفع فيها العلاج بهذا الدواء، بحسب ديديه راؤول وغيره، ولكن ومع الأسف، هؤلاء المواطنون لا يتوصلون بالدواء، وبالتالي تسوء حالتهم ويتعسر العلاج أيضا". وتابع المتحدث: "كما أن بعض المصابين يحاولون التواصل مع مندوبية الصحة بالرباط مثلا، لكن لا حياة لمن تنادي؛ إذ لا أحد يجيب، وأنا شخصيا حاولت مرتين التواصل معهم من أجل أخذ دواء لمريضة مصابة بالفيروس لكن للأسف لم يحدث، لا يوجد تواصل ولا حتى اهتمام بالمرضى أو الحالات المؤكدة ناهيك عن المخالطين أيضا، وبدون هذا لا يمكن أبدا القضاء على الوباء". وشدد البروفسور البوزيدي على أن المغرب يعاني اليوم "نوعا من انعدام المسؤولية في تدبير الأزمة الوبائية، وقد تكون للأمر علاقة بإنهاك الأطقم الطبية التي تجندت منذ ستة أشهر وأكثر، لكن حتى الآن لا يوجد تفسير حاليا حول لماذا أرواح المواطنين معرضة للخطر. يوجد استهتار بأمانة صحة المواطنين، واستهتار بقسم أبقراط وخيانة لتوجيهات الملك محمد السادس".